Analytica Priora (Prior Analytics)
〈الحدود المحدودة والحدود غير المحدودة فى الأقيسة〉
وقد يغفل اختلافاً — فى أن يقاس على الشىء بإيجاب أو بسلب — المتوهم بأن القول: «ليس هو هذا» والقول: «هو لا هذا» — يدل على معنى واحد أو على معنى مختلف، مثل القول: «ليس هو أبيض»، «وهو لا أبيض»، لأن هذين القولين ليس يدلان على معنى واحد وليس سالب: هو أبيض، القول: هو لا أبيض، ولكن: ليس هو أبيض. وقياس ذلك هو أن نسبة: «يمكن أن يمشى» إلى «يمكن ألا يمشى»، كنسبة «هو أبيض» إلى «هو لا أبيض»، وكنسبة «يعلم خيرا» إلى «يعلم لا خيرا» ومعنى القول إنه «يعلم الخير» «وهو عالم بالخير» واحد — وكذلك «يقدر أن يمشى» و«هو قادر أن يمشى». فإذن، ومعنى الأقوال المناقضة لهذه واحد: «ليس يقدر أن يمشى»، «وليس هو قادرا أن يمشى». فإن كان القول أن «ليس هو قادرا أن يمشى» يدل على ما يدل عليه «هو قادر أن لا يمشى»، فإنه يجب أن يتفقا معا فى شىء أحد، لأن الإنسان الواحد يمكنه أن يمشى وألا يمشى. وأيضا: «هو عالم بالخير» «وعالم لا بالخير». فأما الموجبة والسالبة المتناقضتان فليس يمكن أن يتفقا فى شىء واحد معا. فكما أن القول: «ليس يعلم خيرا» «ويعلم لا خير» ليس هو شيئا واحدا، كذلك ليس هو شيئا واحدا القول: «ليس هو خيرا» و«هو لا خير»، لأن الأشياء التى فى نسبة واحدة إن كان بعضها مختلفا فبعضها مختلف. وكذلك ليس القول: «هو لا مساو» و«ليس هو مساويا» شيئاً واحداً، لأن القول: «هو لا مساو»، يقع على شىء ما موضوع وهو: غيرمساو. فأما القول: «ليس هو مساويا» فليس له شىء موضوع. ولذلك ليس كل شىء: إما أن يكون مساويا أو لا يكون مساويا. والقول أيضا إن «هذا هو عود ليس بأبيض» و«ليس هو عودا أبيض» ليس يتفق معا فى شىء واحد، لأنه إن كان عودا ليس بأبيض فهو عود، وإن كان ليس هو عودا أبيض فليس هو بالضرورة عودا. فإذن هو بين أن ليس سالب القول «هو خير» القول «هو لا خير». فاذ كان كل واحد من الأشياء إما أن تصدق عليه الموجبة أو السالبة، ولم تكن هذه سالبة، فبين أنها موجبة، ولكل موجبة سالبة، فإذن سالبة هذه: «ليس هو لا خيراً»؛ ولبعضها إلى بعض نسبة على ترتيب.
وبيان ذلك أن تكون علاقة «هو خير»: ا، و«ليس هو خيرا»: ٮ، و«هو لا خير»: حـ؛ ولتكن حـ تحت ٮ. وأما علامة «ليس هو خير» ف د، ولتكن د تحت ا. فكل شىء إما أن توجد فيه ا وإما ٮ. ولكن ليس يتفقان فى شىء واحد معا. وإما حـ وإما د وليس يجتمعات معا فى شىء واحد، والذى يوجد فيه حـ بالضرورة يوجد فى كله ٮ؛ لأنه إن كان حقا أن يقال إن هذا لا أبيض، فحق أن يقال: إن هذا ليس هو أبيض، لأنه محال أن يكون الشىء الواحد أبيض وأن يكون لا أبيض، أو أن يكون عودا أبيض أو عودا ليس بأبيض. فإذن إن لم تكن الموجبة فالسالبة. وليس أبداً حـ فى ٮ، لأن ما لم يكن عودا ألبتة، فليس هو عودا ليس بأبيض. وبالعكس الذى يوجد فيه ا فى كله يوجد د، لأنه إما أن يكون فيه حـ أو د، فلأنه لا يمكن معا أن يكون أبيض وأن يكون لا أبيض فإن د تكون فيما فيه ا موجودة، لأنه صدق أن يقال على ما هو أبيض أنه ليس غير أبيض. وأما ا فيقال ليس على كل د لأن ا ليس هى صدقا أن يقال على ما ليس هو عوداً ألبتة إنه عود أبيض. فإذن د صدق. وأما ا فليس صدقا عليه أنه عود أبيض. فهو بين أنه ليس يجتمع ا و حـ فى شىء واحد. وأما ٮ و د فقد يجتمعان فى شىء واحد.
وكذلك نسبة المقدمات العدمية إلى المقدمات المبسوطة بهذا الترتيب. فلتكن ا: هو مساو، و حـ: ليس هو مساويا و حـ: هو لا مساو، و د: ليس هو لا مساويا.
وكذلك يعرض فى الأشياء الكثيرة إذا كان المحمول موجودا فى بعضها وغير موجود فى البعض، فإن السالبة تصدق أن أشياء ليس كلها أبيض أو ليس كل واحد منها أبيض. وأما أن كل واحد منها لا أبيض أو كلها لا أبيض فكذب. وكذلك ليس سالبة: كل حى أبيض هى: كل حى لا أبيض، لأن كليهما كذب، ولكن ليس كل حى أبيض، فلأن القول «هو لا أبيض» يدل على غير ما يدل عليه «ليس هو أبيض»، وكأن القول الواحد هو موجبة والآخر سالبة. فإنه بين أنه ليس نحو برهانها واحدا، مثل أنه إن يوجد حيوان ليس بأبيض، أو يمكن ألا يكون أبيض، فحق أن يقال إنه أبيض أو إنه لا أبيض هو نحو واحد بعينه وهو نحو الإيجاب. وذلك أن كلا القولين يبينان بالشكل الأول. فإن القول بأنه حق هو ترتب على مثل ترتب الموجود، وذلك أن سالبة الإيجاب القائل إنه صدق أن يقال إنه أبيض، ليست القائلة صدق أن يقال إنه لا أبيض، لكن القائل إنه ليس صدق أن يقال إنه أبيض. فإن كان صدقا أن يقال: إن كل إنسان هو موسيقوس أو لا موسيقوس، فينبغى أن يؤخذ كل حى هو موسيقوس أو لا موسيقوس فإنه يتبرهن. وأما أن ليس واحد من الناس موسيقوس، فإن ذلك يبرهن سلبا على الثلاثة الضروب التى ذكرنا.
وفى الجملة، إذا كانت ا ٮ هكذا حتى إنه لا يمكن أن يكون معا فى شىء واحد وكل واحدة من الأشياء، فإنه لا يخلو من أحدهما بالضرورة، وكانت أيضا حـ د على هذه الجهة، وكانت ا لاحقة ل حـ وغير راجعة عليها، فإن د تكون لاحقة ل ٮ غير راجعة عليها، ويمكن أن تجتمع ا د فى شىء واحد، وأما ٮ حـ 〈فلا يجتمعان〉 فى شىء واحد. — فليبين أولا أن د لاحقة ل ٮ، فلان كل واحد 〈من حـ و د〉 بالضرورة ليس يخلو منه إحدى حـ د والذى فيه يوجد ٮ لا يكون فيه حـ موجودة من جهة أن ا تنحصر فى حـ و ا ٮ 〈لا يمكن〉 أن يجتمعا فى شىء واحد معا، فإنه بين أن د لاحقة ل ٮ. — وأيضا لأن حـ غير راجعة على ا وكل واحد من الأشياء إما أن يوجد فيه حـ أو د، فإن ا د يمكن أن يكونا فى شىء واحد. — وأما ٮ حـ فمحال أن يجتمعا فى شىء واحد معا بل إن ا منحصرة فى حـ، وإذن يعرض من ذلك محال. فهو إذن بين أن ٮ غير راجعة على د لأنه يمكن أن تجتمع د ا معا فى شىء واحد.
فقد يعرض أحيانا أن يختدع فى هذا الترتيب من أجل أنه لا يوجد المتناقضان على الصواب الذى ليس يخلو من أحدهما واحد من الأشياء، مثل أنه إن كان المحال أن تجتمع ا ٮ فى شىء واحد، والذى يوجد فيه إحداهما فبالضرورة لا توجد فيه الأخرى. وكذلك أيضا حـ د والذى يوجد فيه حـ ففى كله يوجد ا لأنه يعرض بالضرورة أن تكون ٮ موجودة فى الذى توجد فيه د، وذلك كذب. وبيان ذلك أن توجد ز سالبة ا ٮ و ٮ سالبة حـ د. فكل شىء بالضرورة إما أن يوجد فيه ا أو د، لأنه إما أن توجد فيه الموجبة وإما السالبة. وأيضا فى كل شىء إما أن توجد حـ وإما أن توجد حـ وإما أن توجد ٮ، لأنهما موجبة وسالبة وكان موضوعا أن ا موجودة فى كل ما يوجد فيه حـ. فإذن الذى يوجد فيه د فى كله يوجد ٮ. وأيضا لأن كل واحد من الأشياء بالضرورة ليس يخلو من إحدى ز ٮ، وكذلك ولا من إحدى ٮ د وكانت ٮ لاحقة ل د فإن ٮ لاحقة ل د، لأن ذلك هو عندنا معلوم. فإذن إن كانت 〈ا لاحقة ل حـ〉 فإن ٮ لاحقة ل د. — وذلك كذب، لأنه بخلاف ذلك 〈قلنا إن هناك قلباً فى〉 تناسبها هكذا. لأنه ليس بالضرورة كل شىء إما أن يوجد فيه ا أو 〈د، ولا〉 ولا أيضا ٮ أو د لأن د ليس هى سالبة ا، لأن سالبة «الخير» هى: «ليس خيرا» وليس هى «لا خير» ولا «لا — خير»؛ وسالبة الشر هى «ليس شراً» وليس هى «لا شر»، ولا «لا — شر». وكذلك يعرض فى حـ د لأن السوالب المأخوذة اثنتان.
تمت المقالة الأولى من أنالوطيقا الأولى نقلت من نسخة بخط الحسن ابن سوار، نقلها من نسخة يحى بن عدى بخطه هذا سنة تسعة وأربعمائة...
قوبل به نسخة كتبت أيضا من خط يحيى بن عدى، وقوبل بها عليها وقرئت بحضرته فكان موافقا لها.