Analytica Priora (Prior Analytics)
〈القياس الحملى من الشكل الأول〉
فإذ قد حددت هذه الأشياء، فلنقل بأى، ومتى، وكيف يكون كل قياس. وبعد ذلك ينبغى أن نتكلم فى البرهان، لأن الكلام فى القياس أولى بأن يقدم من أجل أن القياس أعم من البرهان، لأن البرهان هو قياس ما، وليس كل قياس برهاناً.
فإذا ما كانت الحدود الثلاثة مرتبةً بعضها مع بعض على هذه الصفة، وهو أن يكون كل الأخير موجودا فى كل الأوسط، وكل الأوسط موجودا فى كل الأول أوغير موجود فى شىء منه، فمن الاضطرار أن يكون حينئذ من الرأسين قياس كامل، وأعنى بالأوسط الذى هو فى شىء وفيه شىء آخر، وهو فى المرتبة أيضا أوسط. والرأسان أحدهما فى شىء والآخر فيه شىء. ومثال ذلك أن ا إن كانت مقولة على كل ٮ وكانت ٮ تقال على كل حـ، فمن الاضطرار أن تقال ا على كل حـ. وقد وصفنا ما يقال على كل الشىء فيما تقدم.
وأيضا إن كانت ا غير مقولة على كل شىء من ٮ وكانت ٮ تقال على كل حـ، فإن ا لا تقال على شىء من حـ.
فإن كان الأول فى كل شىء من الأوسط، والأوسط لا فى شىء من الأخير، فليس يكون من الرأسين قياس، لأنه لا يؤلف منها شىء باضطرار. وذلك أن الأول ممكن أن يكون موجوداً فى كل الأخير وغير موجود فى شىء من الأخير، فليس يكون منهما قياس باضطرار، لا جزئى ولا كلى. فحدود الموجود فى الكل: الحى والإنسان والفرس؛ وحدود ما ليس بموجود فى شىء: الحى والإنسان والحجر. فالحياة فى كل إنسان، والإنسانية لا فى شىء من الخيل، والحياة موجودة فى كل الخيل؛ وأيضا الحياة فى كل إنسان، والإنسية لا فى شىء من الحجارة، فالحياة غير موجودة فى شىء من الحجارة. وكذلك إذا لم يوجد الأول فى شىء من الأوسط، ولا الأوسط فى شىء من الأخير، لا يكون قياس. فحدود الموجود فى الكل: النطق والفرس والإنسان، وما ليس بموجود: النطق والفرس والحمار. فإذا كانت الحدود كلية فى هذا الشكل الأول فقد بينا متى يكون قياس، ومتى لا يكون. وإذا وجد قياس، فمن الاضطرار أن توجد الحدود على ما وصفنا. وإذا وجدت الحدود على ما وصفنا، وجد القياس.
وأما إذا وجد أحد الحدود كلياً والآخر جزئياً، وكان الكلى هو الرأس الكبير: موجباً كان ذلك أو سالبا، وكان الجزئى هو الرأس الصغير وكان موجبا، فمن الاضطرار أن يكون قياس كامل. وأما إذا كان الكلى هو الصغير أو وجدت الحدود على غير ما وصفنا كائناً ما كان، فليس يمكن أن يكون قياس. والرأس الكبير هو المقول على الأوسط، والصغير هو المقول عليه الأوسط. ومثال ذلك أن ا موجودة فى كل ٮ، وٮ فى بعض حـ. فإن كان ما قيل أولا فى الحدود الكلية جائزا، فمن الاضطرار أن تكون ا موجودة لبعض حـ. وأيضا إن لم تكن ا موجودة فى شىء من ٮ وكانت ٮ موجودة فى بعض حـ، فمن الاضطرار أن تكون ا غير مقولة على بعض حـ.
وقد حد القول فيما لا يقال على شىء، فيكون هذا إذاً قياسا كاملا. — وعلى هذا المثال أيضا إن كانت ٮ حـ مهملة غير محدودة وكانت موجبة، لأن القياس فى الجزئية والمهملة واحد: وذلك أنه إن كانت ا موجودة فى كل ٮ، وكانت ٮ فى حـ وغير محدودة، فإن ا فى حـ وغير محدودة. — وأيضا إن كانت ا غير موجودة فى شىء من ٮ، وكانت ٮ فى حـ وغير محدودة، فإن ا لا فى حـ وغير محدودة. فالقياس إذا سواء استعملت غير المحدودة أو الجزئية.
فـأما إذا كان الحد الكلى هو الرأس الصغير: موجباً كان أو سالباً، وكان الرأس الأخير غير محدود أو جزئياً: سالباً كان أو موجباً، فليس يكون قياس. ومثال ذلك أن ا موجودة فى بعض ٮ، وٮ فى كل حـ، فحدود الموجود فى الكل: الخير والقنية والحكمة، وما ليس بموجود فى شىء: الخير والقنية والجهل. وأيضا إن كانت ٮ غير موجودة لشىء من حـ و ا موجودة لبعض ٮ أو غير موجودة للبعض أو غير موجودة للكل، فلن يكون من ذلك قياس. فحدود الموجود: الأبيض والفرس وققنس، وما ليس بموجود: الأبيض والفرس والغراب. وكذلك إذا كانت ا ٮ غير محدودة.
لا ولا يكون القياس إذا كان الحد الكلى هو الرأس الكبير: موجباً كان أو سالبا، وكان الرأس الصغير سالباً جزئياً، ¬— كأن الشىء لا يوجد فيه الحد الأوسط: فقد يوجد فى جميعه الحد الأكبر ولا يوجد فى شىء منه. ومثال ذلك أن ا موجودة فى كل ٮ، وٮ غير موجودة لبعض حـ أو غير موجودة لكل حـ، فحدود ذلك: الحى والإنسان والبياض. ثم المأخوذ من البياض ما لا يقال عليه الإنسان؛ فليكن ذلك ققنوس والثلج. فالحى مقول على كل هذا، وغير مقول على شىء من ذلك، فلن يكون إذا قياس. — وأيضا ا غير موجودة فى شىء من ٮ، وٮ غير موجودة فى بعض حـ، فحدود ذلك: غير النامى والإنسان والأبيض. ثم ليؤخذ من الأبيض ما لا يقال عليه الإنسان مثل ققنوس والثلج، فيصير غير النامى مقولاً على كل هذا وغير مقول على شىء من ذلك؛ فلذلك لا يكون قياس. — ولأن الواضعة أن ٮ ليست بموجودة لبعض حـ، فهى غير محدودة، لأنه جائز أن تكون التى ليست بموجودة لبعض ليست بموجودة لشىء بتةً، أو ليست بموجودة لكله. وقد تبين فيما تقدم من القول أنه إذا كانت حدود كهذه الحدود ووضعت أنها ليست بموجودة لشىء منه، فلن يكون قياس. فبين أنه إذا كانت الحدود على هذه الصفة لم يكن قياس أيضاً. — وقد يستدل على ذلك الذى تقدم من هذه: أنه لا يكون قياس وإن كان السالب كليا.
وأيضا إذا كان كلتا المقدمتين جزئتين: موجبتين كانتا أو سالبتين، أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة، أو كانت إحدى المقدمتين جزئية والأخرى غير محدودة، أو كانتا جميعا غيرمحدودتين، فلن يكون قياس ألبتة. فالحدود العامة لجميعها: أما لما هو موجود فى الكل: فالحى والأبيض والإنسان؛ وأما لما ليس هو موجوداً فى شىء: فالحى والأبيض والحجر.
فقد استبان أن جميع ما يوجد فى هذا الشكل من القياسات كاملة، لأن جميعها تبين من المقدمات المأخوذة فى القياس، وهى تلك المأخوذة فى البدء. وقد تظهر فى هذا الشكل القضايا كلها: وهى: الكل، ولا واحد، والبعض، ولا كل. فإنا نسمى ما كان كذك الشكل الأول.