Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Categoriae (The Categories)

فى الكم

وأما الكم فمنه منفصل، ومنه متصل. وأيضا منه ما هو قائم من أجزاء فيه لها وضع بعضها عند بعض، ومنه من أجزاء ليس لها وضع. فالمنفصل مثلا هو: العدد والقول؛ والمتصل: الخط، والبسيط، والجسم، وأيضا مما يطيف بهذه الزمان والمكان.

فإن أجزاء العدد لا يوجد لها حد مشترك أصلا يلتئم عنده بعض أجزائه ببعض، مثال ذلك أن الخمسة — إذ هى جزء من العشرة — فليس تتصل بحد مشترك الخمسة بالخمسة، لكنها منفصلة. والثلاثة والسبعة أيضا ليس يتصلان بحد مشترك. وبالجملة، لست تقدر فى الأعداد على أخذ حد مشترك بين أجزائها، لكنها دائما منفصلة، فيكون العدد من المنفصلة. وكذلك أيضا «القول» هو من المنفصلة: فأما أن القول كم فظاهر، لأنه يقدر بمقطع ممدود أو مقصور؛ وإنما أعنى ذلك القول الذى يخرج بالصوت؛ وأجزاؤه ليست تتصل بحد مشترك، وذلك أنه لا يوجد حد مشترك تتصل به المقاطع، لكن كل مقطع منفصل على حياله.

فأما الخط فمتصل، لأنه قد يتهيأ أن يؤخذ حد مشترك تتصل به أجزاؤه: كالنقطة؛ وفى البسيط الخط، فإن أجزاء السطح قد تتصل بحد ما مشترك، وكذلك أيضا فى الجسم قد تقدر أن تأخذ حدا مشتركا وهو الخط أو البسيط، تتصل به أجزاء الجسم — ومما يجرى هذا المجرى أيضا الزمان والمكان. فإن العرض من الزمان يصل ما بين الماضى منه وبين المستأنف. والمكان أيضا من المتصلة، لأن أجزاء الجسم تشغل مكانا، وهى تتصل بحد ما مشترك، فتكون أجزاء المكان أيضا التى يشغلها واحد واحد من أجزاء الجسم تتصل بالحد بعينه الذى به تتصل أجزاء الجسم؛ فيجب أن يكون المكان أيضاً متصلا، إذ كانت أجزاؤه تتصل بحد واحد مشترك.

وأيضا منه ما هو قائم من أجزاء فيه، لها وضع بعضها عند بعص ومنه من أجزاء ليس لها وضع. مثال ذلك أن أجزاء الخط لها وضع بعضها عند بعض، لأن كل واحد منها موضوع بحيث هو. وقد يمكنك أن تدل وترشد أين كل واحد منها موضوع فى السطح، وبأى جزء من سائر الأجزاء يتصل. وكذلك أيضا أجزاء السطح لها وضع ما، وذلك أنه قد يمكن على هذا المثال فى كل واحد منها أن تدل عليه أين هو موضوع، وأى الأجزاء يصل ما بينها، وكذلك أجزاء المصمت وأجزاء المكان. — وأما العدد فلن يقدر أحد أن يرى فيه أن أجزاءه لها وضع ما بعضها عند بعض، ولا أنها موضوعة بحيث ما، ولا أن أجزاءاً ما من أجزائه يتصل بعضها ببعض. ولا أجزاء الزمان، فإنه لا ثبات لشىء من أجزاء الزمان؛ وما لم يكن ثابتا، فلا سبيل إلى أن يكون له وضع ما، بل الأولى أن يقال إن لها ترتيبا ما، لأن بعض الزمان متقدم، وبعضه متأخر؛ وكذلك العدد، لأن الواحد فى العد قبل الاثنين، والاثنين قبل الثلاثة، فيكون بذلك ترتيب ما. فأما وضعاً فتكاد ألا تقدر أن تأخذ لها. والقول أيضا كذلك، لأنه لا ثبات لشىء من أجزائه؛ فإنه إذا نطق به مضى فلم يكن إلى أخذه فيما بعد سبيل؛ فيجب ألا يكون لأجزائه وضع، إذ كان لا ثبات لشىء منها. فمنه إذن ما يقوم من أجزاء لها وضع، ومنه من أجزاء ليس لها وضع.

فهذه فقط التى ذكرت يقال لها بالتحقيق «كم»؛ وأما كل ماسواه فبالعرض يقال ذلك فيها. فإنا إنما نقول فيما سوى هذه إنها كم ونحن نقصد قصد هذه، مثال ذلك: أنا نقول فى البياض إنه ماد كثير؛ وإنما نشير إلى أن البسيط كثير؛ ونقول فى العمل إنه طويل، وإنما نشير إلى أن زمانه طويل؛ ونقول أيضا فى الحركة إنها كثيرة؛ — فإن كل واحد من هذه ليس يقال له كم بذاته. والمثال فى ذلك أن موفيا إن وفى: لم هذا العمل؟ فإنما يحده بالزمان، فيقول: عمل سنة أو ما أشبه ذلك؛ وإن وفى: كم هذا الأبيض؟ فإنما يحده بالبسيط، فإنه إنما يقول فى مبلغ البياض بمبلغ البسيط؛ فتكون هذه فقط التى ذكرت يقال لها بالتحقيق وبذاتها كم. فأما ما سواها فليس منها شىء هو بذاته كم، بل إن كان ولا بد فبالعرض.

والكم أيضا لا مضاد له أصلا. فأما فى المنفصلة فظاهر أنه ليس له مضاد أصلا، كأنك قلت لذى الذراعين أو لذى الثلاث الأذرع أو للسطح، أو لشىء مما أشبه ذلك، فإنه ليس لها ضد أصلا إلا أن يقول قائل: إن الكثير مضاد للقليل، أو الكبير للصغير، وليس شىء من هذه ألبتة كماً، لكنها من المضاف. — وذلك أنه ليس يقال فى شىء من الأشياء ألبتة بنفسه إنه كبير أو صغير، بل بقياسه إلى غيره. مثال ذلك أن الجبل قد يوصف صغيرا، أو السمسمة كبيرة بأن هذه أكبر مما هو من جنسها، وذاك أصغر مما هو من جنسه؛ فيكون القياس إنما هو إلى شىء غيره، فإنه لو وصف شىء صغيرا أو كبيرا بنفسه لما وصف فى حال من الأحوال صغيراً أو السمسمة كبيرة. وأيضا قد نقول إن فى القرية أناسا كثيراً وفى مدينة أثينية أناساً قليلا على أنهم أضعاف هؤلئك، فنقول إن فى البيت أناسا كثيرا وفى الملعب أناسا قليلا على أنهم أكثر منهم كثيرا. وأيضا ذو الذراعين وذو الثلاث الأذرع وكل واحد مما أشبههما يدل على كم. فأما الكبير والصغير فليس يدلان على كم، بل على مضاف، فإن الكبير والصغير إنما يعقلان بالقياس إلى شىء آخر، فيكون من البين أن هذين من المضاف. وأيضا إن وضعت أنهما كم، أو وضعت أنهما ليسـ〈ـا〉 بكم، فليس لهما مضاد ألبتة، وذلك أن الشىء الذى لا يمكن أخذه بنفسه، وإنما يمكن أخذه بقياسه إلى غيره، كيف يمكن أن يكون لهذا مضاد! وأيضا إن يكن الكبير والصغير متضادين وجد الشىء بعينه قابلاً للمتضادات معا، وأن كل واحد منهما أيضا مضاد لذاته، لأن الشىء بعينه قد يوجد كبيرا وصغيرا حتى معا، إذ كان عند هذا صغيرا، وهو بعينه عند غيره كبير، فيكون فد يوجد الشىء بعينه كبيرا وصغيرا فى زمان بعينه، 〈وإذن〉 يكون قد يقبل الضدين معا، لأنه من المتفق عليه أنه ليس يمكن أن يقبل شىء واحد الضدين معا، مثال ذلك فى الجوهر: فإن الجوهر من المتفق عليه أنه قابل المتضادات، إلا أنه لن يصح ويسقم معا، ولا يكون أبيض وأسود معا، ولا شىء من سائر الأشياء ألبتة يقبل الضدين معا. ويوجد أيضا 〈حينئذ〉 كل واحد منهما مضادا لذاته. وذلك أنه إن كان الكبير مضادا للصغير، وكان الشىء الواحد بعينه كبيرا وصغيرا معا، فالشىء يكون مضادا لذاته. فليس الكبير إذاً مضاداً للصغير، ولا الكثير للقليل. فتكون هذه — وإن قال الإنسان إنها ليست من المضاف، بل من الكم — ليس فيها مضاد.

وأكثر ما ظنت المضادة فى الكم موجودةً فى المكان، لأن المكان الأعلى يضعون أنه مضاد للمكان الأسفل، ويعبرون بالمكان الأسفل المكان الذى يلقى الوسط. وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن البعد بين الوسط وبين أطراف العالم أبعد البعد. ويشبه أن يكونوا إنما اجتلبوا الحد لسائر المتضادات من هذه، لأنهم إنما يحدون المتضادات بأنها التى بعدها بعضها من بعض غاية البعد ويجمعها جنس واحد.

وليس بمظنون بالكم أنه قابل الأكثر والأقل، مثال ذلك: ذو الذراعين، فإنه ليس هذا ذا ذراعين بأكثر من هذا. وكذلك فى العدد، مثال ذلك: الثلاثة والخمسة، فإنه ليس يقال إن هذه خمسة بأكثر مما هذه ثلاثة، أو إن هذه ثلاثة بأكثر مما هذه ثلاثة. ولا يقال أيضا فى زمان إنه زمان بأكثر من غيره، ولا يقال بالجملة فى شىء مما ذكر الأكثر ولا الأقل، فيكون إذاً الكم غير قابل الأكثر والأقل.

وأخص خواص الكم أنه يقال مساوياً وغير مساو؛ ومثال ذلك الجثة: تقال مساوية وغير مساوية. وكل واحد من سائر ما ذكر على هذا المثال يقال مساو وغير مساو. وأما سائر ما لم يكن كماً فليس يكاد يظن به أنه يقال مساويا وغير مساو، مثال ذلك: الحال، ليس يكاد أن تقال مساوية ولا غير مساوية، بل الأحرى أن تقال شبيهة. والأبيض ليس يكاد أن يقال مساويا وغير مساو بل شبيه.

فيكون أخص خواص الكم أنه يقال مساوياً وغير مساو.