Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Analytica Posteriora (Posterior Analytics)

〈امتناع البرهان بطريق الحس〉

وأيضا لا سبيل إلى قبول العلم بالحس. وذلك أنه إن كان 〈الحس〉 لشىء هو مثل هذا وليس هو بهذا، لكن قد يلزم أن يكون الإحساس بهذا الشىء وأين والآن. وأما الكلى والذى هو فى كل شىء، فليس يمكن أن يقع بالإحساس، إذ كان ليس هو لهذا، ولا هو الآن أيضا؛ وإلا ما كان يكون كليا. وذلك أنا إنما نقول 〈إنه〉 كل الأمر الذى هو دائم وفى كل موضع. فلما كانت البراهين من الأشياء الكلية، وكان لا سبيل إلى أن يقع الإحساس بهذه، فمن البين أنه لا سبيل إلى قبول العلم بالحس، بل معلوم أنه لو كان وجد السبيل إلى الإحساس بأن المثلث زواياه الثلاث مساوية لقائمتين، لقد كنا نطالب بالبرهان على هذا، وليس (كما يقول) قوم إنا قد كنا نكون عالمين به. وذلك أن الحس قد يلزم أن يكون للأوحاد والأشياء الجزئية. وأما العلم فإنما هو العلم لشىء كلى. ولهذا السبب فإنا ولو كنا حاصلين فوق القمر وكنا نعاين أن الأرض تستره، لما كنا نعلم علة الكسوف. وذلك أنا إنما كنا نحس حينئذ أنه قد أظلم الآن؛ وما كنا بالذين نعلم بالكلية لم، إذ كان الحس ليس هو للأمر الكلى. وأيضا من المشاهدة بأن هذا الشىء قد عرض مرات كثيرة إذا تصيدنا الكلى كنا نقتنى برهانا؛ إذ كان الكلى يظهر من جزئيات كثيرة.

والكلى هو أشرف، من قبل أنه ينبئ ويعرف السبب. فإذن الكلى على أمثال هذه هو أشرف من الحس ومن التصور أيضا بالعقل فى الأشياء التى الواحد منها سببها. فأما الأوائل فالكلام فيها كلام آخر.

فمن البين إذن أنه لا يمكن أن يكون معنى الإحساس هو معنى علم شىء من الأشياء التى عليها برهان، اللهم إلا أن يحب إنسان أن يسمى العلم بالبرهان الإحساس. — إلا أنه قد توجد أشياء ترقى فى المطالب إلى فقد الحس. وذلك أن بعض الأشياء لو كنا نعاينها لما كنا نبحث؛ وليس ذلك من قبل أنا كنا نحصل علما بالمعاينة والإبصار؛ لكن من قبل أنا كنا نحصل الكلى من المعاينة والإبصار؛ مثال ذلك أنا لو كنا نبصر الزجاج أن فيه مسام؛ وكنا نرى الضوء يخرقها، لقد كان يتبين لنا لأى سبب يخرق من قبل أن البصر فى كل واحد واحد على الانفراد يتصور معا أن الحال فى كلها هذه الحال.