Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Ars Poetica (Poetics)

〈الأخلاق؛ الاحتمال والضرورة؛ «الإله بالآلة»〉

فأما فى العادات فلنتكلم الآن فنقول: إن العادات التى منها نتعرف الحق ونستدل عليه — أربع: الأول منها هو أن تكون العادات جياداً، ويكون كل واحد منها — إن كان قول الأمر الذى هو أعرف قد يؤثر بالفعل الإرادى فى الاعتقاد شيئاً — أن تكون حال كل واحدة من العادات هذه الحال. والخير والجيد إن كان موجوداً فهو موجود خيراً فى كل جنس. وذاك أنه قد توجد مرأة جيدة وفعل جيد. هذا على أنه لعله يكون هذا منهم رذل وهذا مزيف.

والثانى ذلك الذى يصلح. وذلك أن العادة التى هى للرجال قد توجد، إلا أنها لا تصلح للمرأة، ولا أيضاً أن ترى فيها ألبتة.

والثالثة الشبيه بذلك: أن الذى له هذه العادة غير ذلك الذى له عادة جيدة إن كان قد يصلح أن يفعل أيضاً، كما تقدم فقيل.

وأما الرابعة فذاك المتساوى. وذلك أنه إن كان إنسان مما يأتى بالتشبيه والمحاكاة مساوياً، ووضع مثل هذا الخلق كذلك على جهة التساوى، فقد يجب أن يكون غير مساو.

وأيضاً أما مثال رذيلة العادة فليس هو ضرورى، وذلك كما كانت الرحمة لأورسطس والحزن عليه. وما كان غير لائق هو أنه لما كان يصلح ويطابق مثل نوح أوديسوس على المعروفة بـ«ـأسقلى» البحرانية، ولا أيضاً النصنصة ونلحبس (!) المعروفة بميلانافى؛ فأما الذى للامتساوى فكحال ايفيغانيا فى دير المعروف [ببنات] بأولى، وذلك أنه ما تشبهت تلك التى كانت تتضرع بتلك الأخيرة.

وقد يجب أن يطلب دائماً مجرى التشابه كما نطلب ذلك فى قوام الأمور أيضاً: إما ما هو على الحقيقة، وإما ما هو ضرورى، وإما الشبيه. وعند هذه تكون العادة ضرورية أو شبيهاً.

ومن البين أن أواخر الخرافات إما ينبغى أن تعرض لها وتنوبها من العادة نفسها، وليس كالحال فيما كان من الحيلة عند «ميديا» وكما كان إلى «الياذس» من انقلاب المراكب، لا للغرق، لكن إنما ينبغى أن نستعمل نحو خارج القينة، وآخرها الحيلة إما بمقدار ما احتملوا هؤلاء المذكورين، وإما بمبلغ ما لا يمكن الإنسان أن يقف ويعرف أو بمبلغ ما يحتاجون أخيراً فى المقولة أو القول. وذلك أن كل شىء يسلم إلى الآلهة يرى ويبصر؛ فأما ما هو خارج عن النطق فلا ينبغى أن يكون فى الأمور، وإلا كان هذا المعنى خارجاً عن المدائح، بمنزلة ما كان ما أتى به أوديفس من محاكاة سوفقلس حريصاً.

والتشبيه والمحاكاة هى مدائح الأشياء التى هى فى غاية الفضيلة، أو كما يجب أن يشبهوا المصورون الحذاق الجياد؛ وذلك أن هؤلاء بأجمعهم عندما يأتون بصورهم وخلقهم من حيث يشبهون يأتون بالرسوم جياداً، كذلك الشاعر أيضاً عندما يشبه الغضابى والكسالى يأتى هذه الأشياء الأخر التى توجد لهم فى عاداتهم، فعلى هذا ينبغى للحذاق أن يأتوا بمثال الصعوبة، بمنزلة ما أبان أوميروس من خبر أخيلوس.

وهذه ينبغى أن تحفظ؛ ومع هذه أيضاً الاحساسات التى تلزمهم فى صناعة الشعر من الاضطرار، وذلك أن كثيراً ما قد يكون فى هذه زلل وخطأ. وقد تكلم فيها كلاماً كافياً فى الأقاويل التى أتى بها.

١٥ — أما فى الأخلاق فينبغى أن تعتمد أمور أربعة: فأحدها — وأولها — أن تكون حسنة. والمرء يكون ذا خلق إذا كانت أقواله أو أفعاله تدل على اختياره، ويكون ذا خلق حسن إذا كان اختياره حسناً. وهذا هو الشأن فى كل جنس: فقد يكون للمرأة والعبد خلق حسن، على أن المرأة ليست شريفة جداً، والعبد ليس شريف على الإطلاق. والأمر الثانى هو أن تكون مناسبة. فالرجولة خلق يوجد للرجال، ولكن المرأة لا يناسبها أن تكون ذات رجولة. والأمر الثالث هو أن تكون الأخلاق شبيهة بالواقع، وهذا غير كونها حسنة أو مناسبة كما قيل. والأمر الرابع هو أن يكون الخلق سوياً. فإذا كان المرء الذى يقصد بالمحاكاة غير سوى وكان متصفاً بهذا الخلق فينبغى أيضاً أن يكون سوياً فى عدم استوائه. فمثال الخلق الوضيع فى غير ضرورة خلق منلاوس فى «أورستيس»؛ ومثال الخلق غير المناسب توجع أوديسيوس فى «إسكيلا»، وحديث ملانيى. أما مثال الخلق غير السوى فإيفيجانيا فى «أوليس». فإنها متضرعة غيرها بعد ذلك.

وينبغى فى الأخلاق ما ينبغى فى نظم الأعمال من التزام الضرورى والراجح دائماً، بحيث يكون المرء الذى له خلق ما جارياً فى أقواله وأفعاله على مقتضى الضرورة أو الرجحان، كما يكون حدوث أمر بعد آخر جارياً على مقتضى الضرورة أو الرجحان. وبين من ذلك أن نهاية القصص ينبغى أن تصدر عن القصة نفسها لا عن حيلة مسرحية كما فى تراجيدية «ميديا»، أو كرجوع السفن فى «الإلياذة»، فينبغى إلا تستعمل الحيلة المسرحية إلا فى الأمور الخارجية عن حدود التمثيلية والواقعة قبلها، والتى لا يكون للمرء سبيل إلى معرفتها، أو فى الأمور التالية التى يحتاج إلى التنبؤ بها وإعلأنها، فإننا ننسب إلى الآلهة أنهم مطلعون على كل شئ. أما ما يخالف العقل فلا ينبغى أن يقع فى الأعمال إلا أن يكون ذلك خارج التراجيديا، كالذى يقع من ذلك فى «أوديبوس» لسوفوكليس.

وبما أن التراجيديا هى محاكاة لأناس أفضل ممن نعرف فينبغى أن يصنع بها مثل صنيع المصورين الحذاق فى صورهم، فهؤلاء — مع اعتمادهم أداء هيئة من يحاكون — يصورونهم شبيهين بالواقع وإن كانوا أجمل منه. وكذلك يجب على الشاعر حين يحاكى أناساً سريعى الغضب أو بليدى الحس أو بأخلاقهم عيب كهذين — يجب عليه أن يصورهم كذلك وإن جعلهم أحسن مما هم، كما صور أجاثون أو هوميروس خلق أخيل. هذا ما ينبغى أن يلاحظ، وينبغى أن يراعى معه عمل الحواس الذى يرتبط ضرورة بصنعة الشعر. فكثيراً ما يقع الخطأ فيه. وقد تكلمنا فى ذلك كلاماً كافياً فى مقالاتنا التى أذعناها.