Galen: De Anatomicis Administrationibus I-IX,5 (On Anatomical Procedures)
| ولكن لما كان بعض الحيوان يغتذى بغذاء قوى وبعضه يغتذى بغذاء ضعيف لما نظر فى ذلك فى أصل الخلقة جعلت الآلات التى يردها الغذاء مختلفة فى أنواع الحيوان اختلافا جزئيا ولهذا متى رأيت فى وقت من الأوقات حيوانا قد جلب من الهند أو من بلاد ليبواى أو من بلاد الصقالبة لم تكن رأيته قبل ذلك ووجدته يعتلف علفا خشنا من عشب الصحراء أو دغل البساتين فاعلم أن هذا الحيوان ساعة قد خلق له آلة يردها غذاؤه عظيمة خشنة فإن كان الحيوان ليس له أسنان عليا فاعلم أنه لا بد ضرورة من أن يكون لهذا الحيوان آلات شتى يردها غذاؤه فيكون ساعة يزدرد الغذاء تورده الآلة الأولى يصعده منها ويمضغه ويزدرد فيورده الآلة الثانية ثم ينقله من هذه الآلة إلى آلة أخرى ومن هذه أيضا إلى أخرى فإذا أنت تقدمت فتعلمت وعرفت آثار الحكمة فى الجهة من أفعالها التى رأيتها عيانا فاعلم أن الحكمة فى جميع الأشياء الأخر هى تلك الحكمة بعينها وعلى هذا النحو نقضى فى صناعات الناس وحذقهم بها لأنا لا ننتظر أن ننظر إلى جميع ما عمله فيدياس أو بولو قليطوس من التماثيل والأصنام لكيما نعرف ما لم نره منها ثم رأيناه فمن كان إذا قد جرب الأمور واحتنك فى معرفة ما عليه يجرى الأمر فى أفعال الخلقة إذا رأى أشياء خرص وحدس منها على الأشياء التى لم يرها من ذلك أنا بأجمعنا معشر من قد استكثر امتحان ما عليه مجرى أفعال الخلقة بالتجارب نعلم أن الآلات التى تطحن الغذاء قد جعلت حالاتها فى مقاديرها وصورها على أصلح الوجوه الموافقة للغذاء الذى يريد كل واحد من الحيوان أن يتناوله من ذلك ما أقوله لك أنا أن كل حيوان نرى أن ليس له أسنان عليا فاعلم أن لهذا الحيوان آلات كثيرة يردها غذاؤه معدا سميتها أم بطونا أم غير ذلك وإنه لا محالة يجتر كما أن الحيوان الذى له صف أسنان عليا لا يجتر ولا له آلات كثيرة يردها غذاؤه لكن آلة واحدة مهيأة كهيئة آلة الحيوان الذى يأكل اللحم وقد عرض فى أكثر الأمر للحيوانات ذوات القرون أن لا تكون لها أسنان وذلك لأن الفضل الأرضى فيها ينصرف ويفنى فى رؤوسها فى تولد القرون ولكن ليس لأن لها قرونا صارت لها آلات كثيرة يردها الغذاء أو صارت تجتر لكن لأن غذاءها عشب ودغل لذلك لم تحتج إلى أسنان عليا واحتاجت إلى هذا الذى ذكرناه من ذلك أن الجمل ليس له قرنان إلا أنه يجتر وله مع هذا آلات كثيرة يردها غذاؤه بسبب أنه يغتذى بالعشب والدغل ولذلك صارت الطبقة المجللة لداخل فمه خشنة وكذلك الطبقة الداخلة من كل واحدة من الآلات التى يردها غذاؤه لو كان الكلام مطابقا لما قصدنا له فى هذا الكتاب لكنت سأذكر لك أشياء كثيرة من آثار الحكمة فى الخلقة تدل على مبلغها فى جميع الحيوان ولكن حسبى أن أبين من ذلك بمقدار ما اضطرنى إليه حاجة هذا الكلام إلى ذلك فأما آلات الغذاء ففى أى حيوان تشاء أن تتفقدها فيه فأنت تجدها مهيأة على ما وصفت من أمرها فى المقالة الرابعة والخامسة من كتاب منافع الأعضاء مثال ذلك أنك ترى على المكان جميع العروق التى فى المعدة والأمعاء والطحال تجتمع وترتقى إلى باب الكبد وترتقى معها العروق التى فى الثرب فإن الثرب أيضا واحد من آلات الغذاء لأنه جعل للأعضاء التى خلقت بالقصد الأولى لاستمراء الغذاء وهضمه بمنزلة جلال طبيعى يسخنها ودع عنك فى هذا الكلام الحاضر النظر فى اختلاف الأمعاء والآلات التى يردها الغذاء فأما جميع ما أريد أن أقول لك فإنك تجد فى جميع الحيوانات التى أمرتك أن تروض نفسك بها فى علاج التشريح وأول جميع حيوان ينبغى لك أن تطلب ذلك فيه وأكثره القرود ومن القرود ما كان منها خاصة يشبه الناس على ما وصفت والثانى بعد القرود ينبغى لك أن تشرح الحيوانات ذوات التراقى واجعل هذه الحيوانات كلها جنسا واحدا وسمها حيوانات شبيهة بالقرود ثم شرح من بعد هذه الدباب وبعدها الحيوانات المداخلة الأسنان ثم الخنازيز ثم الحيوانات ذوات الأعراف والحوافر واجعل الجنس السادس بعد هذه كلها جنس الحيوانات التى تجتر فإنى أحسب أن القدماء إنما أشاروا وأومأوا إلى هذه الأجناس من الحيوان عند ما يأمرون به فى كل وقت من الامتحان والتجارب لما وصفوا فى كتبهم من أمر التشريح فى هذه الحيوانات التى طبائعها ليست ببعيدة عن طبيعة الناس بعدا كثيرا وأما فى آلات الغذاء فليس فى هذه الحيوانات وحدها يوجد كل ما وصفنا فى كتاب منافع الأعضاء لكن فى حيوانات أخر كثيرة أكثر بعدا من هذه عن طبيعة الناس بمنزلة الحيوانات التى تدب والحيوانات التى تلتوى والحيوانات التى تسبح وقبل هذه الحيوانات الأفيلة والجمال والتماسيخ وحيوانات أخر كثيرة شبيهة بهذه فإن هذه كلها يوجد فيها جميع ما وصفناه فى ذلك الكتاب من آلات الغذاء فأى حيوان منها حضرك وأردت أن تشرحه فابتدئ بتشريحه على ضربين مرة ابتدئ من العضل الذى على البطن وإن كان من الجنس الثالث من أجناس آلات الغذاء ومرة ابتدئ من تلك الأعضاء الأول أنفسها أما من الأعضاء الأول فلأن لها سابقة فى الشرف والكرامة وأما الابتداء من العضل الخارج فينبغى أن يستعمل لأن هذا العضل أسبق وأقدم فى المرتبة.