Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Aere, Aquis, Locis (Airs, Waters, Places)

القول الثالث من الجزء الثانى يذكر فيه الماء المطرى

ان مياه الامطار خفيفة عذبة نيرة جدا: ان الشمس تختطف أولا من الماء رقيقه وخفيفه والدليل على ذلك الماء المالح فانه يبقى على حاله لثقله وملوحته وغلظه فأما الرقيق الخفيف فان الشمس تختطفه لرقته

ان الشمس تصعد هذا الماء. ليس من الانهار وحدها لكن من البحور أيضا وكل المواضع الرطبة والرطوبة توجد فى الاشياء كلها

ان الشمس تنشف من الناس أخف وألطف ما فيهم من الرطوبة وعلامة ذلك اذا كان الانسان ماشيا أو جالسا فى الشمس وعليه لباسه وثيابه...

ان الانس اذا كان فى الظل كان عرق بدنه عرقا مستويا لبعد الشمس عنه ولذلك صارت مياه تعفن فتريح رائحة ردئة لانها اجتمعت من مياه شتى فصارت أسرع عفنا وتغيرا من غيرها

ان هذه المياه اذا اختطفت وعلقت فى الجو فانها تبرد وتختلط بالهواء فأما المياه الكدرة منها الشبيهة فى سوادها بالليل فانها تفترق وتعتزل ناحية فيحدث منها هواء غليظ وضبابة وأما خفيفها فيبقى ويعذب من قبل طبخ الشمس وكذلك سائر الاشياء اذا ما طبخت صارت حلوة عذبة

ان الرطوبة التى تنشفها الشمس مفترقة لا تزال معلقة فى الهواء فاذا اجتمعت كلها فالتفت بالرياح المتضادة الملاقية بعضها بعضا انصبت الرطوبة ولا سيما ان كانت المنافس كما ينبغى وأكثر ما يكون هذا اذا استحكم اجتماع السحاب بالرياح واستقبلته ريح أخرى فمزقته واذا تراكمت سحابة أخرى على السحابة الاولى وضغطتها انحدرت حينئذ الرطوبة وذلك. أن السحابة عند ذلك تغلظ وتسود وتستحصف فتنحدر الرطوبة من ثقلها وتمزقها الرياح فتكون الامطار المتتابعة لذلك

ان هذه المياه أفضل المياه كلها لانها ينبغى أن لا تكون لها رائحة ردئة فانه ان حدث لها ذلك عرض لمن شرب منها البحة والسعال وثقل الصوت وان هذه المياه اذا طبخت لم يغير عنها الطبخ شيئا

القول الرابع من الجزء الثانى يذكر فيه المياه الكائنة من الثلوج

أما المياه التى تكون من الثلوج (و) من الجليد فكلها ردئة لانها اذا أجمدت مرة لم ترجع الى طبيعتها الاولى لان ما كان من الماء خفيفا عذبا صافيا نقيا أفلت من الجمود وطار وما كان من المياه كدرا بقى على حاله وتعرف ذلك بالوجوه التى أقول، انك اذا أردت ذلك فصببت فى أيام الشتاء ماء فى اناء بكيل معلوم فوضعته تحت السماء حتى يجمد فان رفعته عن موضعه ووضعته فى الشمس أو فى موضع دفئ حتى ينحل فيه الجليد فاذا انحل وكلت الماء وجدته قد نقص نقصانا كثيرا بينا فهذه علامة دالة على أن لطيف الماء ينفش ولا يقع عليه الجمود والغليظ لا ينفش ولا يتروح ولا يقدر على البراح من غلظه وموضعه

ان هذه المياه التى تكون من الثلوج والجليد وكل ما تبع ذلك هى أردأ المياه كلها