Galen: De Anatomicis Administrationibus I-IX,5 (On Anatomical Procedures)
المقالة السادسة من كتاب جالينوس فى عمل التشريح
| لما رأيت أن الأصلح والأجود أن أجرى كلامى فى هذا الكتاب على المجرى الذى كنت أجريت عليه كلامى فى كتاب منافع الأعضاء وألزم فيه السبيل الذى لزمته هناك وكنت فى ذلك الكتاب قد ذكرت بعد صفة الحال فى اليدين والرجلين صفة الحال فى آلات الغذاء وأعضائه فقد يلزمتى ان آخذ الآن فى ذكر أعضاء الغذاء وآلاته فأقول إن فى اليدين والرجلين لا شىء أشبه بالإنسان من القرد الذى ليس له وجه طويل ولا أنياب كبار فإن هاذين شيان يزيدان وينقصان واحد مع الآخر وكذلك المشى المستوى وسرعة الإحضار والإصبع الكبرى من أصابع اليد وعضلتا الصدغين واختلاف حال الشعر فى صلابته ولينه وطوله وقصره وأنت تقدر متى رأيت شيئا معا وصفنا أى شىء كان أن تعرف به هيئة الأشياء الأخر لأن هذه كلها أبدا يتزيد بعضها مع بعض من ذلك أنك إن رأيت قردا يعدوا ويحضر مستويا فأنت تعلم من ساعتك أن هذا القرد شبيه بالإنسان ويمكن أن تتقدم فتقول فى هذا القرد إن له جميع ما وصفت قبل أعنى وجها مدورا وأنيابا صغارا وإصبعا عظمى من اليد ليست بصغيرة جدا كما تكون فى القرود الأخر وبخلاف ذلك أصابع رجله أصغر من أصابع أرجل القرود الأخر وعضل صدغيه صغار حتى أن العضل الذى ينحدر من الفخذ إلى الساق لا ينحدر كثيرا والعظم المسمى عصعصا منه صغير والشعر فى هذا القرد قليل ليس بكثير الصلابة ولا بطويل فإن كان فيه شىء مما وصفت على خلاف ما ذكرت فالأشياء الأخر تكون فيه أيضا على خلاف ذلك فإن من القرود قرودا منظرها من أشبه شىء بالحيوان الذى يقال له كلبى الرأس حتى أن عظم عصعصها يكون طويلا ويكون له ابتداء ذنب وما كان كذلك فشعره يكون أكثر من شعر غيره من القرود ويكون شعره صلبا قائما ونظره نظرا مقداما جريئا والقرد الخالص نظره يكون نظرا مرعوبا خائفا وأما عضلة الصدغ فإنها تمتد كثيرا فى القرود التى ليست بخلص وتنتهى فى القرود الخلص على مثال ما تنتهى فى ابدان الناس فى الموضع الذى عند الدرز الإكليلى وكذلك تكون الأسنان فى القرود الشبيهة بالحيوان الكلبى الرأس كبارا كلها وتكون الأنياب أبين وأظهر كما أن اللحى منها طويل والإصبع العظمى من اليد صغيرة جدا فى القرود الشبيهة بالحيوان الكلبى الرأس والعضل الذى يجىء من الفخذ إلى الساق كثير الامتداد وبهذا السبب يكون مثنى الركبة منها جملة كأنه مشكول مقيد وكذلك لا تستطيع أن تبسط الساق منها انبساطا تاما وبسبب هذا لا تقدر أن تقوم حسنا وكل حيوان لا يقدر أن يقوم حسنا قياما مستويا 〈...〉 ولا يحضر إحضارا سريعا ولا يكون الإصبع العظمى التى فى رجله كبيرة كما تكون فى أبدان الناس ولا سائر الأصابع صغار بل كل أصابع تكون كبارا وأصغرها كلها الإصبع التى هى فى أبدان الناس أعظم الأصابع كلها ويكون له ابتداء ذنب وما كان من القرود على هذه الصفة فجميع بدنه شبيه بيدن الحيوان الكلبى الرأس فكما أن الأصلح والأجود لك أن تشرح اليدين والرجلين فى أبدان القرود التى هى أشبه شىء بالإنسان عندما تريد أن تروض نفسك بشىء تجعل مثلا ونظرا كذلك ينبغى لك متى لم تجد قردا على هذه الصفة أن تأخذ واحدا من القرود التى لا تشبه الناس فإن أنت لم تجد قردا أصلا فينبغى لك ان تأخذ حيوانا كلبى الرأس والحيوان المسمى ساطوروس والحيوان المسمى لنخس وبالجملة ينبغى لك أن تأخذ من الحيوان ما كانت يداه ورجلاه مفصلة مشطبة بخمس أصابع وما كان من الحيوان كذلك فإن له تراقى وقسا ليس بحاد فهو لذلك يمشى على رجلين بمنزلة إنسان يعرج وبعد هذا الحيوان الدب والأسد وبالجملة الحيوان الذى يقال له المداخل الأسنان ولو لا أن أجناس الحيوان التى تمشى منكبة على الأرض صغار بمنزلة السنانير وابن عرس والفأر لقد كانت أعضاء هذه الحيوانات نافعة صالحة للارتياض والتدرب فى عمل التشريح فإن جميع هذا الحيوانات لها أربع أصابع وليس لها إصبع عظمى وفى بعضها يكون فيه لأجل الإصبع العظمى 〈شىء〉 شبيه بالرسم الخفى وإذا كان ذلك فليس يكون بعيدا عن الإصبع السبابة كبعدة عن 〈السبابة فى〉 أبدان الناس وإذا أنت تقدمت فرضت نفسك فى القرود أمكنك أن تشرح هذه الحيوانات أيضا فإن لهذه الحيوانات أيضا ذلك الوتر ينبسط داخلا من اليد كما فى يد القرد وكذلك العضل الذى يحرك الأصابع والعضل الذى يحرك الرصغ والزند الأعلى وسائر الأشياء الأخر كلها والأمر فى أنه ليس لهذه الحيوانات العضل والأوتار المحركة لإصبع العظمى معلوم وبالجملة أنت تستدل بالفعل الذى ترى كل واحد من الحيوانات يفعله وبصورة أعضائه التى تظهر لك من خارج على هيئة أعضائه الباطنة داخلا وتتعرفها بهما وذاك أنه لا بد ضرورة للأعضاء التى تفعل على مثال واحد وصورة ظاهرها من خارج صورة واحدة بعينها من أن تكون هيئتها هيئة واحدة بعينها وكذلك أيضا فى كل حيوانين يفعلان على مثال واحد وصورتهما الظاهرة على مثال واحد فهيئة أعضائهما الباطنة كلها على مثال واحد لأن الأمر يجرى فى خلقة بدن كل واحد من الحيوانات على أن يكون البدن ملائما موافقا لحركات نفس ذلك الحيوان وبهذا السبب صار جميع الحيوان ساعة يولد يستعمل أعضاءه كأنه قد تعلم ذلك والنمل والبق والبراغيث وغير ذلك من الحيوانات الصغار الأبدان لصغر أبدان هذه لا أعلم بتة أنى التمست ولا رمت تشريحها فأما جميع الحيوانات التى تمشى منكبة على الأرض بمنزلة ابن العرس والفأرة وجميع الحيوانات اتى تمشى مشيا ملتويا بمنزلة الحيات وأجناس كثيرة من الطيور والسمك وسائر حيوانات البحر فقد شرحتها مرارا كثيرة ليستقر عندى وأصدق يقينا أن التدبير فى خلقه هذه كلها تدبير واحد وأن البدن قد خلق فى جميع الحيوان ملائما موافقا لأخلاق النفس وبمثل هذه المعرفة يمكنك إذا أنت رأيت حيوانا لم تكن رأيته قبل ذلك أن تتقدم فتعلم كيف هيئة أعضائه الباطنة وهذا أمر قد بينته أنا وأوضحته مرارا شتى ولم أستفد ذلك من موضع أخر ولا غيرى يستفيده فى وقت من الأوقات إلا من معرفتى يقينا بأن كل واحد من الحيوان فخلقة بدنه ملائمة موافقة لأخلاق نفسه وقواها وإذا كان الأمر على هذا فليس يعجب أن تكون تتقدم فتعلم الهيئة الباطنة من كل واحد من الحيوانات من نظرك إلى حيئته الظاهرة إذا كان ذلك بينا ظاهرا وخاصة إن أنت رأيت ذلك الحيوان يفعله 〈...〉 يمشى مستويا وإذا أنت سمعت صوت الحيوان أمكنك أن تتعرف من صوته بعض ما يحتاج إلى معرفته من الحال فى آلات الصوت منه ليس هو مقدار عظم الصوت فقط لكن وسائر أنواع الصوت هذا وسأذكر هذا الباب ذكرا أكثر وضوحا أذا أنت صرت إلى تشريح آلات الصوت وأما هاهنا فإنى انما أكثرت الكلام فى اليدين والرجلين لأنى كنت ذكرت فى المقالات الأول من هذا الكتاب هيئتهما فلما رجوت أن 〈من〉 يكون قد تقدم فراض نفسه فى معرفة اليدين والرجلين يفهم كلامى إذا أنا تمثلت بهما جميعا جعلتهما مثالا لكلامى هذا فى مشابهة الحيوانات واستواء حالاتها وذلك أمر يمكنك أن تتفقده وتعرفه من فعل الحيوان ومن صورته جملة بدنه وصورة كل واحد من أعضائه وإن الإصبع حيث كانت وإن هيئتها هيئة واحدة بعينها من طريق ما هى إصبع وكذلك أيضا الإصبع من جهة أنها إصبع حالها الحال التى تشار إليها تكون هيئتها هيئة الإصبع التى حالها تلك الحال وعلى هذا المثال يجرى الأمر فى الزند الأسفل والزند الأعلى وفى كل واحد من سائر الأعضاء الأخر فإن الزند الأسفل من طريق ما هو زند أسفل والزند الأعلى من طريق ما هو زند أعلى فهيئته أبدا هيئة واحدة بعينها وأما من طريق أنه زند أسفل حاله حال ما يشار إليه بها أو زند أعلى حاله حال ما يشار إليه بها فهو فى الحيوانات المتشابهة تكون هيئته أيضا متشابهة وأما فى الحيوانات التى غير متشابهة فتكون فى القياس نظيرا فمن كان قد ارتاض رياضة منطقية وكان قد اجتمع له مع هذا أن طبعه جيد فقد يسهل عليه أن يستخرج بأهون سعى فى كل واحد من الأشياء فالشىء الذى هو فيها واحد بعينه وأما الشىء الذى ليس بواحد بعينه فأما من كان طبعه لا يصلح لهذا وكان مع ذلك لم يرتض فعسى هذا أيضا إذا حضر حيوانات كثيرة تشرح دعاه كثرة ما يباطش من ذلك إلى أن يفهم ولو فهما ضعيفا أن الشىء الذى واحد بعينه ليس هو شىء وقع بالعرض ولا بالجزاف بل هو شىء موجود لكل من الأنواع بحسب طبيعته وجوهره والشىء الذى ليس هو واحد بعينه إنما يكون من أعراض ما تتبع كل واحد على حدة 〈...〉 التى سميتها جواهر لا تتجزأ فحيث ما رأيت يدا أو رجلا أو وصولا من أوصالهما بمنزلة ساعد أو عضد أو ساق أو فخذ جمع مع انبساطه وانقباضه أنه يتحرك إلى الجانبين فاعلم أن لذلك العضو باضطرار جنسين من العضل فالعضل الذى يبسطه غير العضل الذى يثنيه ويقبضه والعضل الذى يذهب به إلى الجانبين غيرهما جميعا ثم تثبت وانظر هل فى ذلك الوصل من أوصال اليدين والرجلين عظم واحد بمنزلة ما فى العضد أم عظمان بمنزلة فى الساعد الزند الأسفل والزند الأعلى وإذا أنت وجدت فى العضو عظما واحدا فاطلب العضل الذاهب على استقامة والذاهب على وراب وأما إذا كانا عظمين بمنزلة الزند الأسفل والزند الأعلى فاعلم من ساعتك أن أحدهما يكون له ابتساط العضو وانقباضه والآخر يدير العضو إلى الجانبين واعلم أن العضل المحرك لهاذين العظمين بعضه موضوع وضعا موربا وهو العضل الذى يحرك حركات موربة وبعضه يجرى على استقامة وهو العضل الذى يحرك حركات مستقيمة وهذا أمر عام شامل لأوصال اليدين والرجلين كلها التى حركاتها حركات واحدة بعينها فأما مقادير العضل وأشكالها ووضعها فهى فى الأوصال المتشابهة فى النوع من أوصال اليدين والرجلين متشابهة أيضا وفى الأوصال التى هى غير متشابهة فى النوع غير متشابهة وأنت تجد هذا الذى وصفته لك على ما وصفت فى الأصابع أنه وإن كان الحيوان الذى شرح حيوانا صغيرا بمنزلة الفأر فلا بد ضرورة من أن تكون فى كل واحدة من أصابعه أوتار تقبضها وتبسطها بمنزلة ما فى أصابع الإنسان وإن رأيت أن الأصابع مع انبساطها وانقباضها تتحرك إلى الجانبين فلا بد ضرورة من أن تكون لذلك الحيوان آلات موافقة تصلح لهذه الحركات بقياس ما للإنسان فيكون ذهاب كل واحدة من الأصابع إلى ناحية الإصبع الصغرى بأوتار وعضل موضوع على الوصل الذى يقوم مقام الساعد من الجانب الوحشى وهو الخارج وذهابها إلى ناحية الإصابع العظمى بعضل وأوتار موضوعة عليه فى الجانب الأنسى وهو الداخل وتجد أن الإصبع العظمى والإصبع الصغرى تتباعد فى مثال هذه الحيوانات عن سائر الأصابع الأخر كلها تباعدا كثيرا بعضل وضعه على مثال وضعهما فى الإنسان فإذا علمت هذا فقد سهل الأمر عليك فى تشريح أمثال هذه الحيوانات كما أنت لو كنت قد شرحتهما مرارا كثيرة قبل ذلك وإذا كنت بوجه من الوجوه ذاكرا لما قلت لك فى المقالة الأولى من أمر اليد فالأمر عليك فى معرفة هذه الأشياء التى قلتها لك هاهنا سهل هين واستخراجها والوقوف عليها فى أبدان الحيوان يمكنك بأهون سعى.