Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وقد ينبغي أن نذكر الآن أمر أصناف مزاج القلب، ونذكر أوّلاً بأنّا إذا قلنا في كلّ واحد من الأعضاء إنّه أسخن، أو أبرد، أو أجفّ، أو أرطب ممّا هو، فلسنا نقول ذلك ونحن نقيسه إلى غيره، بل إلى مزاجه المعتدل.

فإنّ القلب لو بلغ من البرد غاية ما يمكن أن يبلغه في إنسان بالطبع، فإنّ مزاجه على حال أسخن كثيراً من مزاج الدماغ. ولو بلغ الدماغ غاية ما يمكن أن يبلغه من الحرارة في الإنسان بالطبع، فإنّ مزاجه على كلّ حال أبرد كثيراً من مزاج القلب.

فعلامات القلب الذي هو أسخن من مزاجه المعتدل الذي لا يفارقه، وهي به مخصوصة: عظم التنفّس، وسرعة النبض وتواتره، والشجاعة، والنشاط للأعمال.

فإن زادت الحرارة التي في القلب جدّاً، فإنّ من علاماته: سرعة الغضب، والإقدام بالتهوّر. والصدر من صاحب هذا المزاج كثير الشعر، ولا سيّما مقدّمه، وما كان من البطن، والجنبين قريباً من الصدر. وفي أكثر الحالات، فإنّ البطن كلّه يسخن بسخونة القلب إن لم تقاومه الكبد مقاومة شديدة.

وسنذكر بعد قليل علامات البدن كلّه.

وسعة الصدر أيضاً من دلائل حرارة القلب، إلّا أن يقاوم القلب في ذلك أيضاً الدماغ مقاومة شديدة. وذلك لأنّ مقدار النخاع في أكثر الحالات مناسب لمقدار الدماغ، ومقادير الفقار بحسب مقدار النخاع. فيجب أن يكون مقدار الصلب كلّه على حسب ذلك.

والصدر مركّب على جزء من الصلب، وهو اثنتا عشرة فقارة ممّا دون الرقبة، كما تركّب السفينة على الخشبة التي مبناها عليها. فيجب من ذلك ضرورة أن يكون طول الصدر مساوياً لطول الاثنتي عشرة فقارة التي هو مركّب عليها. وأمّا سعته فمتى كان تركيبه مناسباً لمقدار ثخن الفقار، فيكون بحسب الفقار. ومتى كانت الحرارة قد غلبت على القلب، فثخّنت الصدر، ووسّعته في أوّل كونه، فبحسب حرارة القلب تكون سعة الصدر. وكذلك متى كانت سعة الصدر مع صغر الرأس، فذلك من أعظم العلامات، وأدلّها على حرارة القلب. ومتى كان ضيق الصدر مع كبر الرأس، فذلك من أخصّ العلامات ببرد القلب. ومتى كان الصدر مناسباً للرأس، فاجعل تحديدك لمزاج القلب من علامات أخر. من قبل أنّك لا تقدر أن تستدلّ عند ذلك من مقدار الصدر على شيء من أمر القلب.

وإذا كان القلب أبرد من مزاجه المعتدل، كان النبض أصغر من المعتدل. وليس يجب لا محالة أن يكون أبطأ منه، وأشدّ تفاوتاً منه.

وأمّا التنفّس فإن كان مقدار صغر الصدر بمقدار زيادة برد القلب، فإنّه يكون مناسباً للنبض. فإن كان مقدار صغر الصدر بأكثر من مقدار زيادة برد القلب، لم يكن التنفّس أصغر فقط، لكنّه يكون مع ذلك أبطأ، وأشدّ تفاوتاً. وصاحب هذه الحال يكون في طبيعته جباناً، لا نجدة له، وصاحب تأخير ومطل، ومقدّم صدره معرّىً من الشعر.

وأمّا صغر الصدر فينبغي أن نحدّه بحسب ما قلناه قبل.

وكذلك أيضاً أمر برودة البدن كلّه.

ومتى كان القلب أجفّ من مزاجه المعتدل، جعل النبض أصلب. وكان الغضب ليس بسريع، إلّا أنّه إذا هاج، استصعب، وعسر سكونه. والبدن كلّه عند ذلك في أكثر الحالات يكون أجفّ، إن لم يقاوم الكبد القلب.

ومتى كان القلب أرطب من مزاجه المعتدل، كان النبض ليّناً، وكان حركة صاحبه إلى الغضب سريعة، إلّا أنّ سكونه أيضاً سريع. والبدن كلّه يكون أرطب، إلّا أن يقاوم الكبد القلب.