Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Analytica Posteriora (Posterior Analytics)

〈الضرورة فى مبادئ البرهان〉

فإن كان العلم البرهانى من مبادئ ضرورية (وذلك أن ما يعلمه الإنسان علما لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه) وكانت الأشياء الموجودة بذاتها هى الأمور الضرورية للأمور (إذ كان بعضها موجودا فى حدود الأمور، وبعضها — وهى التى أحد المتقابلين قد يلزم ضرورة أن يوجد فى الأمور للأمور نفسها — موجودة فى حدود المحمولات عليها) — فمن البين أن المقاييس البرهانية إنما تكون من أمثال هذه: وذلك أن كل شىء إما أن يكون موجوداً بهذا النحو، وإما أن يكون بالعرض. والأشياء التى بالعرض ليست ضرورية.

فإما أن يكون ينبغى أن نجرى القول على هذا النحو، وإما أن نضع مبدءا ما. فنقول: إن البرهان هو شىء ضرورى، وإن كان شىء ما قد يبين فإن هذا لا يمكن أن يكون على خلاف ما هو عليه، فقد يجب إذن أن يكون القياس من أشياء ضرورية. وذلك أنه قد يمكن الإنسان أن يقيس من مقدمات صادقة، من غير أن يبرهن. فأما أن يبين، فلا سبيل إلا من الضرورية: وذلك أن هذا هو خاصة البرهان. والدليل على أن البرهان إنما يكون من أشياء ضرورية هو أن المتعاندة إنما تأتى بها على الذين يظنون أنهم قد بينوا أشياء بأن يروا أن ليس ما يأتون به ضروريا، أو يمكن بالجملة أن يكون على جهة أخرى، أو أنه بحسب القول فقط.

فظاهر بين من هذه الأشياء أن الذين يظنون أنهم مصيبون فى أخذ المبادئ متى كانت المقدمة صادقة مشهورة هم قوم 〈فيهم عـ〉ـته: مثل ما يأتى به السوفسطائيون، وهو أن الذى له علم يعلم ماهو العلم. وذلك أنه ليس إنما تكون المقدمة مبدءا بأن تكون مقبولة أولا، لكن من طريق أنها أولى لذلك الجنس الذى عليه يكون البرهان. وليس كل حق هو مناسبا خاصياً.

وقد يتبين من هذه الأشياء أيضا أن القياس قد يجب أن يكون من الأشياء الضرورية. وذلك أنه إن كان الذى ليس له عنده القول على لم الشىء — والبرهان موجود — ليس هو عالما. وهذا يكون بأن تكون ا موجودة لـ حـ من الضرورة، وأما لـ ٮ التى هى أوسط وبتوسطه كان البرهان ليس هو من الضرورة فإنه لا يعلم لم هو. وذلك أن هذا ليس هو من أجل الأوسط إذ كان هذا قد يمكن ألا يكون، وأما النتيجة فهى ضرورية. — وأيضا إن كان الإنسان لا يعلم من حيث له القول الآن وهو باق والأمر الذى كان يعلمه من قبل باق ولم يتبعه. والأوسط قد يفسد فسادا من قبل أنه ليس هو ضروريا. فقد يكون القول إذن حاصلا له وباقيا والأمر باق، غير أنه لا يعلم. فإذن ولا فيما تقدم كان يعلم أيضا. فإن لم يكن الأوسط قد فسد، لكن قد يمكن أن يفسد، فالأمر اللازم هو ممكن، إلا أنه غير ممكن أن يكون لنا علم بالأشياء التى هذه حالها.

أما إذا كانت النتيجة هى من الضرورة، فلا مانع يمنع أن يكون الأوسط الذى به تثبت ليس هو ضروريا. وذلك أنه قد يمكن أن نقيس على الضرورى من أشياء غير ضرورى، كما يكون الصدق أيضا من أشياء غير صادقة. وأما متى كان الأوسط ضروريا، فالنتيجة أيضا موجودة من الضرورة، كما أن النتيجة التى من المقدمات الصادقة هى أيضا دائما صادقة. فلتكن ا على ٮ من الاضطرار، وهذه على حـ : فـ ا إذن موجودة أيضا لـ حـ من الاضطرار. فأما إذا لم تكن النتيجة ضرورية فولا الأوسط أيضا يمكن أن يكون ضروريا. وإلا، فلتكن ا موجودة لـ حـ ليس من الضرورة، و لـ ٮ، وهذه أيضا لـ حـ من الاضطرار: فـ ا إذن قد تكون موجودة لـ حـ من الاضطرار، لكن لم يوضع هذا. فلما كان متى علم الإنسان بطريق البرهان قد يجب أن يكون موجودا من الاضطرار، فمن البين أنه قد يجب أن يكون البرهان إنما هو حاصل لنا بأوسط هو أيضا ضرورى. وإلا لم يكن بالذى نعلم، لا لم الشىء ولا أن ذلك الأمر موجود من الاضطرار، لكن إنما يظن ظناً أنه يعلم، وهو لا يعلم إذ كان ظاناً بالأمر الذى ليس هو ضروريا أنه ضرورى وإلا يكون يظن ولا ظنا أيضا كان عنده من أمر الشىء أنه قد كان عالما أنه موجود بالأوساط، أو كان عنده من أمره لم هو بالأوساط أيضا على مثال واحد.

وذلك أن الأعراض التى ليست موجودة بالذات على الجهة التى عليها حددت وميزت الأشياء التى بالذات ليس عليها علم برهانى. وذلك أنه لا سبيل إلى أن يبين أن النتيجة ضرورية، إذ كان العرض قد يمكن أن يؤخذ ويمكن ألا يؤخذ. وذلك أنى ما أريد بقولى هذا عوضا هذه حاله. — على أنه لعل الإنسان أن يتشكك فيقول: إن لم تكن النتيجة موجودة من الضرورة، فأى سبب يوجب أن يسأل عن مثل هذه الأشياء إذا كانت النتيجة ليس ضرورية؟ 〈إذ〉 أنه لا فرق فى ذلك أن يكون الإنسان عند ما يسأل أى شىء اتفق عند ذلك 〈بالنتيجة〉. وقد يجب أن يسأل ليس على أنه ضرورى من أجل 〈القضايا المطلوبة〉، لكن من قبل أنه قد يلزم ضرورةً أن يخبر بها ويصرح بها الذى يقول الأقاويل، وأن يقولها قولا حقا إن كانت هذه موجودة على الحقيقة.

ولما كانت الأشياء الموجودة من الاضطرار فى كل واحد واحد من الأجناس إنما هى جميع الأشياء الموجودة بذاته وبما هو كل واحد واحد، فمن البين الظاهر أن البراهين إنما تكون على الأشياء الموجودة بذاتها. ومن أمثال هذه هى موجودة. وذلك أن الأعراض ليست ضرورية. ولهذا السبب لا سبيل إلى أن تعلم النتيجة من الاضطرار. ولا أيضا لو كانت موجودة دائما إلا أنها ليس بالذات: مثال ذلك المقاييس التى تكون بالعلامات. وذلك أن ماهو بالذات ليس تعلمه أنه بالذات، ولا أيضا لم هو. وذلك أن العلم بالشىء: «لم هو؟» هو أن نعلمه بالعلة. فقد يجب إذن لهذا السبب أن يكون الأوسط موجوداً للثانى أيضا، والأول للأوسط بالذات.