Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

فنقول:

إنّ الطبّ هو معرفة الأشياء المنسوبة المتّصلة بالصحّة والمرض، وبالحال التي لم يخلص للإنسان فيها صحّة، ولا مرض.

وينبغي أن يفهم اسم المعرفة في هذا الموضع على المعنى العامّ، لا المعنى الخاصّ.

والذي يتّصل بكلّ واحد من هذه الثلثة، وينسب إليه، أعني الصحّة، والمرض، والحال التي ليست واحدة منهما، هو أحد ثلثة أشياء:

إمّا بدن، وإمّا سبب، وإمّا علامة.

فإنّ جميع أهل لغتنا ينسبون البدن القابل للصحّة، والسبب الفاعل، والحافظ لها، والعلامة الدالّة عليها، إلى الصحّة.

وعلى هذا القياس ينسبون الأبدان القابلة للأمراض، والأسباب الفاعلة، والحافظة لها، والعلامات الدالّة عليها، إلى المرض.

وكذلك أيضاً ينسبون البدن، والسبب، والعلامة الدالّة على الحال التي ليست بصحّة، ولا مرض، إلى تلك الحال.

وأوّل قصد الطبيب إنّما هو لمعرفة أسباب الصحّة، ثمّ يصير بسبب تلك إلى سائر الأسباب، أعني أسباب المرض أوّلاً، ثمّ إلى أسباب الحال التي ليست بصحّة، ولا مرض، ثمّ من بعد هذه إلى الأبدان.

وإنّما قصده أيضاً فيها أوّلاً لمعرفة الأبدان الصحيحة، ثمّ من بعد للسقيمة، ثمّ للتي لا صحيحة، ولا سقيمة.

وعلى هذا القياس يجري أمر العلامات.

وأمّا في العمل: فإنّما يكون أوّلاً تعرّف حال الأبدان بالعلامات. ثمّ يكون من بعد ذلك استخراج علم الأسباب بصحّة الأبدان، وسقمها.

وكلّ واحد ممّا يفعل، أو يحفظ، أو يدلّ، أو يقبل، يقال على أحد وجهين:

إمّا مطلقاً، وإمّا في الزمان الحاضر.

والطبّ معرفتهما جميعاً.

والمطلق يقال على وجهين:

إمّا دائماً، وإمّا في أكثر الحالات.

وأمّا ما لا ينسب إلى صحّة، ولا إلى مرض، سبباً كان، أو علامة، أو بدناً، وبقول مطلق قيل، أو في الزمان الحاضر، فكلّ واحد من ذلك يقال على ثلثة أوجه:

أحدها: ألّا يكون منسوباً إلى واحد من الضدّين.

والثاني: أن يكون منسوباً إليهما جميعاً.

والثالث: أن يكون ينسب مرّة إلى أحدهما، ومرّة إلى الآخر.

والثاني من هذه الثلثة يقال على ضربين:

إمّا أن يكون منسوباً إلى كلّ واحد من الضدّين بالسواء، وإمّا بأن ينسب إلى أحدهما أكثر ممّا ينسب إلى الآحر.

وفى عبارة جملة هذا الحدّ موضع شكّ ينبغي أن يلخّص. وذلك أنّا إذا قلنا إنّ الطبّ معرفة الأشياء المتّصلة بالصحّة، والمرض، وبالحال التي ليست بصحّة، ولا مرض، فقد يجوز أن يفهم من هذا القول أنّه معرفة بجميعها، ويجوز أن يفهم أنّه لبعضها دون بعض، ويجوز أن يفهم أنّه معرفة أيّ شيء التمست معرفته منها.

فأمّا أمر جميعها فلا يحصر، ولا يضبط، ولا يوصل إليه.

وأمّا أمر بعضها فناقص لا يشبه الطريق الصناعيّ.

وأمّا أمر أيّ شيء التمست معرفته منها فيشبه طريق الصناعة، ويكتفي به في جميع أمور الطبّ الجزئيّة.

وهذا هو المعنى في حدّ الطبّ.

فنبتدئ الآن بذكر الأبدان الصحيحة، والسقيمة، والتي ليست بصحيحة، ولا سقيمة: أيّ الأبدان هي. ثمّ نتبع ذلك بذكر العلامات، والأسباب.