Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Categoriae (The Categories)

فى المتقدم

يقال إن شيئا متقدم لغيره على أربعة أوجه: أما الأول وعلى التحقيق فبالزمان، وهو الذى به يقال إن هذا أسن من غيره، أو هذا أعتق من غيره. فإنه إنما يقال أسن وأعتق من جهة أن زمانه أكثر.

وأما الثانى فما لا يرجع بالتكافؤ فى لزوم الوجود، مثال ذلك أن الواحد متقدم للاثنين، لأن الاثنين متى كانا موجودين لزم بوجودهما وجود الواحد. فإن كان الواحد موجوداً فليس واجباً ضرورةً وجود الاثنين، فيكون لا يرجع التكافؤ من وجود الواحد لزوم وجود الاثنين. ومظنون أن ما لا يرجع منه بالتكافؤ فى لزوم الوجود فهو متقدم.

فأما المتقدم الثالث فيقال على مرتبة ما، كما يقال فى العلوم وفى الأقاويل. فإن فى العلوم البرهانية قد يوجد المتقدم والمتأخر فى المرتبة، وذلك أن الاسطقسات متقدمة للرسوم فى المرتبة، وفى الكتابة حروف المعجم متقدمة للهجاء؛ وفى الأقاويل أيضا على هذا المثال: الصدر للاقتصاص فى المرتبة.

وأيضا مما هو خارج عما ذكر: الأفضل والأشرف قد يظن أنه متقدم فى الطبع. ومن عادة الجمهور أن يقولوا فى الأشرف عندهم والذين يخصونهم بالمحبة إنهم متقدمون عندهم. ويكاد أن يكون هذا الوجه أشد هذه الوجوه مباينة.

فهذا أيضا يكاد أن يكون مبلغ الأنحاء التى يقال عليها المتقدم.

ومظنون أن هاهنا نحواً آخر للمتقدم خارجاً من الأنحاء التى ذكرت. فإن السبب من الشيئين اللذين يرجعان بالتكافؤ فى لزوم الوجود على أى جهة كان سبباً لوجود الشىء الآخر — فبالواجب يقال إنه متقدم بالطبع. ومن البين أن هاهنا أشياءً ما تجرى هذا المجرى: أن «الإنسان موجود» — يرجع بالتكافؤ لزوم الوجود على القول الصادق فيه. فإنه إن كان الإنسان موجوداً فإن القول بأن «الإنسان موجود» صادق؛ وذلك يرجع بالتكافؤ. فإنه إن كان القول بأن «الإنسان موجود» صادقاً، فإن الإنسان، موجود. إلا أن القول الصادق لا يمكن أن يكون سبباً لوجود الأمر، بل الذى يظهر أن الأمر سبب، على جهة من الجهات، لصدق القول؛ وذلك أن بوجود الأمر أو بأنه غير موجود يقال إن القول صادق أو كاذب.

فيكون قد يقال إن شيئا متقدم لغيره على خمسة أوجه.