Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Ars Poetica (Poetics)

〈تصاريف الدهر؛ البطل؛ المأساة المزدوجة الخاتمة〉

فأما من أى موضع يؤخذ عمل صناعة المديح فنحن مخبرون فيما بعد، ونضيف ذلك إلى ما تقدم فقيل.

ومن قبل أن تركيب المديح ينبغى أن يكون غير بسيط، بل مزوج، وأن يكون هذا من أ شياء مخوفة محزنة [حرقة مملوءة حزناً]، وأن يكون محاكى لهذه (إذ كان هذا هو خاصة المحاكاة لمثل هذه)، فهو ظاهر أولا أنه ليس يسهل ولا على الرجال الأخيار أن ترى دائماً فى التغير من الفلاح إلى لا فلاح (وذلك أن هذا ليس هو مخوف ولا صعب، لكن لهذه إلى ذيلها) ولا أيضاً أن ترى للتغير من لا فلاح إلى فلاح ونجح (وذلك أن هذه بأجمعها هى غير مديحية: وذلك أن ليس فيها شىء مما يجب: لا التى لمحبة الانسانية ولا التى للحزن، ولا أيضاً هى مخوفة)، ولا أيضاً هى للذين هم أردياء جداً من فلاح إلى لا فلاح أن يسقطوا، وذلك أن التى لمحبة الإنسانية فلها قوام مثل هذا، ولا أيضاً الحزن والخوف أيضاً، 〈وذلك〉 أنه أما ذاك هو إلى من لا يستحق عندما لا يصلح، وأما هذا فالتى من تشبهه آخر: أما هذا إلى من لا يستحق، وأما الخوف فالى من الشبيه. فاذاً ما يعرض ليس هو لا للخوف ولا للحزن، فبقى إذاً المتوسط بين هذين...

هو هذا: أعنى الذى لا فرق فيه لا فى الفضيلة والعدل، ولا أيضاً يميل إلى لا فلاح ولا نجح، بسبب الجور والتعب، بل بسبب خطأ ما. وذلك الذين هم فى جلالة عظيمة وفى نجاح وفلاح، بمنزلة أوديفوس وثواسطس، وهؤلاء الذين هم من قبل هذه الأحساب ومشهورين.

والخرافة التى تجرى على الأجود فلا تخلو من أن تكون كما قال قوم: بسيطة، وإما مركبة، وإما تغير 〈لا〉 من لا فلاح 〈إلى〉 فلاح، لكن بالعكس، أعنى من الفلاح إلى لا فلاح، لا بسبب التعب، لكن بسبب خطأ وزلل عظيم، أو مثل التى قيلت [أو] للأفاضل خاصة أكثر من الأراذل.

والدليل على ذلك ما يكون: وأولاً كانوا يحصون الخرافات الذين يوجدون لكيما يظنوا؛ وأما الآن فقد تركب المديحات قليلا عند البيوت، مثلما كان بسبب ألقامان، وأوديفس، وأورسطس، وما لا غرس، وثواسطس، وطيلافس، وسائر القوم الأخر، كم كان مبلغهم ممن مرت به المصائب ونابته النوائب أن ينفعلوا ويفعلوا أشياء صعبة.

وأما المديح الحسن الذى يكون بصناعة هو هذا التركيب.

ولذلك قد يخطىء الذين يلزمون أوريفيدس اللوم من قبل أنه جعل مدائحه على هذا الضرب، وذلك أن كثيراً مما يؤول بالأمر إلى لا فلاح ولا نجاح وإلى شقاء البخوت، وذلك كما قلنا. وأعظم الدلائل على ذلك مما هو مستقيم أن هذه الأشياء التى تكون من الجهادات ومن المسكن ترى بهذه الحال، غير أن هؤلاء يصلحون الخطأ، وإن كان أوريفيدس دبر هذه الأشياء تدبيراً حسناً، إلا أنه قد يرى أنه أدخل فى باب المدائح من الشعراء الأخر.

وأما القوام الثانى فقد تقول فيها بعض القوم أنها أولى، وهى مضاعفة فى قوامها، بمنزلة التدوير الذى للجوهر، وإذا حصلت على جهة الرواية من التضاد فقد يظن بها أنها للأفاضل جداً والأرذال. فأما الأولى فبسبب ضعف المعروف بثيطرا، وأما الشعراء فعندما يجعلونها للناظرين موضع الدعاء. وليس هذه هى اللذة من صناعة المديح، لكنها أكثر مناسبة لصناعة الهجاء؛ وذلك أن هنالك فالأعداء والمبغضون هم الذين يوجدون فى الخرافة بمنزلة أورسطس وايغيسطس اللذين عندما صارا أصدقاء فى آخر الأمر قد تبديا، ويقال فيهما فى القمسة: أمر الميتة لا واحد من رفيقه وقرينه.

١٣ — أما ما ينبغى توخيه وما ينبغى توقيه عند نظم القصص، وكيف يكون للتراجيدايا فعلها الخاص، فهذا ينبغى أن يتكلم فيه تبعاً لما قلناه الآن. فيما أن أجمل التراجيديات هى ما كان نظمها معقداً لا بسيطاً، وما كانت محاكية لأمور تحدث الخوف والشفقة (لأن ذلك هو خاصة هذا الضرب من المحاكاة)، فظاهر أولا أنه لا ينبغى إظهار أناس طيبين تتغير حالهم من سعادة إلى شقاء، لأن هذا لا يحدث خوفاً ولا شفقة بل يحدث غيظاً وحزناً؛ ولا إظهار أناس خبيثين يستبدلون من بؤس نعمى، فإن هذا أبعد شئ من التراجيديا، لأنه لا ينطوى على عاطفة إنسانية من خوف أو شفقة، فهذه تنصرف إلى من لا يستحق الشقاء عندما يشقى، وذاك ينصرف إلى الشبيه: الشفقة تنصرف إلى من لا يستحق الشقاء، والخوف ينصرف إلى من يشبهنا، فهذا الذى وقع — إذن — لا يحدث شفقة ولا خوفاً. فيبقى المتوسط بين هذين: وهو ذلك الذى لا يتميز بالنبالة ولا بالعدالة، ولكنه لا ينتقل إلى حال الشقاء لخبثه ولا لشره بل لزلة أو ضعف ما، ويكون من أولئك الذين يعيشون فى عزة ونعمى، مثل أوديبوس وثواستيس ومن ينتمون إلى مثل هذه الأسر من ذوى الشهرة.

فيلزم إذاً لتكون القصة جميلة أن تكون مفردة الغرض، لا مزدوجته كما يزعم قوم، وأن تتغير لا من شقاء إلى سعادة بل — على العكس — من سعادة إلى شقاء، لا بسبب الخبث والشر بل بسبب زلة عظيمة، لمثل من ذكرناهم من الأشخاص أو لأفضل منهم، لا لشر منهم. والواقع يدل على ذلك. فقد كان الشعراء أولا يتناولون ما يتفق لهم من القصص بمحض المصادفة، أما الآن فإن أجمل التراجيديات تنظم حول أسر قليلة، فتنظم مثلا حول ألكمايون وأوديبوس وأورستيس وملياجرس وثواستيس وتليفوس وما وقع لمثل هؤلاء من الأمور رهيبة احتملوها أو فعلوها. فأجمل التراجيديات من حيث الصناعة هى ما روعيت فى نظمها هذه القواعد. ومن هنا يخطئ من يعيبون أورييديس بأنه يفعل ذلك فى التراجيديات وأن كثيراً من تراجيدياته ينتهى إلى شقاء، فهذا — كما قلنا — صائب مستقيم. وأعظم دليل على ذلك أن مثل هذه التراجيديات حين تمثل على المسرح وحين تعرض فى المسابقات تظهر أقرب إلى معدن التراجيديا من كل نوع آخر، إذا هى أتقنت. ولئن كان أوربيبديس لا يحسن التدبير فى غير هذه الناحية من نواحى التراجيديا إنه ليبدو أشد الشعراء تراجيدية.

والطريقة الثانية فى النظم — وبعض القوم يفضلها — هى ما كان نظمها مزدوجاً، كما فى الأوديسية، وانتهاؤها، بالقياس إلى الأخيار والأشرار، على خلاف ما سبق. وإنما يبدو أن هذه الطريقة أفضل لضعف المشاهدين، فإن الشعراء يتبعون فيما يصنعونه أذواق النظارة. وليست هذه هى اللذه التى تلتمس من صناعة التراجيديا، بل هى ألصق بالكوميديا، فهنا يفترق الأشخاص الذين كانوا فى القصة أعداء ألذاء، مثل أورستيس وإيجيستوس، يفترقون وقد أصبحوا أصدقاء، ولا يقتل أحد أحداً.