Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Analytica Posteriora (Posterior Analytics)

〈الحد لا يمكن أن يبرهن على الماهية〉

فعلى أى جهة يبين الجوهر، عندما يفصل ويحدد، معنى ما هو موجود؟ وذلك أن ليس فعله كفعل الذى يبين من الأشياء المقر بها: أنها ظاهرة أنه قد يجب ضرورة إذا كانت تلك موجودة يكون شىء آخر موجوداً، إذ كان هذا هو برهانا. ولا أيضا فعله كفعل من يستقرئ الأشياء الجزئية، من قبل أنها ظاهرة، على أن جميعها هى على هذه الحال من قبل أنه ليس يوجد ولا واحد على خلاف ذلك؛ وذلك أنه ليس إنما يبين ما هو، لكن إما أنه موجود، وإما أنه غير موجود. فأى وجه آخر يبقى؟ وذلك أنه لا سبيل إلى أن يبين بالحس أو بالإصبع.

وأيضا فكيف يبين معنى ماهو؟ فإنه قد يلزم الذى يعلم ماهو الإنسان أو شيئا آخر — أى شىء كان — أن يعلم أيضا أنه موجود. وذلك أن ما ليس هو موجودا فليس إنسان من الناس يعلم ما هو. لكن إذا قلت: عنزائيل — قد يعلم على ماذا تدل الكلمة والاسم. فأما 〈ما〉 هو عنزائيل فلا يمكن أن يعلم.

فإن كان إذاً يبين ماهو يبين أيضا بقول واحد بعـ〈ـينه〉 أنه موجود، وكيف هو، إذ كان الحد والبرهان يدلان على شىء واحد. ومعنى ماهو الإنسان، ومعنى أنه موجود، مختلفان. وأيضا إنما يقول إنه يلزم أن يبين أنه موجود لكل ماهو موجود بالبرهان متى لم يكن الموجود جوهراً. وقولنا الموجود ليس هو جوهراً الشىء من الأشياء، إذ كان الموجود ليس هو جنسا. فالبرهان إذاً يكون على أنه موجود. وهذا هو الذى تجرى عليه الآن العلوم. وذلك أن المهندس إنما يقتضب اقتضابا على ماذا يدل المثلث، وأما أنه موجود فيبرهن برهانا. فما الذى يبين إذاً الذى بحد ما هو، لا المثلث. فإذا علم الإنسان بالحد ماهو، ليس يعلم أنه موجود، لكن ذلك غير ممكن.

وظاهر أيضا فى ضروب الحدود التى لا يبين بها من يحد أنه موجود. وذلك أنه إن كانت الدائرة شيئا متساوياً من وسطه، إلا أنه ليس يخبر لم هو كذلك هذا المحدود، ولم صارت الدائرة هذا المعنى. وذلك أنه لقائل أن يقول إن هذا المعنى هو لجبل من نحاس أيضا؛ فإنه ليس تعرف الحدود أنه قد يمكن أن يوجد ما خبر به. ولا أيضا أن الحدود هى لذلك الشىء الذى عبروا عنه، لكنه مطلق دائما أن يقال لم هو. فإن كان إذاً الذى يحد يبين بيانا إما ماهو، وإما على ماذا يدل اسمه إن لم يكن أصلا لما هو قد يكون الحد قولا دلالته دلالة الاسم بعينها. لكن هذا شنع: أما أولا فمن قبل أنه قد يكون لأشياء ليست جواهر ولأشياء ليست موجودةً أيضا. وذلك أنه لنا أن تدل على أشياء ليست موجودة. وأيضا يكون جميع الكلام حدودا، إذ كان قد يوضع اسم لأى كلمة كانت، فيؤخذ إذن اباجغيا أنا نلفظ ونتكلم بالحدود، ويكون ايلياس حدا. وأيضا ولا برهان واحداً يبرهن على أن هذا الاسم يدل على هذا الشىء. فإذاً ولا الحدود أيضا تعرف هذا.

فمن هذه الأشياء يظهر أن ليس الحد والقياس شيئاً واحداً بعينه، ولا أيضا القياس والحد لشىء واحد بعينه. ومع هذه أن الحد لا يبين بيانا ولا شيئا من الأشياء. ولا سبيل أيضا الى أن يعلم معنى ماهو، لا بالحد ولا بالبرهان أيضا.