Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

الأبدان الصحيحة تقال على ضربين: منها بقول مطلق، ومنها الآن.

وقد قلنا إنّ الأبدان التي يقال لها صحيحة بقول مطلق صنفان: من قبل أنّ بعضها صحيح دائماً، وبعضها صحيح في أكثر الحالات.

أمّا الصحيح دائماً فما كان منها على أفضل الهيئات.

وأمّا الصحيح في أكثر الحالات فما كان منها قد نقص عن تلك الهيئة، وليس نقصانه كثيراً.

وينبغي أن يستدلّ عليها من الأشياء التي هي لها في حدّ جوهرها، ومن الأفعال، والأعراض التي تلزم هذه باضطرار.

أمّا من نفس الجوهر فمتى كان البدن على أفضل الهيئات، فمن علاماته: اعتدال أعضائه المتشابهة الأجزاء في الحرّ، والبرد، والرطوبة، واليبس، واعتدال أعضائه الآليّة في مقادير الأجزاء التي هي منها مركّبة، وفي عددها، وفي خلفة كلّ واحد من الأجزاء، وموضعه، وخلقة الآلة كلّها، وموضعها.

وأمّا من الأشياء التي تلزم باضطرار فإنّ من العلامات التي تلزم الأعضاء المتشابهة الأجزاء منها يتبيّن بحسّ اللمس وهو الاعتدال فيما بين الصلابة واللين، ومنها ما يتبيّن بحسّ البصر وهو حسّ اللون، والاعتدال فيما بين قلّة الشعر وكثرته، ومنها ما يظهر في الأفعال وهو كما لها الذي قد نسمّيه فضيلتها.

ومن العلامات التي تلزم الأعضاء الآليّة اعتدال آلات البدن كلّه، وحسنها، وفضيلة الأفعال التي تكون بها.

فهذه هي العلامات الدالّة على أفضل هيئات البدن.

وأمّا الأبدان التي قد نقصت عن أفضل الهيئات إلّا أنّها بعد صحيحة: فمنها ما الآفة فيها في مزاج أعضائها المتشابهة الأجزاء وهي مع ذلك يسيرة. ومنها ما الآفة فيها في تركيب الأعضاء الآليّة. وتلك الآفة أيضاً يسيرة.

والآفة في مزاج الأعضاء المتشابهة الأجزاء وفي تركيب الأعضاء: إمّا أن تكون في كلّها، وإمّا أن تكون في بعضها.

وأجناس الآفات هي أجناس الأشياء التي تتمّ بها فضيلتها، وهي في الأعضاء المتشابهة الأجزاء: المزاج، وفي الأعضاء الآليّة: العدد، والمقادير، والخلق، والوضع. والاتّصال مشترك بينها.

وفي هذه الأجناس بأعيانها تكون آفة الأبدان السقيمة، على أيّ المعنيين اللذين ينتظمهما هذا الاسم. فقد فهمت أمرهما. والحدّ الذي تكون به التفرقة بينهما هو ضرر الفعل المحسوس.

وأمّا الأبدان التي تنقص قليلاً عن أفضل الهيئات فقد دخل عليها أيضاً الضرر من وجه ما. إلّا أنّ ذلك الضرر غير محسوس. ومعرفتها تكون بالتفاضل في الأفعال، وفي المقاومة للأسباب المرضيّة.

وأمّا الأبدان التي يقال إنّها سقيمة بقول مطلق، فمعرفتها تكون بأنّ الأسباب المسقّمة تقهرها سريعاً، وتستولي عليها بسهولة، وأنّ نقصانها في فضيلة الأفعال كثير.

فتصير الأبدان التي لا تنسب إلى صحّة، ولا مرض، متوسّطة فيما بين هذين الصنفين، كانت تلك الأجسام ممّا يوصف بذلك على الحقيقة، أو كانت ممّا له عرض ما.

ويصير غرض الصحّة كلّها ينقسم إلى ثلثة أجزاء. ولكلّ واحد من تلك الأجزاء أيضاً غرض كبير.

وأوّل تلك الثلثة هو الأبدان المصحّحة، والثاني: الأبدان التي لا تنسب إلى صحّة، ولا مرض. والثالث: الأبدان المسقامة.

وبعد هذه الأبدان التي قد وقعت في المرض، وفرغت.

والفرق بينها وبين غيرها بالضرر المحسوس الذي يظهر فيها من الأفعال.

والأبدان التي قد عرض لها الوجع، أو حدث في حركاتها اضطراب، أو بطلت حركاتها بتّة، فحدّها بيّن.

فأمّا الأبدان التي قد ضعفت أفعالها، فإنّها إن كان ذلك الضعف قد بعد بعداً كثيراً جدّاً من الاعتدال فتمييزها سهل. وإن كان قد بعد بعداً يسيراً، فأمرها مشكوك فيه. ولذلك صارت الحال التي لا تنسب إلى واحد من الضدّين، وهي إحدى ثلث أحوال: الأبدان التي لا تنسب لا إلى صحّة، ولا مرض إنّما تكون في هذا الجنس من الضرر.

وجميع هذه الأشياء إنّما تميّز بالحسّ، لا بنفس طبيعة الأمور، لأنّه إن جعل تمييزها على هذا النحو، فلن يؤمن على السالك هذا الطريق أن يقع في رأي من رأى أنّ الأبدان كلّها في مرض دائم.

والعلامات أيضاً التي تدل على الأبدان التي هي الآن صحيحة، إلّا أنّها مسقامة سقماً خفيّاً، أو مصحّحة، أو ليست بصحيحة، ولا سقيمة، إنّما الفرق بينهما في مقدار البعد عن الطرفين.

وينبغي أن نجعل أفضل الهيئات والمرض الذي قد وقع في حدّين متضادّين، حتّى إذا أردنا أن نمتحن بدناً فنعلم في أيّ حدّ هو، نظرنا إلى أيّ الطرفين هو أقرب.

فإنّ البدن الذي هو إلى أفضل الهيئات أقرب، مصحّح. والبدن الذي هو من أفضل الهيئات أبعد، وأقرب إلى البدن الذي وقع في المرض، مسقام. والبدن الذي هو فيما بينهما، وبعده منهما سواء، فهو الذي لا ينسب إلى الصحّة، ولا إلى المرض.