Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وقد ينبغي أن نصف الآن أسباب صحّة الأبدان التي لا يشكّ في أنّها مريضة، ونجعل مبدأ كلامنا في جنس المزاج الرديء.

وينبغي أن تحدّد أوّلاً في هذا الموضع شيئاً أغفله جلّ الأطبّاء، وهو أنّ أسباب صحّة البدن الذي قد حدث فيه المزاج الرديء، وفرغ غير أسباب صحّة البدن الذي مزاجه الرديء في حال الحدوث، وغير أسباب صحّة البدن الذي قد قرب من أن يحدث فيه المزاج الرديء.

وذلك أنّ أسباب صحّة هذا البدن الذي ذكرته أخيراً، منها ما هي داخلة في باب التقدّم في الاحتياط، ومنها ما هي داخلة في باب حفظ الصحّة.

وأمّا أسباب صحّة البدن الذي ذكرنا أوّلاً فداخلة في باب المداواة فقط.

وأمّا أسباب صحّة البدن الذي ذكرناه فيما بينهما فتدخل في باب التقدّم في الحياطة، وفي باب المداواة.

وذلك أنّ المرض إذا كان قد حدث، وفرغ، فينبغي أن نقصد لبرئه. وإذا كان المرض لم يحدث بعد، لكنّه مستعدّ لأن يحدث من قبل سبب في البدن، فينبغي أن يحسم، ويمنع من الحدوث.

وأمّا المرض الذي هو في حال الحدوث، فمنه شيء قد حدث، وفرغ، وينبغي أن نقصد لبرئه. ومنه شيء مستعدّ أن يحدث، فينبغي أن يحسم، ويمنع من الحدوث.

وحسم ما هو مستعدّ أن يحدث، ومنعه من الحدوث يكون بدفع السبب الذي منه يكون حدوثه. وبرء المرض الذي قد كان، وفرغ، يكون بنقل الحال التي منها خاصّة وجب ضرر الفعل. وتلك الحال هي عين المرض.

والمداواة التي يكون بها البرء غرضها الأوّل العامّ هو المضادّة للشيء الذي نقصد إلى نقضه، ودفعه. وجميع الأسباب الفاعلة للصحّة هي من هذا الجنس. وأمّا الأغراض الجزئيّة فتؤخذ من المضادّة لواحد، واحد من الأمراض. وضدّ المرض الحارّ السبب المبرّد، وضدّ المرض البارد السبب المسخن. وكذلك الحال في سائر الأمراض، والأسباب.

وذلك أنّه لمّا كان كلّ ما هو خارج عن الطبيعة غير معتدل، وكلّ ما هو طبيعيّ فهو معتدل، وجب ضرورة أن يكون الشيء الخارج عن الاعتدال إنّما يرجع إلى الاعتدال من شيء آخر خارج عن الاعتدال، مضادّ له.

وبيّن أنّه إنّما ينبغي أن يتناول الشيء الذي يسخن، أو يبرّد، أو يفعل غير ذلك ممّا أشبهه من الأفعال بقوّته، لا الشيء الذي يوهم في ظاهر أمره أنّه كذلك.

وأعني بقولي: إنّ الشيء بقوّته، أن يكون بفعل ذلك الفعل الذي يقال إنّه يفعله بالصحّة، والحقيقة.

وأعني بقولي، إنّ الشيء يوهم أنّه يفعل ما يقال إنّه يفعل، أن يكون في ظاهر ما يحسّ منه يرى كأنّه يفعل ذلك الفعل، وليس هو بالحقيقة على ما يظنّ به.

وقد وصفت في كتابي في قوى الأدوية المفردة كيف ينبغي أن تختبر هذه الأشياء، وتتعرّف.

وينبغي أن نستعمل في وجود الأسباب الفاعلة للصحّة بإبطال المرض الذي قد حدث، وفرغ الطريق الذي يفرّق به بين الشيء الذي يوهم أنّه على الحال التي يوصف بها، وبين الشيء الذي هو في قوّته على ما يوصف.

ونستعمل في وجود الأسباب الفاعلة للصحّة في البدن الذي مرضه في حال الحدوث مع هذا الطريق الذي قد ذكرت، الطريق الذي تستخرج به علل الأمراض.

وأنا ممثّل لك في ذلك مثالاً تفهمه.

فأنزل: أنّ الأخلاط عفنت، فتولّد منها حمّى، فأقول:

إنّه ينبغي لك أن تستدلّ من ذلك على أنّه ينبغي لك أن تحدث تغيّراً، واستفراغاً. أمّا التغيّر فأن تسكّن العفونة. وأمّا الاستفراغ فأن تستخرج الجوهر الذي كان قبل العفونة بأسره.

وهذا النوع الذي وصفت من التغيير هو النضج.

فإذا استفرغنا، وعلمنا من أيّ الأسباب يمكن أن يكون نضج، استفدنا العلم بالأسباب الفاعلة للصحّة من هذا الطريق.

وأمّا الاستفراغ فيكون بفصد العرق، والإسهال، وبالحقن، وبالبول، وبالتحليل من الجلد، وبالجذب إلى المواضع المضادّة، والنقل إلى المواضع القريبة. ويدخل في هذا الجنس إدرار الطمث، وتفتيح أفواه العروق التي في الدبر، والقبل، وتنقية المنخرين، واللهوات.

وإذا نحن استخرجنا في هذا الباب أيضاً الأصناف التي يكون بها الاستفراغ، ثمّ استعملناها في الوقت الذي ينبغي، وبالمقدار الذي يجب، وطريق الاستعمال الصواب، كنّا قد استخرجنا علل الصحّة في هذا الباب.

وقد تكلّمنا في استخراج جميع هذه الأسباب في كتاب حيلة البرء.

وعلى هذا المثال نستخرج علل الصحّة في الثلثة الأصناف الأخر من المزاج الرديء. وقصدنا فيها غرضاً واحداً عامّاً، وهو أن نحذف أوّلاً السبب الفاعل لها، ثمّ نقبل قبل المرض الذي حدث فيه.

وأمّا المزاج المركّب الرديء فتركيبه من الأشياء المفردة يدلّك على الأشياء الفاعلة للصحّة. ولكن الغرض الذي نقصد إليه في هذا الباب أيضاً أن نجعل مقدار الشيء الذي نقصد به البرء بحسب مقدار المزاج الرديء الذي نعالجه به.

مثال ذلك: أن ننزل أنّ عضواً من الأعضاء تغيّر عن مزاجه الطبيعيّ، فآل إلى الحرارة واليبس. إلّا أنّ ميله إلى الحرارة كان عشر درجات، وإلى اليبس سبع درجات فينبغي أن يكون السبب الشافي لهذا العضو فيه من البرد عشر درجات، وفيه من الرطوبة سبع درجات.

وإن كان الدواء الذي يلقى العضو نفسه الذي فيه المرض، فينبغي أن يكون معه من البرد والرطوبة بمقدار ما دلّ عليه نفس المرض.

وإن كان العضو الذي فيه المرض بعيداً، غائراً في العمق فينبغي أن يحتال أن يكون مع السبب الشافي من فضل القوّة ما تأمن معه أن لا تضعف قوّته في الطريق قبل أن يبلغ إلى العضو الذي فيه المرض.

وكذلك إن كان العضو يحتاج أن يكون السبب الشافي له أسخن من المعتدل، فليس ينبغي أن تكون حرارته بمقدار ما يحتاج إليه المرض فقط، لكن ينبغي أن نزيد في قوّته بحسب ما يحتاج من الزيادة فيها لمكان بعد موضع العضو.

وإن احتاج العضو إلى أن يكون السبب الشافي له أبرد من المعتدل، فليس ينبغي أن تقصد إلى أن يكون أبرد بذلك المقدار فقط، لكن ينبغي أن ننظر أوّلاً في جوهره. فإن كان غليظاً، فليس يمكن أن يغوص إلى مدّة كثيرة من العمق، لكنّه كثيراً ما يفعل ضدّ ذلك بتقبيضه سطح البدن. وإن كان لطيفاً، فقد يمكن أن يغوص، ويصل من العمق إلى مدّة بعيدة.

وعلى هذا المثال قد ينبغي أن ننظر في الأشياء المرطّبة، والمجفّفة في غلظ جوهرها، ولطافته.

وعلى هذا المثال قد يستدلّ من موضع العضو على السبب الجالب لصحّته.

وأمّا من خلقته، ومشاركته لما يليه، فإذا كانت له مجارٍ محسوسة، مفتوحة إلى أعضاء أخر، أو ليست له مجارٍ بتّة. وذلك أنّه إذا كان للعضو مجارٍ تجري فيها فضوله إلى أعضاء هي أشرف منه، منعنا تلك الفضول من أن تجري إلى تلك الأعضاء.

وإذا كان للعضو مجارٍ تجري فيها فضوله إلى أعضاء أخسّ، هيّجنا تلك الفضول لأن تجري إلى تلك الأعضاء.

وبيّن أنّ المداواة بالاستفراغ إنّما هي للأسباب الفاعلة للمزاج الرديء. وأمّا المزاج الرديء نفسه فإنّما مداواته بالتغيير.