Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

ولمّا كانت أسباب للصحّة التي كلامنا فيها، وسائر أسباب الصحّة إنّما قوامها بهذين الغرضين فقد ينبغي أن نرجع إلى تلك الأسباب فنجدها فيها، فأقول:

إنّه إذا كان البدن على أفضل الهيئات، ثمّ كان الهواء الذي يلقاه معتدلاً، فالذي يوافقه الاعتدال الصحيح من السكون، والحركة، والنوم، واليقظة، وما يتناول، وما ينبعث، وسائر ما ذكرنا قبل. وإذا كان البدن على تلك الهيئة، ثمّ تميل تلك الأشياء الأخر عن الاعتدال إلى خلاف الجهة التي مال إليها الهواء بقدر ما زال الهواء عن الاعتدال. وينبغي أن تجعل غرضك في الاعتدال: أمّا في الهواء فألّا يقشعرّ البدن لبرده، ولا يعرق لحرّه. وأمّا في الرياضة فأن تأمر بالراحة حين يبتدئ البدن يعيی. وأمّا في الأطعمة فصحّة الاستمراء، واعتدال البراز في مقداره، وحاله.

وإذا كان البدن على أفضل الهيئات، فمقدار الشهوة فيه مساوٍ لمقدار الاستمراء. وليس يحتاج إلى مقدار يقدر له مقدار ما يتناوله. وذلك أنّ البدن إذا كان على أفضل الهيئات، فالمقدار الذي يشتهيه ممّا يتناوله هو المقدار الذي يقوى على استمرائه. وكذلك أيضاً الحال في مقدار النوم. فإنّ الطبيعة تقدر المقدار الذي يحتاج إليه من النوم في البدن الذي هو على أفضل الهيئات. وإنّما يذهب عنه النوم إذا لم يبق به إليه حاجة. وإذا كان تدبيره هذا التدبير، لم تعرض له آفة بتّة في انبعاث ما ينبعث منه بالبراز، والبول، وتحلّل البدن كلّه. لأنّ اعتدال ما يتناول من الطعام والشراب يوجب أن يكون البراز والبول على الحال التي يكونان عليها في الصحّة. واعتدال الرياضة يوجب أن يكون ما يتحلّل من البدن كلّه على حال ما يتحلّل من الأصحّاء.

وقد ينبغي لصاحب هذا البدن أن يمتنع من الإفراط في جميع عوارض النفس، أعني بعوارض النفس: الغضب، والغمّ، والغيظ، والفزع، والحسد. فإنّ هذه العوارض كلّها تغيّر البدن، وتخرجه عن حاله الطبيعيّة.

وأمّا الجماع فإنّ أفيقورس يرى أنّه ليس شيء من استعماله يكون سبباً للصحّة، وأمّا الحقّ فإنّ من استعمل منه شيئاً، كان من عداد أسباب الصحّة، وهو أن يكون بين أوقات استعماله من البدن ما لا يحسّ المستعمل له معه إذا استعمله باسترخاء، وضعف، بل يحسّ أنّ بدنه بعد استعماله إيّاه أجفّ ممّا كان قبل أن يستعمله، ونفسه أجود ممّا كانت قبل أن يستعمله. وأمّا وقت استعماله فهو إذا كان البدن متوسّطاً بالحقيقة بين جميع الحالات العارضة من خارج حتّى لا يكون ممتلئاً جدّاً، ولا خاوياً جدّاً، ولا قد سخن جدّاً، ولا قد برد جدّاً، ولا قد جاوز الاعتدال في اليبس، أو في الرطوبة.

فإن غلظ المستعمل له في استعماله، فينبغي أن يكون ذلك الغلط يسيراً. وأن يستعمل الجماع وقد سخن خير من أن يستعمله وقد برد. وأن يستعمله وهو ممتلئ خير من أن يستعمله وهو خاوٍ. وأن يستعمله وهو رطب خير من أن يستعمله وقد جفّ.

فأمّا النوع الذي ينبغي أن يختار من كلّ واحد من هذه الأسباب للبدن الذي هو على أفضل الهيئات فهو ما أصف.

أمّا الرياضة فيجب أن يختار منها النوع الذي يتحرّك فيه جميع الأعضاء على نسبة واحدة، ولا يتعب بعضها أكثر، وبعضها أقلّ. وأمّا ما يؤكل ويشرب فينبغي أن يختار منه ما هو في غاية الاعتدال. لأنّ ما كان كذلك فهو أوفق الأشياء للطبائع التي هي في غاية الاعتدال. وكذلك الحال في سائر الأشياء.