Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وقد بيّنّا في المقالة التي وصفنا فيها أصناف الأمراض أنّ السدّة والضيق كثيراً ما يتبعان الأورام الحارّة، والصلبة، والرخوة، واليبس الفرد، والأشكال الرديئة التي تحدث للأعضاء التي تجري تلك المجاري التي تنسدّ، وتضيق، فيها.

وإذا تركّبت هذه الأشياء بعضها مع بعض، كانت أنحاء الاستدلال على ما يداوى به كثيرة، مختلفة.

وقد أكتفي بأن أذكر شيئاً واحداً أجعله مثالاً يستدلّ به على ما سواء. وسأتكلّم في جميع ذلك كلاماً أوسع من هذا في كتاب حيلة البرء.

فأنزل أنّه تحلّب إلى عضو من الأعضاء دم كثير حتّى تتمدّد العروق التي فيه. ويعرض ذلك التمدّد في العروق الكبار، وفي العروق الصغار التي كانت أوّلاً تخفى من الحسّ، ثمّ صارت الآن تظهر لامتلائها، كما قد ترى تلك العروق تظهر في العين كثيراً لبياض غشائها. ولعلّ عروقاً أخر أيضاً أدقّ من تلك العروق التي تظهر تتمدّد بسبب امتلائها، ولا تظهر لدقّتها.

وإذا كانت ذلك، فيكاد أن يرشح من العروق شيء فينصبّ في المواضع الفارغة التي فيما بين أجزاء العضو، أو يكون قد جرى إليها شيء يسير، وفرغ، فأقول:

إنّ علاج هذا المرض إنّما غرضه الاستفراغ. والأجود، والأبين أن أقول استفراغ بعض ما في العضو، لأنّ هذا المرض إنّما حدث من قبل أنّ العضو امتلأ امتلاء مفرطاً. واستفراغ ذلك الفضل من الدم يكون ضرورة إمّا بأن يرجع إلى ورائه، وإمّا بأن يجري من العضو الذي فيه العلّة. ورجوعه يكون إمّا بأن يدفع، وإمّا بأن يجذب بشيء، وإمّا أن يشدّ بشيئين من هذه التي وصفت، وإمّا بجميعها.

واستفراغه من العضو الذي فيه العلّة: منه ما يكون بطريق ظاهر محسوس، ومنه ما يكون بأن يلطف حتّى يصير بخاراً. إلّا أنّه متى كان في البدن كلّه امتلاء، فليس ينبغي أن يستفرغ الفضل من العضو الذي فيه العلّة. وذلك إن رمت أن تبطّه حتّى تستخرج الفضل منه، وتستفرغه استفراغاً ظاهراً للحسّ، حدث فيه من قبل ذلك وجع، فاجتذبت بسبب الوجع إليه مادّة أكثر. وإن رمت تحليل ذلك الفضل بالأدوية المسخنة، اجتذبت إليه بحرارة تلك الأدوية أكثر ممّا تحلّل منه. وإن رمت أيضاً أن تضطرّ ذلك الشيء الذي يجري إلى العضو أن يرجع، لم يقبله البدن لامتلائه. فلهذين الأمرين جميعاً قد ينبغي أن يستفرغ البدن كلّه، ثمّ يجتذب ما يجري منه إلى العضو. فإن لم يستفرغ البدن كلّه، اجتذبت ما يجري إلى العضو في مواضع أخر، مضادّة له. فإذا فعلت ذلك، فرم أوّلاً أن تدفع من ذلك العضو الفضل المحتبس فيه. ثمّ رم بعد تحليله. فإنّ استفراغه حينئذٍ يؤاتيك بسهولة، لأنّه يكون حينئذٍ بمجار أوسع.

ودفعك عن العضو العليل ما يجري إليه يكون بأن تقضّيه، وتردّه.

والعروق أيضاً التي تستفرغ تحيّز إليها ذلك الشيء الذي قد دفعته عن العضو العليل.

وقد بيّنّا أيضاً في كتاب القوى الطبيعيّة.

والعروق أيضاً التي في العضو العليل إذا قريتها بالأدوية القابضة، سيّرت ذلك الفضل من العضو العليل إلى ما وراءه.

فإذا أنت فعلت ذلك، فإن رجع إلى البدن جميع ما سال منه إلى ذلك العضو العليل، فيها ونعمة.

وإن حصل في العضو شيء منه، فينبغي أن تعلم أنّ ذلك الشيء الذي حصل فيه لزج، غليظ، ولذلك لحج، وارتبك، وبقي في العضو، وعسر انحلاله.

وقد يمكن أن لا يكون كذلك، ويكون السبب في ارتباكه، وبقائه في العضو أنّه خرج من العضو، فصار فيما بين الأعضاء المتشابهة الأجزاء. وذلك وقت ينبغي لك فيه أن تستفرغه من نفس العضو العليل، بعد أن تضع على ما فوق ذلك العضو أدوية تدفع ما يجري إليه.

والاستفراغ يكون بالبطّ، وبالأدوية المحلّلة، ولا سيّما إن توهّمت أنّ في المواضع التي فيما بين الأعضاء المتشابهة الأجزاء شيئاً محتبساً.

والأدوية المحلّلة كلّها مزاجها حارّ. ومن فعل هذا المزاج التلذيع، إذا كان مفرط الحرارة. فقد ينبغي أن تحذر في هذا الموضع استعمال الأدوية التي لها حرارة قويّة، لا سيّما إن كان العضو العليل بارزاً، ظاهراً، فإنّك إذا استعملت أشباه هذه من الأدوية، حتّى يجمع عليه مع علّته التلذيع، عرض فيه من الوجع أمر ليس باليسير.

وكلّ وجع فهو يهيّج، ويجلب المادّة.

فالدواء إذا الذي معه حرارة معتدلة هو الذي لا يحدث في مثل هذه الأعضاء وجعاً، ولا سيّما إن كان مع ذلك رطباً.

وقد يكتفي بالدواء المحلّل، وإن لم يكن بالقويّ، في تحليل الأعضاء البارزة، الموضوعة في ظاهر البدن.

فإن كانت المواضع الخارجة لا علّة بها، والعضو الذي يحتاج إلى الاستفراغ في العمق غائراً، فينبغي أن يقوى الدواء المحلّل، ويزاد في حرارته، لأنّه لا يؤمن أن يضعف، وتبطل قوّته قبل أن يبلغ، ويصل إلى عمق البدن.

وليس يخاف على المواضع الخارجة التي يلقاها أذىً لأنّه لا علّة بها.

فقد وافق الأمر من الوجهين جميعاً في استعمال الأدوية التي هي أسخن، وأحرّ، من قيل أنّ الأعضاء الظاهرة تحتملها، والأعضاء الباطنة تحتاج إليها. وهذا الاستدلال أخذناه من موضع العضو.

وينبغي أن ننظر هل بقي شيء ممّا يحتاج إليه في العلاج.

وأرى أنّه قد بقيت أشياء ليست باليسيرة. وذلك أنّ الأعضاء العليلة التي فيها الفضل الذي سال إليها، منها ما هي سخينة في طبعها، رخوة، ليّنة، ومنها كثيفة، ملزّزة، صلبة.

وما كان من الأعضاء على الصفة الأولى فهو يستفرغ سريعاً. وما كان منها على الصفة الثانية فإنّه يحتاج كما يستفرغ إلى أدوية هي أحدّ من تلك، ويحتاج أن تكون تلك الأدوية ألطف. فإن كانت مع ذلك تلك الأجزاء غائرة جدّاً، موضوعة على العمق، فهي إلى ذلك أحوج كثيراً.

فاحفظ هذا النوع الآخر من الاستدلال على العلاج المأخوذ من جوهر العضو العليل.

وقد يؤخذ استدلال آخر على العلاج من خلقة العضو، ومشاركته لغيره.

فأنزل في هذا المثل: أنّ المرض الذي ذكرنا قبل حدث في الكبد، وأنّه قد لحجت في الأطراف الضيّقة من العروق التي فيها رطوبات لزجة، أو غليظة، أو كثيرة، أقول:

إنّه إذا كان ذلك، سهل أن تستعمل الأطعمة، والأشربة الملطّفة، فيلطّف أوّلاً بها الغلط، واللزوجة، ثمّ يستفرغ الشيء المؤذي، لا بالطرق الضيّقة التي لا ترى فقط كما تستفرغ سائر الأعضاء، لكن بطرق واسعة. وذلك أنّ العروق التي في الكبد من أوسع العروق، وأكثرها عدداً. وما كان من تلك العروق في حدبة الكبد فهو ينتهي إلى العرق الكبير، المسمّى العميق. وما كان من تلك العروق في جانب الكبد المقعّر فهو ينتهي إلى العرق المسمّى الباب. ولذلك قد يسهل، متى حدث اللحج في عروق الكبد، في أيّ الجانبين كان اللحج، أن يستفرغ الفضل الفاعل له بأيسر السعي، وأهونه.

فإذا كانت الرطوبة قد لحجت في العروق التي في جانب الكبد المقعّر، اجتذبتها إلى البطن بالأدوية الجاذبة.

وإذا كانت قد لحجت في العروق التي في حدبة الكبد، استفرغتها بالبول، وبالعرق العميق.

وقد يوجد مع ما وصفنا استدلال آخر على العلاج من الكبد، من قبل أنّها أصل العروق.

وذلك أنّه لمّا كان تدبيرها ليس هو لنفسها فقط، كجلّ الأعضاء، لكنّه قد تنبعث منها قوّة إلى العروق، لم يؤمن إن أرخينا قوّتها بإنقاعها بالأذهان، واستعمال الأضمدة المرخية، المحلّلة، أن تضعف هي أوّلاً في فعلها، ثمّ تضعف بضعفها جميع العروق.

ولذلك قد ينبغي أن يخلط فيما يوضع على الكبد بعض الأدوية القابضة.

ولمّا كان موضع الكبد موضعاً بعيد الغور، لم يؤمن أن تضعف قوّة الدواء القابض، وتبطل قبل أن تصل إليها، إن لم يكن معه جوهر آخر لطيف يوصله، مثل طبيعة الأشياء العطريّة. والأجود أن يكون الدواء قد جمع أن يكون قابضاً، ويكون عطراً، فإنّه إذا جمع هاتين القوّتين، كان فعله أقوى.

فأنزل: أنّك قد استفرغت الشيء الذي كان محتبساً في هذا العضو على خلاف الأمر الطبيعيّ، ورجع من اعتدال الكيموسات إلى الأمر الطبيعيّ، فقد ينبغي عند ذلك أن تتفقّد، وتنظر أن لا يكون مزاج الكبد تغيّر من كيفيّة تلك الرطوبة التي كانت محتبسة فيها، فبردت الكبد منها إن كانت بلغميّة، أو سخنت منها إن كانت من جنس المرار، حتّى تصلح مزاجها أيضاً إن كان فسد، فتردّها إلى الصحّة ردّاً تامّاً. وإصلاح مزاجها يكون بأن تدخل عليه كيفيّة مضادّة له، كما قد قلنا في علاج المزاج الرديء.

وينبغي إن كانت سخنت أن يكون مقدار تدبيرنا لها بمقدار ما سخنت، أعني بمقدار ما زادت سخونتها على المزاج المعتدل.

فيجب إذاً في هذا أيضاً أن تكون عالماً بالاعتدال الطبيعيّ لهذا العضو. وذلك أنّك إن لم تعلم مقدار حرارة الكبد الطبيعيّة، لم تعلم بكم هي الآن أسخن من مزاجها الطبيعيّ. ولا متى ينبغي أن تقف، وتمسك من تدبيرها.

وكذلك أيضاً إن برد عضو من الأعضاء، فقصدت لأن تسخنه، ثمّ لم تعلم كم مقدار برده الطبيعيّ، لم تصل إلى معرفة الدواء الذي ينبغي أن تسخنه به خاصّة، ولا قدرت أن تعلم متى ينبغي لك أن تمسك، وتكفّ عن إسخانه.