Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Categoriae (The Categories)

فى التى من المضاف

يقال فى الأشياء إنها من المضاف متى كانت ماهياتها إنما تقال بالقياس إلى غيرها أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إلى غيرها، أى نحو كان. مثال ذلك أن الأكبر ماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره، وذلك أنه إنما يقال أكبر من شىء؛ والضعف ماهيته بالقياس إلى غيره، وذلك أنه إنما يقال ضعفا لشىء؛ وكذلك كل ما يجرى هذا المجرى. — ومن المضاف أيضا هذه الأشياء: مثال ذلك: الملكة، والحال، والحس، والعلم، والوضع. فإن جميع ما ذكر من ذلك فماهيته إنما تقال بالقياس إلى غيره ولا غير، وذلك أن الملكة إنما تقال ملكةً لشىء، والعلم علم بشىء، والحس حس بشىء، وسائر ما ذكرنا يجرى هذا المجرى. والأشياء إذن التى من المضاف هى كل ما كانت ماهياتها إنما تقال بالقياس إلى غيرها أو على نحو آخر من أنحاء النسبة إلى غيرها أى نحو كان لا غير، مثال ذلك: الجبل، يقال كبيراً بالقياس إلى غيره، فإنه إنما يقال جبل كبير بالإضافة إلى شىء، والشبيه إنما يقال شبيها بشىء؛ وسائر ما يجرى هذا المجرى على هذا المثال يقال بالإضافة. والاضطجاع والقيام والجلوس هى من الوضع، والوضع من المضاف. فأما: يضطجع، أو يقوم، أو يجلس فليست من الوضع، بل من الأشياء المشتق لها الاسم من الوضع الذى ذكر.

وقد توجد أيضا المضادة فى المضاف، مثال ذلك: الفضيلة والخسيسة، كل واحد مضاد لصاحبه، وهو من المضاف؛ والعلم والجهل. — إلا أن المضادة ليست موجودة فى كل المضاف، فإنه ليس للضعفين ضد، ولا للثلاثة الأضعاف، ولا لشىء مما كان مثله.

وقد يظن بالمضاف أنه أيضا يقبل الأكثر والأقل، لأن الشبيه يقال أكثر شبها وأقل شبها؛ وغير المساوى يقال أكثر وأقل. وكل واحد منهما من المضاف، فإن الشبيه إنما يقال شبيها بشىء، وغير المساوى غير مساو لشىء. ولكن ليس كله يقبل الأكثر والأقل، فإن الضعف ليس يقال ضعفا أكثر ولا أقل، ولا شيئا مما كان مثله.

والمضافات كلها ترجع بالتكافؤ بعضها على بعض فى القول، مثال ذلك: العبد، يقال عبد للمولى، والمولى يقال مولى للعبد؛ والضعف ضعف للنصف، والنصف نصف للضعف؛ والأكبر أكبر من الأصغر، والأصغر أصغر من الأكبر. وكذلك أيضا فى سائرها، ما خلا أنها فى مخرج اللفظ ربما اختلف تصريفهما، مثال ذلك: العلم، يقال علم بمعلوم، والمعلوم معلوم للعلم؛ والحس حس بمحسوس، والمحسوس محسوس للحس. لكن ربما ظنا غير متكافئين متى لم يضف إلى الشىء الذى إليه يضاف — إضافةً معادلةً، بل فرط المضيف، مثال ذلك: الجناح إن أضيف إلى ذى الريش لم يرجع بالتكافؤ ذو الريش على الجناح، لأن الأول لم تكن إضافته معادلةً، أعنى الجناح إلى ذى الريش. وذلك أنه ليس من طريق أن ذا الريش ذو الريش أضيف إليه فى القول الجناح، لكن من طريق أنه ذو جناح، إذ كان كثير غيره من ذوى الأجنحة لا ريش له. فإن جعلت الإضافة معادلةً رجع أيضا بالتكافؤ، مثال ذلك: الجناح جناح لذى الجناح، وذو الجناح بالجناح هو ذو جناح. وخليق أن يكون ربما نضطر إلى اختراع الاسم متى لم نجد اسما موضوعا إليه تقع الإضافة معادلةً، مثال ذلك: أن السكان إن أضيف إلى الزورق لم تكن إضافته معادلة، لأنه ليس من طريق أن الزورق زورق أضيف إليه فى القول: «السكان» إذ كان قد يوجد زواريق لا سكان لها، ولذلك لا يرجع بالتكافؤ، لأنه ليس يقال إن الزورق زورق بالسكان. لكن خليق أن تكون الإضافة أعدل إذا قيلت على هذا النحو: السكان سكان لذى السكان — أو على نحو ذلك، إذ ليس يوجد اسم موضوع فيرجع حينئذ متكافئا إذا كانت الإضافة معادلة، فإن ذا السكان إنما هو ذو سكان بالسكان. وكذلك أيضا فى سائرها: مثال ذلك: أن الرأس تكون إضافته الى ذى الرأس أعدل من إضافته إلى الحى، فإنه ليس الحى من طريق ما هو حى له رأس، إذ كان كثير من الحيوان لا رأس له. وكذلك أسهل ما لعله يتهيأ لك به أخذ الأسماء فيما لم يكن لها أسماء موضوعة: أن تضع الأسماء من الأول للتى عليها ترجع بالتكافؤ على مثال ما فعل فى التى ذكرت آنفا — من الجناح: ذو الجناح، ومن السكان: ذو السكان.

فكل الإضافات إذا أضيفت على المعادلة قيل إنها يرجع بعضها على بعض بالتكافؤ. فإن الإضافه إن وقعت جزءا ولم تقع إلى الشىء الذى إليه تقال النسبة لم ترجع بالتكافؤ، أعنى أنه لا يرجع بالتكافؤ شىء ألبتة من المتفق فيها أنها مما يقال إنه يرجع بالتكافؤ، ولها أسماء موضوعة فضلا عن غيرها متى وقعت الإضافة إلى شىء من اللوازم، لا إلى الشىء الذى إليه تقع النسبة فى القول. مثال ذلك أن العبد إن لم يضف إلى المولى لكن إلى الإنسان، أو إلى ذى الرجلين أو إلى شىء مما يشبه ذلك لم يرجع بالتكافؤ لأن الإضافة لم تكن معادلة. — وأيضا متى أضيف شىء إلى الشىء الذى إليه ينسب بالقول إضافةً معادلةً، فإنه إن ارتفع سائر الأشياء كلها العارضة لذلك بعد أن يبقى ذلك الشىء وحده الذى إليه الإضافة فإنه ينسب إليه بالقول أبدا نسبةً معادلة، مثال ذلك: العبد إنما يقال بالإضافة إلى المولى، فإن ارتفعت سائر الأشياء اللاحقة للمولى — مثال ذلك أنه ذو رجلين، أنه قبول للعلم، أنه إنسان — وبقى أنه مولى فقط، وقيل أبدا العبد بالإضافة إليه — فإنه يقال إن العبد عبد المولى. — ومتى أضيف شىء إلى الشىء الذى ينسب إليه بالقول على غير معادلة ثم ارتفع سائر الأشياء وبقى ذلك الشىء وحده الذى إليه وقعت الإضافة لم ينسب إليه بالقول. فلينزل أن العبد أضيف إلى الإنسان، والجناح إلى ذى الريش؛ وليرفع من الإنسان أنه مولى — فإنه ليس يقال حينئذ العبد بالقياس إلى الإنسان، وذلك أنه إذا لم يكن المولى لم يكن [ولا] العبد. وكذلك فليرفع أيضا عن ذى الريش أنه ذو جناح، فإنه لا يكون حينئذ الجناح من المضاف، وذلك أنه إذا لم يكن ذو الجناح لم يكن الجناح لشىء. فقد يجب أن تكون الإضافة إلى الشىء الذى إليه يقال — معادلةً. وإن كان يوجد اسم موضوعا، فإن الإضافة تكون سهلة؛ وإن لم يوجد فخليق أن يكون يضطر إلى اختراع اسم؛ وإذا وقعت الإضافة على هذا النحو، فمن البين أن المضافات كلها يرجغ بعضها على بعض فى القول بالتكافؤ.

قد يظن 〈أن〉 كل مضافين فهما معا فى الطبع، وذلك حق فى أكثرها؛ فإن الضعف موجود والنصف معا، وإن كان النصف موجودا فالضعف موجود، وإن كان العبد موجودا فالمولى موجود، وكذلك تجرى الأمور فى سائرها. وقد يفقد كل واحد منهما الآخر مع فقده، وذلك أنه إذا لم يوجد الضعف لم يوجد النصف؛ وإذا لم يوجد النصف لم يوجد الضعف. وعلى هذا المثال يجرى الأمر فيما أشبهها.

وقد يظن أنه ليس يصح فى كل مضافين أنهما معا فى الطبع، وذلك أن المعلوم مظنون بأنه أقدم من العلم، لأن أكثر تناولنا العلم بالأشياء من بعد وجودها، وأقل ذاك أو لا شىء ألبتة يوجد [من] العلم والمعلوم جاربين معا. وأيضا المعلوم إن فقد فقد معه العلم به، فأما العلم فليس يفقد معه المعلوم، وذلك أن المعلوم إن لم يوجد، لم يوجد العلم، لأنه لا يكون حينئذ علم بشىء ألبتة. فأما إن لم يوجد العلم، فلا شىء مانع من أن يكون المعلوم. مثال ذلك تربيع الدائرة: أن يكون معلوما فعلمه لم يوجد بعد. فأما هذا المعلوم نفسه فآنيته قائمة. وأيضا الحى إذا فقد لم يوجد العلم، فأما المعلوم فقد يمكن أن يكون كثير منه موجودا. — وكذلك يجرى الأمر فى باب الحس أيضا، وذلك أنه قد يظن أن المحسوس أقدم من الحس به، لأن المحسوس إذا فقد فقد معه الحس به. فأما الحس فليس يفقد معه المحسوس. وذلك أن الحواس إنما وجودها بالجسم وفى الجسم. وإذا فقد المحسوس فقد الجسم أيضا إذا كان الجسم شيئاً من المحسوسات. وإذا لم يوجد الجسم فقد الحس أيضا، فيكون المحسوس يفقد معه الحس. فأما الحس فليس يفقد معه المحسوس، فإن الحى إذا فقد فقد الحس، وكان المحسوس موجودا مثل الجسم والحار والحلو والمر وسائر المحسوسات الأخر كلها. وأيضا فإن الحس إنما يكون مع الحاس، وذلك أن معاً يكون الحى والحس. وأما المحسوس فموجود من قبل وجود الحى والحس، فإن النار والماء وما يجرى مجراهما مما منه قوام الحيوان موجودة من قبل أن يوجد الحيوان بالجملة أو الحس. فلذلك قد يظن أن المحسوس أقدم وجودا من الحى.

ومما فيه موضع شك: هل الجواهر ليس جوهر منها يقال من باب المضاف على حسب ما يظن، أو ذلك ممكن فى جواهر ما من الجواهر الثوانى؟ — فأما فى الجواهر الأول فإن ذلك حق، وذلك أنه ليس يقال من المضاف: لا كلياتها ولا أجزاؤها، فإنه ليس يقال فى إنسان ما إنه إنسان ما لشىء، ولا فى ثور ما إنه ثور ما لشىء؛ وكذلك أجزاؤها أيضا، فإنه ليس يقال فى يد ما إنها يد ما لإنسان؛ ولا يقال فى رأس ما إنه رأس ما لشىء، بل رأس لشىء. — وكذلك فى الجواهر الثانية فى أكثرها: فإنه ليس يقال إن الإنسان إنسان لشىء، ولا إن الثور ثور لشىء، ولا إن الخشبة خشبة لشىء، بل يقال إنها ملك لشىء. فأما فى هذه فإن الأمر ظاهر أنها ليست من المضاف. — وأما فى بعض الجواهر الثوانى فقد يدخل فى أمرها الشك، مثال ذلك أن الرأس يقال إنه رأس لشىء، واليد يقال إنها يد لشىء، وكل واحد مما أشبه ذلك — فيكون قد يظن أن هذه من المضاف. فإن كان تحديد التى من المضاف قد وفى على الكفاية فحل الشك الواقع فى أنه ليس جوهر من الجواهر يقال من المضاف: إما مما يصعب جدا، وإما مما لا يمكن. وإن لم يكن على الكفاية لكن كانت الأشياء التى من المضاف الوجود لها هو أنها مضافة على نحو من الأنحاء — فلعله يتهيأ أن يقال شىء فى فسخ ذلك. فأما التحديد المتقدم فإنه يلحق كل ما كان من المضاف؛ إلا أنه ليس معنى القول أن الوجود لها هو أنها مضافة هو معنى القول إن ماهياتها تقال بالقياس إلى غيرها.

وبين من ذلك أن من عرف أحد المضافين محصلاً عرف أيضا ذلك الذى إليه يضاف محصلاً. وذلك ظاهر من هذا: فإن الإنسان متى علم أن هذا الشىء من المضاف، وكان الوجود للمضاف هو مضافا على نحو من الأنحاء، فقد علم أيضا ذلك الشىء الذى هذا عنده بحال من الأحوال. فإنه إن لم يعلم أصلا ذلك الشىء الذى هذا عنده بحال من الأحوال لم يعلم ولا أنه عند شىء بحال من الأحوال. وذلك بين أيضا فى الجزئيات، مثال ذلك: الضعف، فإن من علم الضعف على التحصيل فإنه على المكان يعلم أيضا ذلك الشىء الذى هو ضعفه محصلا. فإنه إن لم يعلمه ضعفا لشىء واحد محصل فليس يعلمه ضعفا أصلاً. وكذلك أيضا إن كان يعلم أن هذا المشار إليه أحسن، فقد يجب ذلك ضرورة أن يكون يعلم أيضا ذلك الشىء الذى هذا أحسن منه محصلا، فإنه ليس يجوز أن يكون إنما يعلم أن هذا أحسن مما دونه فى الحسن، فإن ذلك إنما يكون توهما، لا علما، وذلك أنه ليس يعلم يقينا أنه أحسن مما هى دونه، فإنه ربما اتفق ألا يكون شىء دونه. فيكون ظاهراً أنه واجب ضرورة متى علم الإنسان أحد المضافين محصلا أن يكون يعلم أيضا ذلك الآخر الذى إليه أضيف محصلا.

فأما الرأس واليد وكل واحد مما يجرى مجراهما مما هى جواهر، فإن ماهياتها أنفسها قد تعرف محصلةً. فأما ما يضاف إليه فليس واجبا أن يعرف، وذلك أنه لا سبيل إلى أن يعلم على التحصيل رأس من هذا، ويد من هذه. فيجب من ذلك أن هذه ليست من المضاف. وإن لم تكن هذه من المضاف فقد يصح القول أنه ليس جوهر من الجواهر من المضاف. إلا أنه خليق أن يكون قد يصعب التقحم على إثبات الحكم على أمثال هذه الأمور ما لم تتدبر مرارا كثيرة. فأما الشك فيها فليس مما لا درك فيه.