Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وأمّا حالات البدن كلّه، فقد قلنا فيها قبل إنّها تتشبّه بالقلب، والكبد، إلّا أن يغلب فيه شبه أيّهما كانت معه كيفيّة أقوى، أيّ الكيفيّات كانت من الأوّل التي تسمّى الفعالة.

وإذا قلنا حال البدن كلّه، فأكثر ما نعني بذلك من الأعضاء ما يقع أوّلاً تحت العيان، وذلك هو العضل الملبّس على العظام كلّها.

والعضلة هي لحم مركّب من اللحم المفرد الأوّل، ومن الليف الذي يتلبّس، ويشتمل عليه اللحم. وجوهر العضلة الخاصّ إنّما هو هذان الشيئان. فأمّا العروق التي تتّصل بها فإنّما هي لها بمنزلة السواقي، وليس هي متمّمة لجوهرها، لكنّها تعين على بقائها.

وأنا واصف لك علامات مزاج العضل في المسكن المعتدل. فإنّ المساكن الرديئة المزاج تغيّر الجلد، وتميله إلى ما يشاكلها، ويفسد بعض العلامات.

وكذلك أيضاً إن تعرض متعرّض في بلد معتدل للشمس في وقت صائف، وبدنه مكشوف، فإنّه يغيّر من علامات بدنه ما كان من طريق اللون، والصلابة، واللين.

فإن كان البلد معتدلاً، وقصد صاحب البدن في تدبيره قصد الاعتدال، ولم يتعرّض، وبدنه عارٍ، للشمس في كلّ يوم زماناً طويلاً حتّى تحرقه، ولم يسكن في الظلّ، كما يفعل قوم، بمنزلة الجارية البكر، فإنّ علامات مزاجه تتبيّن على حالها، وحقائقها.

فافهم عنّي ما أقول لك على أنّ كلامي إنّما هو فيمن هذه حاله، فأقول:

إنّ علامات المزاج المعتدل في البدن كلّه أن يكون اللون مركّباً من حمرة، وبياض، وأن يكون الشعر أشقر إلى الحمرة، فيه جعودة معتدلة على الأكثر، وأن يكون اللحم معتدلاً في كمّيّته، وكيفيّته، لأنّ هذا البدن متوسّط بالحقيقة فيما بين جميع أنحاء الإفراط، من قبل أنّ كلّ إفراط إنّما يقال، ويفهم بالقياس إليه. وذلك أنّ البدن العبل إنّما يقال إنّه عبل بالقياس إلى هذا البدن. وكذلك القضيف إنّما يقال قضيف بالقياس إليه. وعلى هذا المثال يضاف إليه الكثير اللحم، والقليل اللحم، والسمين، والمهزول، والصلب، والليّن، والأزبّ، والأزعر. وليس واحد من هذه الأبدان بمعتدل، لكن المعتدل هو ما كان بمنزلة المثال الذي هيّأه فولوقليطس، وسمّاه قانوناً، قد بلغ غاية الاعتدال كلّه حتّى يكون إذا لمس، لا يظهر أنّه ليّن، ولا أنّه صلب، ولا أنّه حارّ، ولا أنّه بارد. وإذا نظر إليه، لم يوجد أنّه أزبّ، ولا أزعر، ولا عبلاً، ولا قضيفاً، ولا قد غلب عليه شيء من الإفراط.