Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وقد بقي علينا أن نصف الأسباب التي أخّرنا ذكرها فيما مضى من كلامنا، وهي الأسباب التي تتقدّم فتحوط البدن.

وأجناس هذه الأسباب ثلثة: الجنس الأوّل: هو جنس الأسباب التي تتقدّم فتحوط البدن الصحيح، السليم، والجنس الثاني: جنس الأسباب التي تتقدّم فتحوط البدن الصحيح الذي ليس بسليم، ولكن قد ينكر منه شيء، والجنس الثالث: هو جنس الأسباب التي تتقدّم فتحوط البدن المريض.

وعلم الجنس الأوّل من علم حفظ الصحّة. وهذا الجنس، كما قلنا قبل، هو ضربان.

وعلم الجنس الثاني هو علم التقدّم في الحياطة.

وعلم الجنس الثالث من علم حيلة البرء.

وهذا الجنس كلّه من الأسباب إنّما قوامه، خاصّة من الكيموسات.

وليس ينبغي أن تكون الكيموسات لا لزجة، ولا غليظة، ولا رقيقة مائيّة، ولا كثيرة، ولا قليلة، ولا أسخن ممّا ينبغي، ولا أبرد، ولا لذّاعة، ولا عفنة، ولا لها كيفيّة رديئة، سمّيّة.

فإنّ هذه الكيموسات إذا تزايدت في هذه الأحوال صارت أسباباً للأمراض، وربّما كان تزيّدها من ذلك السبب الذي كان أصل تولّدها منه، وربّما كان من قبل قتلها للأخلاط التي في البدن، وإحالتها لها إلى مثل ما هي عليه.

ولمداواتها غرضان: أحدهما: الإحالة، والآخر: الاستفراغ.

واستحالة الكيموسات تكون إمّا من نفس البدن إذا أنضجها، وإمّا من قوى بعض الأدوية. وفي هذا الجنس من الأدوية يدخل ما يسقى من سموم ذوات السموم، ومن الأدوية التي هي من جنس السموم.

واستفراغ الكيموسات يكون بالأدوية التي تسخن إسخاناً قويّاً، وبالإسهال، وبالحقن، وبالعرق، وبالقيء.

وهذه هي أصناف الاستفراغات العامّيّة.

وأمّا الخاصّيّة: فتؤخذ من المواضع التي تجتمع فيها تلك الكيموسات، كما بيّنت في كتاب تدبير الأصحّاء، وخاصّة في المقالة الثالثة والرابعة من ذلك الكتاب عند وصفنا الإعياء، وسائر العلل الشبيهة بالإعياء.

واستفراغ الكيموسات يكون أسهل إذا استفرغ ما كان منها في العروق الأول بالإسهال، واستفراغ ما كان منها فيما بعد عن الكبد من العروق بالبول، واستفراغ ما كان منها في البدن كلّه بالعرق، وما كان منها في الرأس باللهوات، أو المنخرين، أو بهما جميعاً، وما كان في الصدر، وقصبة الرئة بالسعال، وما كان في الكلى، أو في المثانة بالبول.

وأمّا الاستفراغ الذي يكون بطريق الجذب فهو استدلال عامّ لجميع الأعضاء أن يكون من أبعد المواضع من ذلك الموضع الذي يقصد إلى الجذب منه.

وأمّا الاستفراغ الذي بطريق استخراج ما يحصل في العضو فيكون من المواضع القريبة.

وجميع الأشياء التي تشفي هذه الحالات تسمّى أسباب الصحّة. وجميع الأشياء التي تهيّج هذه الحالات، وتزيد فيها تسمّى أسباب المرض. فأمّا الأشياء التي لا تضرّ فيها ولا تنفع، فتسمّى أسباباً لا للصحّة، ولا للمرض.

وقد يمكن أن لا تسمّى أسباباً بتّة. كما قد يفعل كثير من السوفسطائيّين ممّن يغفل النظر في وجود اختلاف أعيان الأشياء، ويفني أكثر عمره في الأسماء.

وقد تكلّمت في غير هذا الكتاب كلاماً أشرح من هذا في فسخ دعواهم.

وقد فرغت في صفة الصنف من الطبّ المعروف بالتقدّم في الحياطة.