Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Categoriae (The Categories)

فى الجوهر

فاما الجوهر الموصوف بانه اول بالتحقيق والتقديم والتفضيل فهو الذى لا يقال على موضوع ما ولا هو فى موضوع ما ومثال ذلك انسان ما وفرس ما فاما الموصوفة بانها جواهر ثوان فهى الانواع التى فيها توجد الجواهر الموصوفة بانها أول ومع هذه الاجناس هذه الانوع ايضا ومثال ذلك ان انسانا ما هو فى نوع اى فى الانسان وجنس هذا النوع الحى فهذه الجواهر توصف بانها ثوان كالانسان والحى وظاهر مما قيل ان التى تقال على موضوع فقد يجب ضرورة ان يحمل اسمها وقولها يقال على ذلك الموضوع ومثال ذلك ان الانسان يقال على موضوع اى على انسان ما فاسمه يحمل عليه فانك تحمل الانسان على انسان ما وقول الانسان يحمل على انسان ما فان انسانا ما هو انسان وهو حى فيكون الاسم والقول يحملان على الموضوع فاما التى فى موضوع ففى اكثرها لا يحمل على الموضوع لا اسمها ولا حدها وفى بعضها ليس مانع يمنع من ان يحمل اسمها على الموضوع فاما قولها فلا يمكن مثال ذلك ان الابيض هو فى موضوع اى فى الجسم وهو يحمل على الموضوع وذلك ان الجسم قد يوصف بانه ابيض فاما قول الابيض فليس يحمل فى حال من الاحوال على الجسم وكل ما سواها فاما ان يكون على موضوعات اى يقال على الجواهر الأول واما ان يكون فى موضوعات اى يقال فيها وذلك ظاهر من قبل التصفح للجزويات مثال ذلك ان الحى يحمل على الانسان فهو ايضا على انسان ما فانه ان لم يكن ولا على واحد من اشخاص الناس فليس هو ولا على انسان اصلا وايضا ان اللون فى الجسم فهو ايضا فى جسم ما فانه ان لم يكن فى واحد من الجزوية فليس هو ولا فى الجسم اصلا فيجب ان يكون كل ما سواها اما ان يكون على موضوعات اى يقال على الجواهر الاول واما ان يكون فى موضوعات اى يقال فيها فيجب اذا ان لم يكن الجواهر الاول الا يكون سبيل الى ان يوجد شىء من تلك الاخر وذلك ان كل ما سواها فاما ان يكون على موضوعات اى يقال عليها واما فى موضوعات اى فيها والنوع من الجواهر الثانية اولى بان يوصف جوهرا من الجنس لانه اقرب من الجوهر الاول وذلك ان موفيا ان وفى الجوهر الاول ما هو كان اعطاؤه النوع اشد ملآمة وابين فى الدلالة عليه من اعطائه الجنس مثال ذلك انه ان وفى انسانا ما ما هو كان اعطاؤه انه انسان ابين فى الدلالة عليه من اعطائه انه حى فان ذلك اخص بانسان ما وهذا اعم وان وفى شجرة ما ما هى كان اعطاؤه انها شجرة ابين فى الدلالة عليها من اعطائه انها نبت وايضا فان الجواهر الاول لما كانت موضوعة لسائر الامور كلها وسائر الامور كلها محمولة عليها او موجودة فيها فلذلك صارت اولى واحق بان توصف جواهر وقياس الجواهر الاول عند سائر الامور كلها هو قياس النوع عند الجنس اذ كان النوع موضوعا للجنس لان الاجناس تحمل على الانواع وليس ينعكس الانواع على الاجناس فيجب من ذلك ايضا ان النوع اولى واحق بان يوصف جوهرا من الجنس واما ما كان من الانواع ليس هو جنسا فليس الواحد منها اولى من الاخر بان يوصف جوهرا اذ كان ليس توفيتك فى انسان ما انه انسان اشد ملاأمة من توفيتك فى فرس ما انه فرس وكذلك ليس الواحد من الجواهر الاول اولى من الاخر بان يوصف جوهرا اذ كان ليس انسان ما اولى بان يوصف جوهرا من فرس ما وبالواجب صارت الانواع والاجناس وحدها دون غيرها تقال بعد الجواهر الاول جواهر ثوانى لانها وحدها تدل على الجواهر الاول من بين ما يحمل عليه فان موفيا ان وفى انسانا ما ما هو فوفاه بنوعه او بجنسه كانت توفيته له ملايمة واذا وفاه بانه انسان كان ذلك ابين فى الدلالة عليه من توفيته له بانه حى وان وفاه شىء مما سوى ذلك اى شىء كان كانت توفيقه له غريبة مستنكرة كما اذا وفى بانه ابيض او انه يحضر او شىء من اشباه ذلك اى شىء كان [فالواجب كان] فبالواجب قيلت هذه دون غيرها جواهر وايضا لان الجواهر الاول موضوعة لسائر الامور كلها وسائر الامور كلها محمولة عليها او موجودة فيها لذلك صارت اولى واحق بان توصف جواهر وقياس الجواهر الاول عند سائر الامور هو قياس انواع الجواهر الاول واجناسها عند سائر الامور الاخر كلها وذلك ان سائر الامور كلها على هذه تحمل فانك تقول فى انسان ما انه نحوى فانت اذاً تقول نحويا على الانسان وعلى الحى وكذلك يجرى الامور فى سائر ما اشبهه وقد يعم كل جوهر انه ليس فى موضوع فان الجوهر الاول ليس يقال على موضوع ولا هو فى موضوع والجواهر الثوانى قد يظهر بهذا الوجه انه ليس شىء منها فى موضوع فان الانسان يقال على موضوع اى على انسان ما وليس هو فى موضوع اى فيه وذلك ان الانسان ليس هو فى انسان ما وكذلك ايضا الحى يقال على الموضوع اى على انسان ما وليس الحى فى انسان ما وايضا التى فى موضوع فليس مانع يمنع من ان يكون اسمها فى حال من الاحوال يحمل على موضوع واما قولها فلا سبيل الى ان يحمل عليه فاما الجواهر الثوانى فانه يحمل على الموضوع قولها واسمها فانك تحمل على انسان ما قول الانسان وقول الحى فيجب من ذلك ان الجوهر ليس هو مما فى موضوع الا ان هذا ليس بخاصة للجوهر لكن الفصل ايضا هو مما ليس فى موضوع فان الماشى وذا الرجلين يقالان على موضوع اى على الانسان وليسا فى موضوع وذلك ان ذا الرجلين ليس هو فى الانسان ولا الماشى وقول الفصل ايضا محمول على الذى يقال عليه الفصل مثال ذلك ان المشاء ان كان يقال على الانسان فان قول المشاء محمول على الانسان وذلك ان الانسان مشاء *

ولا تغلطنا اجزاء الجواهر فوهمنا انها موجودة فى موضوعات اى فى كلياتها حتى يضطرنا الامر الا ان نقول انها ليست جواهر لانه لم يكن قول ما يقال فى الموضوع على هذا الطريق على انه فى شىء كجزء منه *

ومما يوجد للجواهر وللفصول ان جميع ما يقال منهما انما يقال على طريق المتواطئة اسماؤها فان كل حمل يكون منهما فهو اما ان يحمل على الاشخاص واما على الانواع فانه ليس من الجواهر الأول حمل اصلا اذ كان ليس يقال على موضوع ما البتة فاما الجواهر الثوانى فالنوع يحمل على الشخص والجنس على النوع وعلى الشخص وكذلك الفصول تحمل على الانواع وعلى الاشخاص والجواهر الأول تقبل قول انواعها واجناسها والنوع يقبل قول جنسه اذ كان كل ما قيل على المحمول فانه يقال ايضا على الموضوع وكذلك يقبل الانواع والاشخاص قول فصولها ايضا وقد كانت المتواطئة اسماؤها هى التى الاسم عام لها والقول واحد بعينه ايضا فيجب ان يكون جميع ما يقال من الجواهر ومن الفصول فانما يقال على طريق المتواطئة اسماؤها *

وقد يظن بكل جوهر انه يدل على مقصود اليه بالاشارة فاما الجواهر الاول فبالحق الذى لا مرية فيه انها تدل على مقصود اليه بالاشارة لان ما يستدل عليه منها شخص وواحد بالعدد واما الجواهر الثوانى فقد يوهم اشتباه شكل اللقب منها انها تدل على مقصود اليه بالاشارة كقولك الانسان الحيوان وليس ذلك حقا بل الاولى انها تدل على اى شىء لان الموضوع ليس بواحد كالجوهر الاول لكن الانسان يقال على كثير والحيوان الا انها ليست تدل على اى شىء على الاطلاق بمنزلة الابيض فان الابيض ليس يدل على غير اى شىء فاما النوع والجنس فانهما يقرران اى شىء فى الجوهر وذلك انهما انما يدلان على جوهر ثانى ما الا ان الاقرار بالجنس يكون اكثر حصرا من الاقرار بالنوع فان القايل حيوان قد جمع بقوله اكثر مما يجمع القايل انسان *

ومما للجواهر ايضا انه لا مضاد لها فما ذا اتضاد الجوهر الاول كانسان ما فانه لامضاد له ولا للانسان ايضا ولا للحيوان مضاد الا ان ذلك ليس خاصا بالجوهر لكنه فى اشيا ايضا كثيرة غيره مثال ذلك فى الكم فانه ليس لذى الذراعين مضاد ولا للعشرة ولا لشىء مما يجرى هذا المجرى الا ان يقول قايل ان القليل ضد الكثير او الكبير ضد الصغير لكن للكم المنفصل لا مضاد له وقد يظن بالجوهر انه لا يقبل الاكثر والاقل ولست اقول انه ليس جوهر باكثر من جوهر فى انه جوهر فان ذلك شىء قد قلنا به لكنى اقول ان ما هو فى جوهر جوهر ليس يقال اكثر ولا اقل مثال ذلك ان هذا الجوهر ان كان انسانا فليس يكون انسانا اكثر ولا اقل ولا اذا قيس بنفسه ولا اذا قيس بغيره فانه ليس احد من الناس انسانا باكثر من انسان غيره كما ان الابيض ابيض باكثر مما غيره ابيض والخير خير باكثر مما غيره خير وكما ان الشى اذا قيس بنفسه ايضا قيل انه اكثر واقل مثال ذلك ان الجسم اذا كان ابيض فقد يقال انه فى هذا الوقت ابيض باكثر مما كان قبل واذا كان حارا فقد يقال انه حار باكثر مما كان او اقل فاما الجوهر فليس يقال اكثر ولا اقل فانه ليس يقال فى الانسان انه فى هذا الوقت انسان باكثر مما كان فيما تقدم ولا فى غيره من سائر الجواهر فيكون الجوهر لا يقبل الاكثر والاقل وقد يظن ان اولى الخواص بالجوهر ان الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات والدليل على ذلك انه لن يقدر احد ان ياتى بشى مما ليس هو جوهر الواحد منه بالعدد قابل للمتضادات مثال ذلك ان اللون الواحد بالعدد هو بعينه لن يكون ابيض واسود والفعل الواحد بالعدد هو بعينه يكون مذموما او محمودا وكذلك نحو الامر فى سائر الاشيا مما ليس بجوهر فاما الجوهر فان الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات مثال ذلك انسان ما فان هذا الواحد هو بعينه يكون ابيض حينا واسود حينا وحارا وباردا وطالحا وصالحا ولن يوجد ما يجرى هذا المجرى فى شىء مما سوى الجوهر اصلا اللهم الا ان يرد ذلك راد بان يقول ان القول والظن مما يجرى هذا المجرى لان القول بعينه مظنون صدقا وكذبا مثال ذلك ان القول ان صدق فى جلوس جالس فانه بعينه يكذب اذا قام وكذلك القول فى الظن فان الظان ان صدق فى جلوس جالس كذب اذا قام متى كان ظنه به ذلك الظن بعينه فنقول ان الانسان وان اعترف بذلك فان من الجنسين اختلافا وذلك ان الاشياء فى الجواهر انما هى قابلة للمتضادات بان تتغير انفسها لان الشىء اذا كان حارا فصار باردا فقد تغير واذا كان ابيض فصار اسود واذا كان مذموما فصار محمودا وكذلك فى ساير الاشياء كل واحد منها قابل للمتضادات بان تقبل بنفسه التغير فاما القول والظن فانهما ثابتان غير زائلين لا بنحو من الانحا ولا بوجه من الوجوه وانما يحدث المضاد فيهما بزوال الامر فان القول فى جلوس جالس ثابت بحاله وانما يصير صادقا حينا وكاذبا حينا بزوال الامر وكذلك القول فى الظن ايضا فيكن الجهة التى تخص الجوهر انه قابل للمتضادات بتغيره نفسه هذا ان اعترف الانسان بذلك اعنى ان الظن والقول قابلان للمتضادات الا ان ذلك ليس بحق لان القول والظن ليس انما يقال فيهما انهما قابلان للاضداد من طريق انهما فى انفسهما يقبلان شياء [لكن] من طريق ان حادثا يحدث فى شئ غيرهما وذلك ان القول انما يقال فيه انه صادق او انه كاذب من طريق ان الامر موجود او غير موجود لا من طريق انه نفسه قابل للاضداد فان القول بالجملة لا يقبل الزوال من شىء اصلا ولا الظن فيحب الا يكونا قابلين للاضداد اذ كان ليس يحدث فيهما ضد اصلا فاما الجوهر فيقال فيه انه قابل للاضداد من طريق انه نفسه قابل للاضداد وذلك انه يقبل المرض والصحة والبياض والسواد وانما يقال فيه انه قابل الاضداد من طريق انه هو نفسه يقبل كل واحد من هذه وما يجرى مجراها فيجب من ذلك ان يكون خاصة الجوهر ان الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات بتغيره فى نفسه فهذا فليكن مبلغ ما نقوله فى الجوهر وقد ينبغى الآن ان يتبع ذلك بالقول فى الكم *

فى الجوهر

فأما الجوهر الموصوف بأنه أول بالتحقيق والتقديم والتفضيل فهو الذى لا يقال على موضوع ما، ولا هو فى موضوع ما. ومثال ذلك: إنسان ما، وفرس ما. فأما الموصوفة بأنها جواهر ثوان فهى الأنواع التى فيها توجد الجواهر الموصوفة بأنها أول. ومع هذه الأجناس هذه الأنواع أيضا. ومثال ذلك أن إنسانا ما هو فى نوع، أى فى الإنسان؛ وجنس هذا النوع الحى. فهذه الجواهر توصف بأنها ثوان كالإنسان والحى. — وظاهر مما قيل أن التى تقال على موضوع فقد يجب ضرورةً أن يحمل اسمها، وقولها يقال على ذلك الموضوع. ومثال ذلك أن الإنسان يقال على موضوع أى على إنسان ما، فاسمه يحمل عليه، فإنك تحمل الإنسان على إنسان ما، وقول الإنسان يحمل على إنسان ما. فإن إنساناً ما هو إنسان، وهو حى، فيكون الاسم والقول يحملان على الموضوع. فأما التى فى موضوع ففى أكثرها لا يحمل على الموضوع، لا اسمها ولا حدها، وفى بعضها ليس مانع يمنع من أن يحمل اسمها على الموضوع؛ فأما قولها فلا يمكن. مثال ذلك: أن الأبيض هو فى موضوع، أى فى الجسم، وهو يحمل على الموضوع؛ وذلك أن الجسم قد يوصف بأنه أبيض. فأما قول الأبيض فليس يحمل فى حال من الأحوال على الجسم.

وكل ما سواها فإما أن يكون على موضوعات، أى يقال على الجواهر الأول؛ وإما أن يكون فى موضوعات، أى يقال فيها، وذلك ظاهر من قبل التصفح للجزئيات: مثال ذلك أن الحى يحمل على الإنسان، فهو أيضا على إنسان ما. فإنه إن لم يكن ولا على واحد من أشخاص الناس فليس هو ولا على إنسان أصلا؛ وأيضا إن اللون فى الجسم، فهو أيضا فى جسم ما، فإنه إن لم يكن فى واحد من الجزئية فليس هو ولا فى الجسم أصلا.

فيجب أن يكون كل ما سواها إما أن يكون على موضوعات، أى يقال على الجواهر الأول؛ وإما أن يكون فى موضوعات، أى يقال فيها. فيجب إذاً إن لم يكن الجواهر الأول ألا يكون سبيل إلى أن يوجد شىء من تلك الأخر. وذلك أن كل ما سواها فإما أن يكون على موضوعات، أى يقال عليها؛ وإما فى موضوعات، أى فيها.

والنوع — من الجواهر الثانية — أولى بأن يوصف جوهراً من الجنس، لأنه أقرب من الجوهر الأول. وذلك أن موفيا إن وفى الجوهرالأول ما هو كان إعطاؤه النوع أشد ملاءمةً وأبين فى الدلالة عليه من إعطائه الجنس. مثال ذلك أنه إن وفى إنساناً ما ما هو، كان إعطاؤه أنه إنسان أبين فى الدلالة عليه من إعطائه أنه حى، فإن ذلك أخص بإنسان ما، وهذا أعم؛ وإن وفى شجرةً ما ما هى، كان إعطاؤه أنها شجرة أبين فى الدلالة عليها من إعطائه أنها نبت. وأيضا فإن الجواهر الأول لما كانت موضوعة لسائر الأمور كلها، وسائر الأمور كلها محمولةً عليها أو موجودةً فيها، فلذلك صارت أولى وأحق بأن توصف جواهر. وقياس الجواهر الأول عند سائر الأمور كلها هو قياس النوع عند الجنس، إذ كان النوع موضوعا للجنس، لأن الأجناس تحمل على الأنواع، وليس تنعكس الأنواع على الأجناس، فيجب من ذلك أيضا أن النوع أولى وأحق بأن يوصف جوهراً من الجنس.

وأما ما كان من الأنواع ليس هو جنسا، فليس الواحد منها أولى من الآخر بأن يوصف جوهرا، إذ كان ليس توفيتك فى إنسان ما أنه إنسان أشد ملائمة من توفيتك فى فرس ما أنه فرس. وكذلك ليس الواحد من الجواهر الأول أولى من الآخر بأن يوصف جوهرا، إذ كان ليس إنسان ما أولى بأن يوصف جوهرا من فرس ما. وبالواجب صارت الأنواع والأجناس وحدها دون غيرها تقال بعد الجوهر الأول جواهر ثوانى، لأنها وحدها تدل على الجواهر الأول من بين ما تحمل عليه؛ فإن موفيا إن وفى إنساناً ما ما هو، فوفاه بنوعه أو بجنسه كانت توفيته له ملائمة؛ وإذا وفاه بأنه إنسان كان ذلك أبين فى الدلالة عليه من توفيته له بأنه حى؛ وإن وفاه بشىء مما سوى ذلك أى شىء كان، كانت توفيته له غريبة مستنكرة: كما إذا وفى بأنه أبيض أو أنه يحضر أو شىء من أشباه ذلك أى شىء كان. فبالواجب قيلت هذه دون غيرها جواهر. وأيضا لأن الجواهر الأول موضوعة لسائر الأمور كلها، وسائر الأمور كلها محمولة عليها، أو موجودة فيها، لذلك صارت أولى وأحق بأن توصف جواهر. وقياس الجواهر الأول عند سائر الأمور هو قياس أنواع الجواهر الأول وأجناسها عند سائر الأمور الأخر كلها، وذلك أن سائر الأمور كلها على هذه تحمل: فإنك تقول فى إنسان ما إنه نحوى، فأنت إذاً تقول: «نحويا» على الإنسان وعلى الحى؛ وكذلك تجرى الأمور فى سائر ما أشبهه.

وقد يعم كل جوهر أنه ليس فى موضوع، فإن الجوهر الأول ليس يقال على موضوع، ولا هو فى موضوع. والجواهر الثوانى قد يظهر بهذا الوجه أنه ليس شىء منها فى موضوع. فإن الإنسان يقال على موضوع، أى على إنسان ما، وليس هو فى موضوع، أى فيه. وذلك أن الإنسان ليس هو فى إنسان ما؛ وكذلك أيضا الحى يقال على موضوع، أى على إنسان ما، وليس الحى فى إنسان ما. وأيضا التى فى موضوع، فليس مانع يمنع من أن يكون اسمها فى حال من الأحوال يحمل على موضوع. وأما قولها فلا سبيل إلى أن يحمل عليه. فأما الجواهر الثوانى فإنه يحمل على الموضوع قولها واسمها، فإنك تحمل على إنسان ما قول الإنسان وقول الحى. فيجب من ذلك أن الجوهر ليس هو مما فى موضوع، إلا أن هذا ليس بخاصة للجوهر، لكن الفصل أيضا هو مما ليس فى موضوع، فإن الماشى وذا الرجلين يقالان على موضوع، أى على الإنسان؛ وليسا فى موضوع، وذلك أن ذا الرجلين ليس هو فى الإنسان، ولا الماشى. وقول الفصل أيضا محمول على الذى يقال عليه الفصل، مثال ذلك أن المشاء إن كان يقال على الإنسان فإن قول «المشاء» محمول على الإنسان، وذلك أن الإنسان مشاء — ولا تغلطنا أجزاء الجواهر فتوهمنا أنها موجودة فى موضوعات، أى فى كلياتها، حتى يضطرنا الأمر إلى أن نقول إنها ليست جواهر، لأنه لم يكن قول ما يقال فى موضوع على هذا الطريق على أنه فى شىء كجزء منه.

ومما يوجد للجواهر وللفصول أن جميع ما يقال منهما إنما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها، فإن كل حمل يكون منهما فهو إما أن يحمل على الأشخاص، وإما على الأنواع؛ فإنه ليس من الجواهر الأول حمل أصلا، اذ كان ليس يقال على موضوع ما ألبتة. فأما 〈فى〉 الجواهر الثوانى فالنوع يحمل على الشخص، والجنس على النوع وعلى الشخص. وكذلك الفصول تحمل على الأنواع وعلى الأشخاص. والجواهر الأول تقبل قول أنواعها وأجناسها، والنوع يقبل قول جنسه، إذ كان كل ما قيل على المحمول فإنه يقال أيضا على الموضوع؛ وكذلك تقبل الأنواع والأشخاص قول فصولها أيضا. وقد كانت المتواطئة أسماؤها هى التى الاسم عام لها والقول واحد بعينه أيضا؛ فيجب أن يكون جميع ما يقال من الجواهر ومن الفصول فإنما يقال على طريق المتواطئة أسماؤها.

وقد يظن بكل جوهر أنه يدل على مقصود إليه بالإشارة. فأما الجواهر الأول فبالحق الذى لا مرية فيه أنها تدل على مقصود إليه بالإشارة، لأن ما يستدل عليه منها شخص واحد بالعدد. وأما الجواهر الثوانى فقد يوهم اشتباه شكل اللقب منها أنها تدل على مقصود إليه بالإشارة كقولك: الإنسان الحيوان — وليس ذلك حقا، بل الأولى أنها تدل على أى شىء، لأن الموضوع ليس بواحد كالجوهر الأول، لكن الإنسان يقال على كثير، و〈كذلك〉 الحيوان — إلا أنها ليست تدل على أى شىء على الإطلاق بمنزلة الأبيض، فإن الأبيض ليس يدل على شىء غير أى شىء. فأما النوع والجنس فإنهما يقرران أى شىء فى الجوهر؛ وذلك أنهما إنما يدلان على جوهر ثان ما. إلا أن الإقرار بالجنس يكون أكثر حصراً من الإقرار بالنوع، فإن القائل: «حيوان» قد جمع بقوله أكثر مما يجمع القائل: «إنسان».

ومما للجواهر أيضا أنه لا مضاد لها. فماذا يضاد الجوهر الأول، كإنسان ما! فإنه لا مضاد له؛ ولا للإنسان أيضا، ولا للحيوان مضاد. إلا أن ذلك ليس خاصا بالجوهر، لكنه فى أشياء أيضا كثيرة غيره، مثال ذلك فى الكم: فإنه ليس لذى الذراعين مضاد، ولا للعشرة، ولا لشىء مما يجرى هذا المجرى، إلا أن يقول قائل: إن القليل ضد الكثير، أو الكبير ضد الصغير، لكن الكم المنفصل لا مضاد له.

وقد يظن بالجوهر أنه لا يقبل الأكثر والأقل. ولست أقول إنه ليس جوهر بأكثر من جوهر فى أنه جوهر، (فإن ذلك شىء قد قلنا به) لكنى أقول: إن ما هو فى جوهر جوهر ليس يقال أكثر ولا أقل: مثال ذلك أن هذا الجوهر إن كان إنسانا فليس يكون إنساناً أكثر ولا أقل، ولا إذا قيس بنفسه، ولا إذا قيس بغيره؛ فإنه ليس أحد من الناس إنسانا بأكثر من إنسان غيره، كما أن الأبيض أبيض بأكثر مما غيره أبيض، والخير خير بأكثر مما غيره خير. كما أن الشىء إذا قيس بنفسه أيضا قيل إنه أكثر وأقل، مثال ذلك أن الجسم إذا كان أبيض فقد يقال إنه فى هذا الوقت أبيض بأكثر مما كان قبل، وإذا كان حاراً فقد يقال إنه حار بأكثر مما كان أو أقل؛ فأما الجوهر فليس يقال أكثر ولا أقل: فإنه ليس يقال فى الإنسان إنه فى هذا الوقت إنسان بأكثر مما كان فيما تقدم ولا فى غيره من سائر الجواهر. فيكون الجوهر لا يقبل الأكثر والأقل.

وقد يظن أن أولى الخواص بالجوهر أن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، والدليل على ذلك أنه لن يقدر أحد أن يأتى بشىء مما ليس هو جوهراً، الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، مثال ذلك أن اللون الواحد بالعدد هو بعينه لن يكون أبيض وأسود، والفعل الواحد بالعدد هو بعينه يكون مذموما أو محمودا، وكذلك نحو الأمر فى سائر الأشياء مما ليس بجوهر. فأما الجوهر فإن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات، مثال ذلك: «إنسان ما»، فإن هذا الواحد هو بعينه يكون أبيض حيناً وأسود حينا، وحارا وباردا، وطالحا وصالحا. ولن يوجد ما يجرى هذا المجرى فى شىء مما سوى الجوهر أصلا اللهم إلا أن يرد ذلك راد بأن يقول: إن القول والظن مما يجرى هذا المجرى، لأن القول بعينه مظنون صدقا وكذبا، مثال ذلك أن القول إن صدق فى جلوس جالس فإنه بعينه يكذب إذا قام؛ وكذلك القول فى الظن، فإن الظان إن صدق فى جلوس جالس كذب إذا قام متى كان ظنه به ذلك الظن بعينه. فتقول: إن الإنسان — وإن اعترف بذلك — فإن بين الجهتين اختلافا، وذلك أن الأشياء فى الجواهر إنما هى قابلة للمتضادات بأن تتغير أنفسها، لأن الشىء إذا كان حارا فصار بارداً فقد تغير؛ وإذا كان أبيض فصار أسود، إذا كان مذموما فصار محمودا، وكذلك فى سائر الأشياء: كل واحد منها قابل للمتضادات بأن يقبل بنفسه التغير. فأما القول والظن فإنهما ثابتان غير زائلين لا بنحو من الأنحاء ولا بوجه من الوجوه، وإنما يحدث المضاد فيهما بزوال الأمر، فإن القول فى جلوس جالس ثابت بحاله، وإنما يصير صادقا حينا وكاذبا حينا بزوال الأمر. وكذلك القول فى الظن أيضا. فلتكن الجهة التى تخص الجوهر أنه قابل للمتضادات بتغيره 〈فى〉 نفسه. هذا إن اعترف الإنسان بذلك، أعنى أن الظن والقول قابلان للمتضادات. إلا أن ذلك ليس بحق، لأن القول والظن ليس إنما يقال فيهما إنهما قابلان للأضداد من طريق أنهما فى أنفسهما يقبلان شيئا، 〈لكن〉 من طريق أن حادثا يحدث فى شىء غيرهما، وذلك أن القول إنما يقال فيه إنه صادق أو إنه كاذب من طريق أن الأمر موجود أو غير موجود، لا من طريق أنه نفسه قابل للأضداد، فإن القول بالجملة لا يقبل الزوال من شىء أصلا، ولا الظن. فيجب ألا يكونا قابلين للأضداد، إذ كان ليس يحدث فيهما ضد أصلا، فأما الجوهر فيقال فيه إنه قابل للأضداد من طريق أنه نفسه قابل للأضداد، وذلك أنه يقبل المرض والصحة والبياض والسواد. وإنما يقال فيه إنه قابل للأضداد من طريق أنه هو نفسه يقبل كل واحد من هذه وما يجرى مجراها. فيجب من ذلك أن تكون خاصة الجوهر أن الواحد منه بالعدد هو بعينه قابل للمتضادات بتغيره فى نفسه. فهذا، فليكن مبلغ ما نقوله فى الجوهر؛ وقد ينبغى الآن أن نتبع ذلك بالقول فى الكم.