Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وأمّا أسباب صحّة الأعضاء الآليّة التي بها آفة، فبحسب تلك الآفة تخالف أسباب صحّة البدن الذي هو على أفضل الهيئات. وذلك أنّ أسباب صحّة الأعضاء التي بها آفة في الخلقة غير أسباب صحّة الأعضاء التي بها آفة في مقدارها، أو في عددها، أو في وضعها.

وقد يعرض في الخلقة آفات كثيرة، وذلك أنّه إن تغيّر شكل العضو عن اعتداله، أو كان فيه عمق بالطبع فيغيّر، أو حدثت به آفة في مجرى فيه، أو في فم مجرى، أو في خشونة، أو في لين، ثمّ كانت الآفة يسيرة، فإنّ صاحب ذلك البدن يقال إنّه صحيح. فإن كانت الآفة أكثر من ذلك، سمّي مسقاماً. فإن بلغت به الآفة إلى أنّه قصر بالفعل، فهو مريض.

وأمّا في المقدار: فالكبر، والصغر يصيران البدن إلى هذه الأصناف التي وصفناها.

وأمّا في العدد: فالزيادة والنقصان من جزء واحد، ومن أجزاء شتّى. فالأشياء التي تتولّد في البدن بخلاف الطبع هي من هذا الجنس.

وقد بقي جنس آخر يكون في وضع كلّ واحد من الأعضاء المفردة. وفيه أيضاً أربعة أصناف:

أوّلها: البدن الذي هو على أفضل الهيئات في هذا الباب.

والثاني: البدن الذي هو زائل عنه قليلاً.

والثالث: البدن الذي هو فيه مسقام، وهو الذي قد تغيّر فيه وضع الأعضاء تغيّراً يسيراً.

والرابع: البدن الذي قد سقم، وفرغ، وهو الذي قد تغيّر فيه وضع الأعضاء تغيّراً كثيراً.

والأعضاء التي بها آفة في شكلها مثل الرجلين المنقلبتين إلى خارج، أو إلى داخل، والرأس المسفّط.

أمّا في الأطفال حين يولدون، ما دامت أعضاؤهم ليّنة، فقد يمكن أن تردّ إلى الحال الطبيعيّة بالتسوية، والشدّ.

وأمّا في الأبدان التي قد يبست، وصلبت، فليس، يمكن أن تصلح.

وكذلك أيضاً فإنّ الأعضاء التي بها آفة في تجويف، وعمق فيها، فقد يمكن أن تصلح تلك الآفة ما دامت في النشوء، فإن كانت قد استكملت، لم يمكن إصلاحها.

والذي يصغر التجويف والعمق، إذا كان أعظم ممّا ينبغي، هو السكون والشدّ. والذي يعظم تجويف الأعضاء وعمقها، إذا كان أصغر ممّا ينبغي، هو حركة تلك الأعضاء، وحصر النفس. ومعنى حصر النفس أن يحبس النفس، ويدفع إلى داخل دفعاً شديداً.

وعلى هذا المثال أيضاً تتّسع، وتضيق المجاري، وأفواهها.

والأعضاء أيضاً التي هي أكبر ممّا ينبغي، فالسكون، والشدّ الموافق يصغرانها. والأعضاء التي هي أصغر ممّا ينبغي، فحركتها الطبيعيّة، والدلك المعتدل، وسائر الأشياء التي تجتذب إليها دماً أكثر يعين على كبرها.

فأمّا الأعضاء التي عددها ناقص، فما كان منها تولّده من الدم، فقد يمكن أن يتمّم، وما كان منها تولّده من المنيّ، فيكاد أن يكون إتمامه غير ممكن.

إلّا أنّه قد يمكن في أعضاء كثيرة أن يستبدل مكان ما نقص شيء يقوم مقامه، ويخلفه. وجميع ما يتولّد من هذه الأشياء إنّما الفاعل له الطبيعة، وأمّا الطبيب فإنّما هو خادم لها.

فأمّا الأعضاء التي عددها زائد، فسبب صحّتها هو نقصان ما زاد فيها. وقد ينبغي أن ننظر في أيّ الأعضاء يمكن ذلك. فإن رأيت أنّه لا يمكنك أن تنزع ذلك الشيء الزائد، فالتمس أن تنقله.

والأعضاء أيضاً التي بها آفة في وضعها، إنّما يكون صلاحها بنقلها إلى مواضعها.

وبيّن أنّه قد يمكن أن يعرض للعضو الواحد آفتان، وثلث من هذه الآفات. من ذلك أنّي رأيت رجلاً كانت معدته صغيرة، مستديرة، موضوعة على حجابه. فكانت بها الآفة في مقدارها، وفي شكلها، وفي وضعها. وكان مزاجها أيضاً أبرد ممّا ينبغي. ولم يمكن ردّ هذه المعدة على الحالة الطبيعيّة. والذي أمكن فيها أن صيّرنا تأذي صاحبها بها أقلّ. وذلك أنّه كان إذا امتلأت معدته، يعسر عليه نفسه، فصيّرت طعامه طعاماً يسيراً، كثير الغذاء، ليس ببطئ الانحدار، ثلث مرّات في اليوم.

ورأيت رجلاً آخر كان يعرض له في كبده السدد كثيراً، لضيق مجاريها، فاحتلت له بأن صيّرت تدبيره تدبيراً لطيفاً. فكان ذلك سبب صحّته.