Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وإذا تركّبت الكيفيّات الأول، وكان منها مزاج غير معتدل، كانت العلامات أيضاً التي تدلّ عليه مركّبة.

وذلك أنّ المزاج الحارّ اليابس يكون صاحبه أكثر شعراً، وأزيد سخونة، وصلابة، ويكون عديم الشحم، قضيفاً، ويكون شعره أسود. فإذا ازدادت غلبة الحرارة، فإنّه يكون أدم.

وأمّا المزاج الحارّ الرطب فإنّ صاحبه ألين بدناً، وأسخن، وأكثر لحماً من صاحب أفضل الهيئات بحسب فضل زيادة الكيفيّتين فيه على ذلك البدن. وإذا أفرط فيه هذا المزاج، أسرعت إليه الأمراض التي تعرض عن عفونة، وتصير الكيموسات التي فيه رديئة.

فإن كان فضل الرطوبة فيه يسيراً، وفضل الحرارة فيه كثيراً، كان فضل لينه، وكثرة لحمه على البدن المعتدل يسيراً. وكان فضل زيادة الشعر فيه عليه ليس بيسير. وإذا جسسته، وجدته أسخن كثيراً. وشعره أسود. ولحمه معرّىً من السمن.

وإن كان فضل الحرارة فيه يسيراً، وفضل الرطوبة فيه كثيراً، كان لحمه لحماً ليّناً كثيراً، وكان لونه مختلطاً من الحمرة والبياض. وإذا لمسته، وجدت فضل حرارته يسيراً.

وأمّا المزاج البارد الرطب إذا كان فضله في هاتين الكيفيّتين عن المعتدل فضلاً يسيراً، فإنّه يكون أزعر، أبيض، ليّناً، عبلاً، سميناً. وإن كان فضل هاتين الكيفيّتين عن المعتدل فضلاً كثيراً، فإنّ سائر العلامات تزداد بحسب تزيد الكيفيّتين، ويكون لون الشعر، والجلد أشقر إلى الصفرة. ومتى كانت هاتان الكيفيّتان على أكثر ما يكون، فإنّ اللون يصير كمداً. فإن كان تزيّد الكيفيّتين ليس على تساوٍ، فإنّ خواصّ الكيفيّة التي زيادتها أكثر تكون أغلب.

فإن غلب بالطبع في البدن البرد مع اليبس على تساوٍ، فإنّه يكون صلباً، قضيفاً، أزعر. وإذا لمس، وجد بارداً. وهذا البدن، وإن كان قضيفاً فقد يخالط لحمه السمن. فأمّا الشعر، واللون فإنّهما يكونان بحسب البرد.

فإذا انقلب المزاج الحارّ اليابس في وقت انحطاط السنّ إلى المزاج البارد اليابس، فإنّ البدن يكون من القضافة، والصلابة على الحال التي وصفنا، لأنّ المرّة السوداء تغلب عليه. وكذلك تغلب عليه الأدمة، ويكثر فيه الشعر.

فإذا كانت إحدى هاتين الكيفيّتين قد غلبت عليه غلبة كثيرة، وكانت الأخرى لم تغادر الاعتدال إلّا قليلاً، فإنّ علامات أغلب الكيفيّتين تكون أغلب، وعلامات الكيفيّة الأخرى تكون ضعيفة.

وأعطيك علامة عامّيّة مع جميع ما وصفت، وأصف، تدلّك على المزاج.

إنّ العضو إن كان يبرد سريعاً، فذلك يدلّ منه على برد، وعلى تخلخل. وإن كان لا يبرد إلّا بعسر، فذلك يدلّ منه إمّا على حرارة، وإمّا على كثافة. وإذا رأيت العضو يعرض له من الأشياء المجفّفة أن يقحل، ويجفّ، وتعسر حركته، فذلك يدلّ منه على اليبس. وكذلك أيضاً إذا رأيت العضو تثقّله الأشياء الرطبة، فذلك دليل على رطوبته.

وقد ينبغي أن تنظر هل مزاج جميع العضل مزاج واحد في طبعها، أم لا. وتنظر — مع نظرك في أمر جميع العضل — في مقادير العظام التي عليها العضل موضوعة. فإنّه ربّما ظنّت أنّ العضو دقيق، وليس هو بدقيق من قبل العضل، لكنّك تراه كذلك من قبل دقّة العظم.

وكذلك أيضاً قد نتوهّم كثيراً أنّ العضو غليظ، ولم يأت غلظه من قبل غلظ العظام، ولكن من قبل كثرة اللحم.

واللحم بحسب زيادته، ونقصانه، وتزيّده في الصلابة، واللين، يجعل حال العضو الذي هو فيه له فضل اليبس، أو فضل الرطوبة. وذلك أنّ اللحم القليل الصلب يجعل العضو أجفّ، واللحم الكثير اللين يجعل العضو أرطب.

وكذلك أيضاً فإنّ المواضع التي فيما بين الأعضاء المتشابهة الأجزاء بحسب كثرة ما تحوي من الرطوبة، وقلّتها، وفضل غلظها، ورقّتها تجعل حال العضو الذي هي فيه في فضل رطوبته، ويبسه. وذلك أنّ تلك الرطوبة إذا كانت أرقّ، وأكثر جعلت العضو رطباً، وإذا كانت أغلظ، وأقلّ جعلت العضو جافّاً.

فأمّا الأعضاء الثابتة التي هي بالحقيقة ثابتة، أصليّة فليس يمكن بوجه من الوجوه أن تجعلها أرطب ممّا هي. ويكتفي أن يحوطها، ويمنعها من أن تجفّ سريعاً. وأمّا المواضع التي فيها بينها، فقد يمكن أن تملأها رطوبة هي بحال دون حال. وهذه الرطوبة هي الغذاء الخاصّ للأعضاء المتشابهة الأجزاء التي تجتذبه بالمجاورة، لا من العروق.

وهذا القول منّي عامّ في جميع الأعضاء التي ذكرت، وسأذكر أيضاً عند ذكري الأسباب المصحّة، والمسقمة.

وأمّا الآن فإنّي مقبل على ما يتعمّل بما كنت فيه، فأقول: