Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصناعة الصغيرة

قال جالينوس:

كلّ التعاليم التي تجري على ترتيب فإنّ المسالك فيها على ثلثة أنحاء:

أحدها: يكون على طريق العكس والتحليل.

وهو أن تقيم الشيء الذي تقصد إليه، وتلتمس علمه في وهمّك على الغاية من تمامه، ثمّ تنظر إلى الأقرب فالأقرب ممّا لا يقوم ذلك الشيء، ولا يتمّ إلّا به، إلى أن تنتهي إلى أوّله.

والثاني: يكون على طريق التركيب، ومضادّة المسلك الأوّل.

وهو أن تبدأ من الشيء الذي كنت انتهيت إليه بطريق التحليل والعكس، ثمّ ترجع إلى تلك الأشياء فتركب بعضها إلى بعض إلى أن تنتهي إلى آخرها.

والثالث: يكون بطريق تحليل الحدّ.

وهو المسلك الذي نستعمله في كتابنا هذا.

ولك أن تسمّي هذا التعليم بدل تحليل الحدّ، شرح الحدّ كما قد سمّاه قوم، أو نقض الحدّ وتقسيمه، كما سمّاه آخرون، أو بسطه وتفسيره، كما سمّاه غيرهم.

وقد رام قوم من أصحاب إيروفيلس أن يسلكوا هذا الطريق من التعليم، وإيرقليدس المعروف بإرثراوس.

ورام أيضاً سلوك طريق التركيب أصحاب إيروفيلس، وقوم من أصحاب أراسسطراطيس، وأثيناوس المعروف بأطالوس.

ولم يستعمل أحد ممّن كان قبلنا في شيء من كتبه التعليم الذي يكون ابتداؤه من الرمي بالوهم إلى غاية الشيء الذي يقصد إليه. على أنّ هذا المسلك هو الذي تستنبط به جميع الصناعات بطريق القياس.

وقد استعملنا ذلك التعليم في غير هذا الكتاب.

وأمّا في هذا الكتاب فإنّا نستعمل التعليم الذي يكون بطريق تحليل الحدّ.

وبقدر ما ينقص هذا التعليم عن الأوّل في الشرف، وفي لزوم القياس، فإنّه يفضله في جمعه، وحصره لجملة الأمر، وإذ كاره بجزء جزء منه. لأنّ كلّ ما يعمله الإنسان بطريق تحليل الحدّ فحفظه، وذكره يسهل عليه جدّاً. من قبل أنّ الحدّ يحتوي على جمل الصناعة كلّها، إذا كان حدّاً جيّداً، وهو الحدّ الذي سمّاه قوم حدّاً جوهريّاً، ليفرّقوا بينه وبين تلك الحدود التي يسمّونها الصفات، لأنّ تلك الحدود إنّما تحدّ الأشياء من أعراض لحقتها.

وأمّا في هذا الحدّ الجوهريّ فيحدّ الشيء من نفس جوهره.

فأمّا تلخيص شيء شيء من جميع علم الطبّ فقد أتينا عليه في كتب أخر كثيرة يتّسع فيها الأمر لاستعمال التعاليم الثلثة.

وأمّا الآن فإنّا نفتتح كتابنا هذا بالتعليم الذي يكون بطريق تحليل الحدّ، بعد أن تعلم بأنّا إنّما نذكر في هذا الكتاب جمل ما بيّنّاه على الشرح في غيره من الكتب، وأنّ ما فيه بمنزلة النتائج لما فيها.