Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Categoriae (The Categories)

فى الكيف والكيفية

وأسمى «بالكيفية» تلك التى لها يقال فى الأشخاص: كيف هى. والكيفية مما يقال على أنحاء شتى: —

فليسم نوع واحد من الكيفية ملكةً وحالا. وتخالف الملكة الحال فى أنها أبقى وأطول زمانا: ومما يجرى هذا المجرى العلوم والفضائل، فإن العلم مظنون به أنه من الأشياء الباقية التى تعسر حركتها، وإن كان الإنسان إنما شدا من العلم، ما لم يحدث عليه تغير فادح من مرض أو غيره مما أشبهه. وكذلك أيضا الفضيلة (مثل العدل والعفة وكل واحد مما أشبه ذلك) قد يظن أنها ليست بسهلة الحركة ولا سهلة التغير. — وأما الحالات فتسمى بها الأشياء السهلة الحركة السريعة التغيير، مثل الحرارة والبرودة والمرض والصحة وسائر ما أشبه ذلك. فإن الإنسان قد قبل بهذه حالا على ضرب من الضروب، إلا أنه قد يتغير بسرعة، فيصير باردا بعد أن كان حارا وينقل من الصحة إلى المرض، وكذلك الأمر فى سائرها، إلا أن يكون الإنسان قد صارت هذه الأشياء أيضا له — لطول المدة — حالا طبيعية لا شفاء لها أو عسرت حركتها جدا. فلعله أن يكون الإنسان [أن] يسمى هذه حينئذ ملكة.

ومن البين أنه إنما يقتضى اسم الملكة الأشياء التى هى أطول زمانا وأعسر حركة، فإنهم لا يقولون فيمن كان غير متمسك بالعلوم تمسكا يعتد به، لكنه سريع التنقل، أن له ملكة. على أن لمن كان بهذه الصفة حالاً ما فى العلم: إما أخس وإما أفضل، فيكون الفرق بين الملكة وبين الحال أن هذه سهلة الحركة، وتلك أطول زمانا وأعسر تحركا. — والملكات هى أيضا حالات، وليس الحالات ضرورةً الملكات، وكان من كانت له ملكة فهو بها بحال ما أيضا من الأحوال. وأما من كان بحال من الأحوال فليست له لا محالة ملكة.

وجنس آخر من الكيفية هو الذى به نقول: ملاكزيين أو محاضريين أو مصحاحين أو ممراضين، أو بالجملة ما قيل بقوة طبيعية أو لا قوة. وذلك أنه ليس يقال كل واحد من أشباه هذه لأن له حالا ما، لكن من قبل أن له قوة طبيعية أو لا قوة فى أن يفعل شيئا ما بسهولة أو لا ينفعل شيئا. مثال ذلك أنه يقال ملاكزيون أو محاضريون ليس من قبل أن لهم حالا ما، لكن من قبل أن لهم قوة على أن يفعلوا شيئا بسهولة؛ ويقال مصحاحون من قبل أن لهم قوة طبيعية على ألا ينفعلوا شيئا بسهولة من الآفات العارضة؛ ويقال ممراضون من قبل أنه لا قوة لهم طبيعية على ألا ينفعلوا شيئا بسهولة. وكذلك أيضا الأمر فى الصلب وفى اللين، فإنه يقال صلب من قبل أن له قوة على ألا ينقطع بسهولة؛ ويقال لين من قبل أنه لا قوة له على هذا المعنى نفسه.

وجنس ثالث من الكيفية كيفيات انفعالية وانفعالات، ومثالات ذلك هذه الحلاوة والمرارة وكل ما كان مجانساً لهذين؛ وأيضا الحرارة والبرودة والبياض والسواد. وظاهر أن هذه كيفيات، لأن ما قبلها قيل فيه بها: كيف هو: ؟ مثال ذلك العسل، يقال: حلو، لأنه قبل الحلاوة، والجسم يقال أبيض لأنه قبل البياض. وكذلك يجرى الأمر فى سائرها.

ويقال كيفيات انفعالية ليس من قبل أن تلك الأشياء أنفسها التى قبلت هذه الكيفيات انفعلت شيئا، فإن العسل ليس يقال حلوا من قبل أنه انفعل شيئا؛ ولا واحد من سائر ما أشبهه. وعلى مثال هذه أيضا الحرارة والبرودة تقالان كيفيتين انفعاليتين ليس من قبل أن تلك الأشياء أنفسها التى قبلتها انفعلت شيئا، بل إنما يقال لكل واحد من هذه الكيفيات التى ذكرناها كيفيات انفعالية من قبل أنها تحدث فى الحواس انفعالا. فإن الحلاوة تحدث انفعالاً ما فى المذاق، والحرارة فى اللمس؛ وعلى هذا المثال سائرها أيضا.

فأما البياض والسواد وسائر الألوان فليس إنما تقال كيفيات انفعالية بهذه الجهة التى بها قيلت هذه التى تقدم ذكرها، لكن من قبل أنها أنفسها إنما تولدت عن انفعال. ومن البين أنه قد يحدث عن الانفعال تغايير كثيرة فى الألوان: من ذلك أن المرء إذا خجل احمر، وإذا فزع اصفر، وكل واحد مما أشبه ذلك. فيجب من ذلك إن كان أيضا إنسان قد ناله بالطبع بعض هذه الانفعالات من عوارض ما طبيعية، فلازم أن يكون لونه مثل ذلك اللون. وذلك أنه إن حدثت الآن عند الخجل حال ما لشىء مما للبدن فقد يمكن أيضا أن تحدث تلك الحال بعينها فى الجبلة الطبيعية فيكون اللون أيضا بالطبع مثله. فما كان من هذه العوارض كان ابتداؤه عن انفعالات ما عسرة، حركتها ذات ثبات، فإنه يقال لها كيفيات: فإن الصفرة والسواد إن كان تكونه فى الجبلة الطبيعية فإنه يدعى كيفية إن كنا قد يقال فينا به: كيف نحن؟ أو كان إنما عرضت الصفرة أو السواد من مرض مزمن أو من إحراق شمس فلم تسهل عودته إلى الصلاح أو بقى ببقائنا — قيلت هذه أيضا كيفيات. وذلك أنه قد يقال فينا بها على ذلك المثال كيف نحن. فأما ما كان حدوثه عما يسهل انحلاله ووشيك عودته إلى الصلاح قيل انفعالات، وذلك أنه لا يقال به فى أحد: كيف هو، فإنه ليس يقال عن أحمرلخجل: أحمرى، ولا من اصفر للفزع: مصفر، لكن أنه انفعل شيئا. فيجب أن تقال هذه وما أشبهها انفعالات، ولا تقال كيفيات.

وعلى هذا المثل يقال فى النفس أيضا كيفيات انفعاليه وانفعالات. فإن كان تولده فيها منذ أول التكوين عن انفعالات ما فإنها أيضا تقال كيفيات، ومثال ذلك تيه العقل والغضب وما يجرى مجراها، فإنهم به يقال فيهم بها: كيف هم، فيقال غضوب وتائه العقل، وكذلك أيضا سائر أصناف تيه العقل إذا لم تكن طبيعيةً لكن كان تولدها عن عوارض ما أخر يعسر التخلص منها. أو هى غير زائلة أصلا يقال كيفيات، وذلك أنه يقال فيهم بها: كيف هم. — وما كان حدوثه فيها عن أشياء سهلة وشيكة العودة إلى الصلاح فإنها تقال انفعالات مثل ذلك الإنسان إن غم فأسرع غضبه: فإنه ليس يقال غضوبا من أسرع غضبه بمثل هذا الانفعال، بل أحرى أن يقال إنه انفعل شيئا، فتكون هذه إنما تقال انفعالات، لا كيفيات.

وجنس رابع من الكيفية: الشكل والخلقة الموجودة فى واحد واحد؛ ومع هذين أيضا الاستقامة والانحناء و〈أى〉 شىء 〈آخر〉 إن كان يشبه هذه. وكل واحد من هذه يقال: كيف الشىء؟ فإنه قد يقال فى الشىء بأنه مثلث أو مربع: كيف هو، وبأنه مستقيم أو منحن. ويقال أيضا كل واحد بالخلقة: كيف هو. — فأما المتخلخل والمتكاثف، والخشن والأملس فقد يظن أنها تدل على كيف ما، إلا أنه قد يشبه أن تكون هذه وما أشبهها مباينة للقسمة التى فى الكيف. وذلك أنه قد يظهر أن كل واحد منها أحرى بأن يكون إنما يدل على وضع ما للأجزاء، فإنه إنما يقال كثيف بأن أجزاءه متقارب بعضها من بعض، ويقال متخلخل بأن أجزاءه متباعدة بعضها عن بعض، ويقال أملس بأن أجزاءه موضوعة على استقامة ما، ويقال خشن بأن بعضها يفضل وبعضها يقصر.

ولعله قد يظهر للكيفية ضرب ما آخر، إلا أن ما يذكر خاصةً من ضروبها فهذا مبلغه.

فالكيفبات هى هذه التى ذكرت؛ وذوات الكيفية هى التى يقال بها على طريق المشتقة أسماؤها أو على طريق آخر منها كيف كان. — فأما فى أكثرها أو فى جميعها، إلا الشاذ منها، فإنما يقال على طريق المشتقة أسماؤها، مثال ذلك: من البياض — أبيض، ومن البلاغة — بليغ، ومن العدالة — عدل؛ وكذلك فى سائرها. وأما فى الشاذ منها فلأنه لم يوضع للكيفيات أسماء، فليس يمكن أن يكون يقال منها على طريق المشتقة أسماؤها، مثال ذلك: المحاضرى أو الملاكزى الذى يقال بقوة طبيعية. فليس يقال فى اللسان اليونانى عن كيفية من الكيفيات على طريق المشتقة أسماؤها. وذلك أنه لم يوضع للقوى فى اللسان اليونانى اسم فيقال بها هؤلاء كيف هم، كما وضع للعلوم وهى التى بها يقال ملاكزون أو مناضلون من طريق الحال: فإنه يقال علم ملاكزى، أو علم مناضلى، أى علم المناضلة؛ ويقال فى حالهم من هذه على طريق المشتقة أسماؤها: كيف هم.

وربما كان لها اسم موضوع 〈للكيف〉، ولا يقال المكيف بها على طريق المشتقة أسماؤها؛ مثال ذلك من الفضيلة مجتهد، فإن الذى له فضيلة إنما يقال مجتهد. ولا يقال فى اللسان اليونانى من الفضيلة على طريق المشتقة أسماؤها. وليس ذلك فى الكثير.

فذوات الكيفية تقال التى تدعى من الكيفيات التى ذكرت على طريق المشتقة أسماؤها أو على طريق آخر منها كيف كان.

وقد يوجد أيضا فى الكيف مضادة، مثال ذلك أن العدل ضد الجور وكذلك البياض والسواد وسائر ما أشبه ذلك، وأيضا ذوات الكيفية بها: مثال ذلك الجائر للعادل، والأبيض للأسود. إلا أن ذلك ليس فيها كلها. فإنه ليس للأشقر ولا للأصفر ولا لما أشبه ذلك من الألوان ضد أصلا، وهى ذوات كيفية. وأيضا إن كان أحد المتضادين — أيهما كان — كيفاً، فإن الآخر أيضا يكون كيفا. ذلك بين لمن تصفح سائر النعوت، مثال ذلك إن كان العدل ضد الجور وكان العدل كيفا — وإن الجور أيضا كيف — فإنه لا يطابق الجور ولا واحداً من سائر النعوت: لا الكم مثلا والمضاف ولا أين ولا واحدا من سائر ما يجرى مجراها بتةً ما خلا الكيف، وكذلك فى سائر المتضادات التى فى الكيف.

وقد يقبل أيضا الكيف الأكثر والأقل، فإنه يقال إن هذا أبيض بأكثر من غيره وبأقل؛ وهذا عادل بأكثر من غيره أو بأقل.

وهى أنفسها تحتمل الزيادة، فإن الشىء الأبيض قد يمكن أن يزيد بياضه فيصير أشد بياضا، وليس كلها ولكن أكثرها. فإنه مما يشك فيه: هل يقال عدالة أكثر أو أقل من عدالة، وكذلك فى سائر الحالات. فإن قوما يمارون فى أشباه هذه فيقولون إنه لا يكاد أن يقال عدالة أكثر ولا أقل من عدالة، ولا صحة أكثر ولا أقل من صحة؛ ولكنهم يقولون إن «لهذا» صحةً أقل مما لغيره، وعلى هذا المثال: «لهذا» كتابة أقل من كتابة غيره وسائر الحالات. فأما ما يسمى بها فإنها تقبل الأكثر والأقل بلا شك، فإنه يقال إن هذا أبلغ من غيره وأعدل وأصح؛ وكذلك الأمر فى سائرها.

وأما المثلث والمربع فلن يظن أنهما يقبلان الأكثر والأقل؛ ولا شىء من سائر الأشكل ألبتة: فإن ما قبل قول المثلث أو قول الدائرة فكله على مثال واحد مثلثات ودوائر؛ وما قبله فليس يقال إن هذا أكثر من غيره فيه، فإنه ليس المربع فى أنه دائرة أكثر من المستطيل إذ كان ليس يقبل ولا واحد منهما قول الدائرة. وبالجملة، إنما يوجد أحد الشيئين أكثر من الآخر إذا كانا جميعا يقبلان قول الشىء الذى يقصد له. فليس كل الكيف إذاً يقبل الأكثر والأقل. فهذه التى ذكرت ليس منها شىء هو خاصة الكيفية.

فأما «الشبيه» «وغير الشبيه» فإنما يقالان فى الكيفيات وحدها؛ فإنه ليس يكون هذا شبيهاً بغيره بشىء غير ما هو به كيف. فتكون خاصة الكيفية أن بها يقال شبيه وغير شبيه.

وليس ينبغى أن يتداخلك الشك فتقول: إنا قصدنا للكلام فى الكيفية فعددنا كثيرا من المضاف، إذ الملكات والحالات من المضاف، فإنه تكاد أن تكون أجناس هذه كلها وما أشبهها إنما تقال من المضاف. وأما الجزئيات فلا شىء منها ألبتة، فإن العلم وهو جنس ماهيته، إنما يقال بالقياس إلى غيره. وذلك أنه إنما يقال علم بشىء؛ فأما الجزئيات فليس شىء منها ماهيته تقال بالقياس إلى غيره، مثال ذلك: النحو، ليس يقال نحواً بشىء، ولا الموسيقى هى موسيقى بشىء، اللهم إلا أن تكون هذه أيضا قد تقال من المضاف من طريق الجنس، مثال ذلك: النحو يقال علما بشىء لا نحواً بشىء، والموسيقى علماً بشىء لا موسيقى بشىء. فيجب أن تكون الجزئيات ليس من المضاف. ويقال لنا ذوو كيفية — بالجزئيات؛ وذلك أنه إنما لنا هذه: فإنا إنما يقال لنا علم — بأن لنا من العلوم الجزئية. فيجب من ذلك أن تكون أيضا — أعنى الجزيئات — كيفيات، وهى التى بها ندعى ذوى كيفية — وليس هذه من المضاف. وأيضا أن ألغى شىء واحد بعينه كيفاً ومضافا، فليس بمنكر أن يعد فى الجنسين جميعا.