Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Analytica Posteriora (Posterior Analytics)

〈فضل البرهان الكلى〉

ولما كان البرهان منه كلى ومنه جزئى، ومنه حملى ومنه سالب — ففى ذلك مواضع للشك: وهو أى البرهانين ليت شعرى أفضل! وكذلك قد نتشكك فى البرهان الذى يقال إنه برهانى، وفى الذى يسوق الكلام إلى ما لا يمكن. فلنبحث أولا عن البرهان الكلى والجزئى. فإذا ما نحن كشفنا أمر هذين، ففى عزمنا أن نتكلم فى البرهان المستقيم، وفى السائق الى ما لا يمكن. ولعل قوما يظنون أن البرهان الجزئى هو أفضل عندما يجعلون بحثهم بهذه الطريق. قالوا: إن كان البرهان الذى به نعلم أكثر هو برهاناً 〈أفضل〉 — وذلك أن هذا هو فضيلة البرهان — وقد يعلم كل واحد متى علمناه بذاته أكثر من علمنا به عند نظرنا إليه بشىء آخر: مثال ذلك علمنا بأن قورسقوس هو موسيقار متى كان قورسقوس موسيقارا، أكثر من علمنا به مما هو إنسان. وكذلك فى تلك الأخر الباقية.

وأما البرهان الكلى فإنه إنما يبين ماهو ذلك الآخر، وليس ذلك الشىء الشىء الذى اتفق أن يكون هو يبين — مثال ذلك البرهان على المثلث المتساوى الساقين لا بما هو متساوى الساقين، لكن بما هو مثلث.

وأما البرهان الجزئى فإنما يبين ذلك الشىء الذى هو. فإن كان البرهان الذى يبين بذاته هو أفضل، وهذا هو البرهان الجزئى أكثر من الكلى، فالبرهان الجزئى أفضل من الكلى. — وأيضا إن كان الكلى ليس هو شيئا خارجا عن الأوحاد والجزئية، والبرهان يوهمنا أن هذا هو شىء، أعنى الذى يكون البرهان فيه، وأن هذه الطبيعة هى شىء موجود فى الأشياء الموجودة — مثال ذلك أن المثلث هو شىء خارج عن هذا المثلث وهذا المثلث، وأن الشكل هو خارج عن هذا وهذا، وأن العدد خارج عن هذا العدد و هذا العدد؛ وكان البرهان على ماهو موجود أفضل من البرهان على ما ليس هو موجودا؛ وكان البرهان لا يكون سبباً للخدعة والضلالة أكثر من الذى يكون سببا لذلك، وكان البرهان الكلى هذه حاله (وذلك أنهم إنما ينسون إذا ما أمعنوا إلى بين أيديهم مثل البرهان على التناسب — مثال ذلك: أن أى شىء كان مثل هذا هو متناسب، وهذا هو لاخط ولا عدد أيضا ولا مجسم ولا سطح، لكن شىء آخر غير هذه، خارج عن هذه)؛ فإن كان البرهان الكلى هو فى هذا المعنى أكثر، وهو على ما هو موجود أقل من الجزئى، وقد يركز فينا ظناً كاذبا فيكون البرهان الكلى أخس من الجزئى. فنقول فى هذا: أما أولا فليس أحد القولين فى الكلى 〈أقل مما〉 هو فى الجزئى. وذلك أنه إن كان القول بأن الزوايا مساوية لقائمتين ليس هو بما هو متساوى الساقين، لكن بما هو مثلث، فالذى يعلم أنه متساوى الساقين علمه به أقل من الذى يعلم أنه مثلث. وبالكلية إن كان إنما يبين بعد أن يأخذ ما ليس هو له بما مثلث، فليس يكون برهان. فإن كان يبين لما هو موجود له، فالذى يعلم كل واحد بما هو كل واحد فقد يعلمه أكثر. فإن كان إذاً المثلث هو أكثر وكان الحد واحدا بعينه، وليس معنى المثلث على طريق الاتفاق فى الاسم. وقد يوجد معنى ما لكل مثلث، وليس وجود مثل هذه الزوايا له بما هو متساوى الساقين، لكن ذلك المتساوى الساقين إنما هو مثلث. فالذى يعلم إذن كليا هو بما هو به موجود أكثر علما مما هو عالم به على طريق الجزئى. فالبرهان الكلى إذاً أفضل.

وأيضا إن كان الأمر الكلى هو قولا ما واحداً وليس هو على طريق الاتفاق فى الاسم، فليس وجوده بأقل من الأوحاد والجزئية، لكن أكثر أيضا بمبلغ ما هى فيه غير فاسدة؛ والجزئية خاصة هى فاسدة. وأيضا ليس يدعو أولا ضرورة واحدة من طريق أنه يدل على واحد أن يظن أن هذا هو شىء خارج عن هذه. وذلك أن الحال فى ذلك ليست أكثر مما فى سائر الأشياء الأخر التى هى جميع الأشياء التى ليس تدل على شىء إلا: إما كيفية، وإما مضاف، وإما يفعل، وسائر ذلك. فإن كان الظن بهذا ضروريا، فليس اللوم راجعا على البرهان، لكن الذى ينصت.

وأيضا إن كان البرهان قياسا على العلة وعلى «لم هو»، وكان الكلى فى باب العلة أكثر (وذلك أن ما يوجد له الشىء بذاته هذا هو العلة له؛ كأن الكلى هو الأول؛ والكلى إذن هو علة). فإذن هذا البرهان أيضا أفضل، إذ كان بيانه عن العلة وعن لم الشىء.

وأيضا فإنما نطلب لم الشىء إلى أن ننتهى إلى هذا، وحينئذ نظن ونرى أنا قد علمنا متى لم يوجد شىء آخر خارجا عن هذا من أجله إما أن يكون كائنا أو يوجد وجودا، وذلك أنه بهذا النحو هو آخر ونباية — مثال ذلك نحو: ماذا جاء 〈به〉؟ فيقال: لكيما يأخذ المال؛ وهذا ليقضى غريمه الدين؛ وهذا لكيما لا يظلم.

فإذا أمعنا على هذا النحو متى لم يكن من أجل شىء آخر، ولا على أنه لشىء آخر، فقد هول أن مجيئه كان من أجل هذا كالأخير لما يكون ولما هو موجود، وأنا حينئذ نعلم خاصة لماذا جاء. — فإن كان الأمر فى سائر العلل وفى لم الشىء يجرى على هذا المثال، وكان فى جميع العلل التى هى على هذا النحو علل، على أنها نحو ماذا هكذا تعلم خاصة، فإذاً فى تلك الأخر أيضا الباقية حينئذ يعلم أكثر متى لم يوجد هذا من أجل شىء آخر. فمتى علمنا أن الزوايا الخارجة مساوية لأربع قوائم من قبل أنه متساوى الساقين، فذلك ناقص. ولماذا هو بما هو متساوى الساقين؟ فيقال: إنه من أجل أنه المثلث؛ وهذا من أجل أنه شكل مستقيم الخطوط. وإن كان هذا ولا يوجد حينئذ شىء آخر هو من أجله، فحينئذ نعلم أكثر؛ والكلى أيضا فحينئذ نعلمه. فالكلى إذاً أفضل.

وأيضا كل ما كان جزئياً فوقوعه إلى ما لا نهاية. وأما الكلى فمصيره إلى شىء بسيط ونهاية. والأمور أما بما هى بلا نهاية فهى غير معلومة؛ وأما بما هى متناهية فهى معلومة. فهى إذاً من طريق الكلية أكثر معلومة مما هى كذلك من طريق الجزئية. فالأشياء الكلية إذاً هى فى باب ما هى مبرهنة أكثر. والأشياء التى هى مبرهنة أكثر برهانا أكثر، إذ كانت المضافات معاً تكون أكثر. فالكلية إذاً أكثر من قبل أنها برهان هو أكثر.

وأيضا أن كان البرهان الذى يعلم به هذا الشىء وشيئا آخر هو آثر من الذى إنما يعلم به هذا فقط؛ وكان الذى عنده علم الكلى قد يعلم الجزئى أيضا، وأما هذا فلا يعلم الكلى. فالكلى إذن على هذا القياس آثر.

وأيضا فإن البرهان على طريق الكلية خاصة هو أن يبرهن بأوسط هو أقرب إلى المبدأ؛ والذى هو أقرب إلى المبدأ هو أكثر استقصاءاً ويقيناً من الذى ليس هو من المبدأ، وكان الذى هو من المبدأ أكثر من الذى هو منه أقل، وكان هذا هو الذى أكثر كليا. فالكلى إذن هو أفضل. مثال ذلك: إن كان يجب أن نبين أن ا على ى، والأوساط هى التى عليها ٮ حـ التى قيلت، وكانت ٮ أعلى؛ فالبرهان إذاً الذى يكون بهذا هو أكثر كلية.

إلا أن بعض الأقاويل فى هذا هى منطقية. وأما ما منه يعلم خاصةً أن الكلى أكثر وأحق، ففى المقدمات. وذلك أنه إذا ما كانت لنا الأولى فقد نعلم — بنحو ما — أيضا، ونحن مقتنون لها بالقوة. مثال ذلك إن كان الإنسان يعلم أن كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين، فهو يعلم بنحو ما أن زوايا المتساوى الساقين أيضا مساوية لقائمتين. فهو يعلم بالقوة — وإن لم تكن له خبرة — بأن المتساوى الساقين هو مثلث. وأما الذى له هذه المقدمة فليس عنده علم بالكلية بتةً، لا بالقوة ولا بالفعل أيضا.

والكلى هو معقول. وأما الجزئى فيؤول أمره إلى الحس.