Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

ونحن واصفون بعد العلامات التي تدلّ على مزاج كلّ واحد منها.

ونبتدئ بذكر العلامات الدالّة على مزاج الدماغ. وأجناس علاماته الغريزيّة خمسة.

أحدها: حال الرأس كلّه.

والثاني: صلاح الأفعال الحسّيّة، وفسادها.

والثالث: صلاح الأعمال، وفسادها.

والرابع: صلاح الأفعال التي تكون بها الأعمال، وفسادها.

والخامس: صلاح الأفعال الطبيعيّة، وفسادها.

وهاهنا جنس آخر مع هذه التي وصفنا كلّها وهو ما يعرض للدماغ من التغيّر من الأسباب التي تعرض من خارج.

فأمّا حال الرأس كلّه فيعرف من مقداره وشكله، وما فيه من الشعر.

فالرأس الصغير علامة خاصّيّة لرداءة هيئة الدماغ.

والرأس الكبير ليس يدلّ ضرورة على جودة هيئة الدماغ. وذلك أنّه إن كان عظمه إنّما أتى من قوّة الطبيعة، واستعمالها في صنعته مادّة جيّدة كثيرة، فهو علامة جيّدة. فإن كان إنّما أتى من قبل كثرة المادّة فقط، فليس هو علامة جيّدة.

فقد ينبغي أن نفرّق بينهما بالشكل، وبالأشياء التي تنبت من الرأس.

أمّا بالشكل فأن ننظر هل هو مشاكل، أم لا. فإنّ التشاكل علامة جيّدة دائماً.

وأمّا ممّا ينبت من الرأس فبأن ننظر هل الرقبة غليظة، قويّة، وحال سائر العظام على أفضل الحالات، والعصب كلّه غليظ قويّ، أم لا.

والشكل الذي خصّ به الرأس هو كأنّك توهّمت كرة شمع صحيحة الاستدارة، قد غمزت من جنبيها قليلاً. فإنّك إذا توهّمت الرأس كذلك، علمت أنّه لا محالة لا بدّ من أن يصير مقدّمه ومؤخّره أخرج من حدّ استدارة الكرة.

فانظر مع ذلك في العصب، والرقبة، وسائر العظام. فإنّه إن كانت هذه على الحال الطبيعيّة، فإنّما أتى النقصان من نقصان المادّة، لا من ضعف القوّة.

وإن كانت هذه الأشياء التي وصفنا على حال أخسّ من الحال الطبيعيّة، فاعلم أنّ الأصل ضعيف. وفي أكثر الحالات يتبع نقصان مؤخّر الرأس ضعف هذه الأشياء التي وصفنا. ولا يكاد الأمر يقع بخلاف ذلك إلّا في الندرة.

وإذا وجدت أيضاً مؤخّر الرأس أشدّ نتوءاً، فانظر في ذلك وتحديده على حسب النظر، والتحديد في الرأس كلّه إذا كان كبيراً.

ونجد في هذا أيضاً في أكثر الحالات مؤخّر الدماغ، وما يحويه من الرأس، إذا كان مع شكل متشاكل، فإنّ ذلك علامة جيّدة.

وقد سمّى قوم من الأطبّاء هذا الجزء من الدماغ دماغاً خلفيّاً، وهو خلفيّ كما وصفوه.

ويحدّه الشأن الذي يشبه باللام من كتاب اليونانيّين.

وهذا الجزء من الدماغ هو الأصل الذي ينبت منه النخاع. وإذا كان أصلاً لهذا، فهو أيضاً أصل لجميع العصب الذي تكون به الحركة الإراديّة في بدن الحيوان كلّه. وأمّا هو نفسه فإنّما ينبت منه عصب يسير العدد من عصب الحسّ. كما أنّ الجزء الآخر الذي يلي المقدّم ينبت منه عصب كثير العدد جدّاً من عصب الحسّ، وعصب قليل العدد من عصب الحركة.

فإذا كان هذان الجزءان على حال جيّدة، كانت الأشياء التي تنبت من كلّ واحد منهما قويّة.

وجميع ما لخّصناه، وحدّدناه من أمر مؤخّر الرأس، فقد ينبغي أن يستعمل في مقدّم الرأس. وذلك أنّه ينبغي أن ننظر في مقداره، وفي شكله، وفي الحواسّ التي في مقدّم الرأس، وهي: البصر، والسمع، والمذاق، والشمّ. فإنّ هذه الأشياء قد يدلّ بعضها على بعض، ويشهد بعضها لبعض. أعني أنّ الأشياء التي تنبت من الأصل قد تدلّ، وتشهد على صلاح الأصل، وفساده. والأصل نفسه يشهد على صلاح الأشياء التي تتفرّع منه، وفسادها.

فأمّا صلاح الأفعال التي يكون بها التدبير، وفسادها، فإنّها أعلام للأصل وحده. فحضور الذهن، والذكاء يدلّان على أنّ جوهر الدماغ جوهر لطيف. وإبطاء الذهن يدلّ على أنّ جوهر الدماغ جوهر غليظ، وسرعة التعلّم تدلّ على أنّ جوهره جوهر سريع القبول لانطباع الأشياء فيه، وجودة الحفظ تدلّ على أنّ جوهره جوهر له ثبات.

وكذلك أيضاً فإنّ إبطاء التعليم يدلّ على أنّ جوهره عسر القبول لتصوّر الأشياء فيه. والنسيان يدلّ على أنّ جوهره جوهر سيّال، ليس له ثبات. وكثرة النزوات، والتنقّل في الأهواء تدلّ على أنّ جوهر الدماغ جوهر حارّ. وثبات الرأي يدلّ على أنّ جوهر الدماغ جوهر بارد.

وقد بقي فيما أرى جنسان من أجناس العلامات التي تضمّنت في مبدأ قولي ذكرهما: أحدهما: جنس الأفعال الطبيعيّة، والآخر: جنس ما يلقى الرأس من خارج.

وأنا جاعل كلامي فيهما كلاماً واحداً مشتركاً. فأقول: إنّ الدماغ إذا كان معتدلاً في الكيفيّات الأربع، فإنّ جميع الأشياء التي ذكرنا تكون فيه على اعتدال. والفضول أيضاً التي يقذفها إلى اللهوات، والأذنين، والمنخرين تكون على اعتدال. ويكاد ألّا يناله الضرر من جميع ما يلقى الرأس من خارج ممّا يسخنه، ويبرّده، ويجفّفه، ويرطّبه. ومن كانت هذه حاله، فإنّ الشعر الذي ينبت على رأسه ما دام طفلاً يميل إلى الشقرة التي تضرب إلى الصفرة. فإذا صار غلاماً، فإنّ الشعر يميل إلى الشقرة التي تضرب إلى الحمرة. فإذا صار إلى حال التمام، فإنّ شعره يصير أشقر إلى الحمرة. وهو مع ذلك متوسّط فيما بين الشعر الذي هو جعد بالحقيقة وبين الشعر السبط. وليس يكاد من هذه حاله أن يصيبه الصلع.

وينبغي أن تفهم جميع ما وصفنا، ونصفه من العلامات على أنّ كلامنا إنّما هو فيمن كان وطنه بلداً معتدلاً.

وأمّا ما كان من هذه العلامات في الشعر خاصّة، فافهم الأمر على أنّ كلامنا فيه، مع ما وصفنا من حال البلدان، على أنّ مزاج الكيموسات أيضاً مشاكل لمزاج الدماغ.

فإن كان الدماغ أسخن من الدماغ المعتدل، وكان في الرطوبة واليبس معتدلاً: فإن كان فضل حرارته على المعتدل فضلاً كثيراً، فإنّ جميع الأعلام التي سنصفها من بعد قويّة. وإن كان فضل حرارته على المعتدل فضلاً يسيراً، كانت علاماته ضعيفة.

وهذا القول منّي قول عامّ في جميع العلامات التي أنا واصفها في جميع أصناف المزاج.