Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وإذ قد تكلّمنا في هذا بما فيه كفاية، فينبغي أن نقبل على الأعضاء التي هي في العدد خارجة عن مجرى الطبع. وذلك يكون على صنفين: أحدهما: النقصان، والآخر: الزيادة. فإذا كان عضو من الأعضاء قد نقص، فالغرض في علاجه أن تردّ ذلك الشيء الذي قد نقص. وذلك يكون بأن تخدم الطبيعة، وتعينها على عمله على الوجه الذي وصفته قبيل.

وإذا زاد شيء في عضو من الأعضاء، فالغرض في علاجه قطعه إمّا بحديدة، وإمّا بنار، وإمّا بدواء محرق.

ويكاد كلّ عضو تحدث فيه الزيادة أن يمكن فيه البرء. وليس كلّ عضو ينقص، يمكن أن يتولّد فيه ما نقص منه، ما بيّنت في كتاب المنيّ.

ومن الأعضاء أعضاء، وإن كان لا يمكن أن تتولّد هي بأعيانها، فقد يمكن أن يتولّد فيها غيرها ممّا يقوم مقامها. من ذلك أنّه إذا سقط من عضو من الأعضاء عظم بأسره، أمكن أن يتولّد مكانه جوهر آخر غير العظم، وغير اللحم. فإنّ الجوهر الذي يتولّد في موضع العظم كأنّه لحم دشبديّ، أو دشبد لحميّ. وكلّما تمادى به الزمان، كان إلى الدشبد أميل. وقد كان في ابتداء أمره إلى اللحم أميل.

وإذا فقد عضو من الأعضاء، ولم يمكن أن يتولّد حتّى يعود هو بعينه، لا شيء شبيه به يقوم مقامه، فالغرض الثالث: أن يحتال للعضو بتحسين ما، مثل ما يفعل في الأعضاء التي تقصر.

وهذا الجنس من المرض الذي يكون في العدد مشارك للجنس الذي يكون في العظم. وذلك لأنّ الصنف منه الذي يكون في عدد الأشياء الطبيعيّة قريب من الجنس الذي يكون في العظم، وإنّما يخالفه في نوعه الآخر الذي يكون في عدد الأشياء التي هي في جنسها خارجة عن الطبيعة.

والغرض الأوّل في علاج هذا الصنف هو إخراج ذلك الشيء المتولّد على خلاف مجرى الطبيعة، وحذفه عن العضو الذي تولّد فيه.

فإن رأيت أنّ هذا الغرض لا يمكن أن يتمّ، فالغرض الثاني في علاجه: أن ينقله، مثل ما يفعل في الماء الذي يتولّد في العين.

فإذا كان النقصان ليس هو نقصان عضو بأسره، لكن نقصان جزء من العضو، وكانت الزيادة أيضاً على هذا المثال، فالغرض في علاج ما نقص إمّا تغذية العضو، وإمّا تولّد ما نقص منه. والغرض في علاج ما زاد قطع الشيء الزائد، أو تضميره وتذويبه. ولذلك ليس الغرض في علاج هذه الأشياء غير الغرض في علاج ما وصفنا قبلها. ولأنّ طبيعة الأدوية التي تصلح لها في هذا الجنس غير طبيعة الأدوية التي تصلح لتلك.

وقد ينبغي لنا أن نقبل على جنس آخر من أسباب الصحّة قد بقي علينا ذكره، وهو الجنس الذي يصلح الآفات الحادثة في وضع الأعضاء، مثل الخلع، والمعى الذي ينحدر فيقع في كيس الأنثيين.

والخلع يكون إمّا من تمديد، وإمّا من دفع عنيف.

وانحدار المعى إلى كيس الأنثيين يكون إمّا من فتق يحدث في الغشاء الذي يحوي الأمعاء، وإمّا من اتّساع المجرى الذي ينحدر من ذلك الغشاء إلى كيس الأنثيين.

ولذلك صار إصلاح الخلع يكون بالتمديد، والدفع إلى خلاف تلك الجهة التي زال إليها المفصل.

وإصلاح انحدار المعى إلى كيس الأنثيين بأن تحتال في تضييق ما اتّسع من ذلك الغشاء الذي يحويه.

وقد بيّنت في كتاب حيلة البرء الطرق التي ينبغي أن تسلك في استخراج الأشياء الجزئيّة التي ينبغي أن تعالج بها هذه الأشياء.