Galen: De Anatomicis Administrationibus I-IX,5 (On Anatomical Procedures)
| وأما العروق التى تغذو القلب دائما فى جميع الحيوانات فمنبتها من ذلك التقصيع وهذه العروق يقال لها العروق التى تكلل القلب والعروق التى تحيط بالقلب لأنها تحف القلب وتستدير حوله كله وهما عرقان وكذلك من الجانب الأيسر يأتيان جرم القلب شريان منشؤهما من الشريان الأعظم بعد منشئه الأول خارجا من الغشاء بقليل وهذه الأشياء الأجود والأصلح فيها على ما قلت أن تبحث عنها بعد إخراجك الفؤاد من بدن الحيوان وخاصة فى الحيوانات العظيمة وذاك لأنه فى جميع الحيوانات على مثال واحد من غير أن يدخلها شىء من التغير بسبب عظمها كما زعم ارسطالس إلا أن منظرها فى القلوب الكبار أبين وأوضح ونظير ذلك أن العظم الذى فى القلب يظنون أنه إنما هو فى الحيوانات الكبار لا فى الجميع إن تفرس فيه الإنسان وتفقد به حسنا وجده فى جميع الحيوانات [الكبار] غير أنه لا يجده فى جميعها عظما خالصا ويجده فى موضعه من سائر الحيوانات شيئا وليس ذلك الشىء لا محالة عظما بل هو فى بعضها غضروف والقضية فى هذا جملة على ما أصف لك فى جميع الحيوانات 〈و〉الأغشية التى ذكرتها وقلت إنه يقال لها ذوات الثلاثة الألسن وأصول الأوعية الشريانية هى معلقة فى جوهر هناك وهذا الجوهر صلب لا محالة غير أن صلابته فى جميع الحيوانات ليست على مثال واحد وذاك أنه فى الحيوانات الصغار هو غضروف قليل الغضروفية وفى الحيوانات الكبار غضروفيته أظهر وأبين وفى الحيوانات التى هى أكبر من هذه هو غضروف خالص وفى الحيوانات التى هى أكبر من هذه أيضا هو غضروف عظمى وكلما كان الحيوان من جنس حيوان أعظم جثة كان ذلك الغضروف أقرب إلى جوهر العظم بحسب مقدار عظم جثة ذلك الحيوان وهو فى الحيوان العظيم جدا يصير جل جوهره عظيما وحينئذ ينبغى أن تسميه عظما غضروفيا لا غضروفا عظيما لأن أكثر جوهره فى أمثال هذه الحيوانات من جنس العظام فليس غضروفا وأما فى الحيوانات الصغار جدا فليس هو ايضا بغضروف محض لكنه جسم فيما بين العصبة والغضروف وليس يعجب ان يكون من لم يرض نفسه فى التشريح لا يعرف هذا الجسم بتة ولا يقف عليه فى الحيوانات الصغار إذ كان قد تفوتهم معرفته مرارا شتى فى حيوانات أعظم منها وما حاجتى إلى ذكر الحيوانات الكبار وهاهنا أمر أخبرتك به طريف وهو أنه ذبح برومية منذ قريب فيل عظيم فاجتمع خلق كثير من الأطباء يريدون تشريحه ليعلموا إن كان لفؤاده رأسان محددان أم رأس واحد وهل هو تجويفان أم ثلاثة تجويفات وكنت أنا أقضى تبانى وتبعة منى واتكالى أن قلبه يوجد مهيئا بهيئة قلوب جميع الحيوانات التى تتنفس بالهواء فوجد ذلك لما شرح فؤاد الفيل على ما قلت ووقفت أنا على العظم الذى فى قلبه ووجدته بأهون سعى حتى وضعت أصابعى عليه وأصابع أصحابى وأما من حضرنا من الأطباء الأخر فكانوا ممن لا دربة له وكانوا يتوقعون أن يجدوا فى هذا الحيوان العظيم ما لا يوجد فى غيره من الحيوان فلما فتشوا وكثروا التفتيش لم يجدوا هذا العظم وظنوا أن قلب الفيل أيضا ليس فيه عظم وكنت أنا أحب أن أريهم إياه إلا أن أصحابى لما كانوا فيه من السخرية بهم والضحك منهم عند ما وجدواهم عليه من عدم الحس بسبب جهلهم بموضع العظم سألونى وطلبوا إلى أن لا أوقفهم عليه ولا أريهم إياه فامتنعت بهذا السبب من ان أريهم إياه وأوقفهم عليه ولما جاءوا قصابو قيصر فأخذوا فؤاد ذلك الفيل وجهت رجلا من أصحابى ممن له دربة واحتناك فى هذه الأبواب وأشباهها وأمرته أن يسأل أولائك القصابين أن يأذنوا له فى إخراج العظم الذى فى الفؤاد فأجابوه إلى ذلك والعظم عندى إلى يوم الناس هذا وليس هو بعظم صغير المقدار وكل من رآه يعجب وليس يصدق بأن مثل هذا العظم ذهب عن اولائك الأطباء الأخر فلم يقفوا عليه وفى هذا الدليل على أن أعضاء كبارا من أعضاء الحيوانات تذهب عمن لا دربة له فلا يقف عليها وليس يعجب أن يكون ارسطالس أخطأ فى ظنه بأن للقلب فى الحيوانات الكبار ثلاثة تجويفات وفى أشياء أخر كثيرة وإذ كان الأمر على هذا فليس ينبغى أن يتعجب منه أنه أخطأ فى الوقوف على الأعضاء لأنه كان ليس بمحنك ولا مدرب فى التشريح فبهذا السبب ليس ينبغى أن يلام وذاك أنه لما كان من قد يفرد طول عمره لهذا العمل مثل مارينوس قد أخطأ فى أشياء كثيرة فما تراه يعرض لقوم إنما ضربوا أياديهم إلى التشريح بغته فصدقوا بما رأوه من أول دفعة وقبلوه قبولا ولم يروا أنهم يحتاجون إلى معاودته والنظر إليه مرة أخرى أما أنا فأقسم بالله مجتهدا أن أشياء كثيرة مما لم أكن رأيته الذى فى القلب 〈...〉 فإنه لم أكن سمعت من أحد ممن يؤدبنى لا فى أى موضع هذا العظم موضوع ولا إن كان موجودا فى جميع الحيوانات والتمست معرفته والوقوف عليه بأن شرحت القلب وفصلته أجزاء صغارا وذاك أنه سبق إلى ظنى أن هذا الضرب من البحث أحكم وآمن ما يكون فلما وقفت مرة واحدة على أن أصول الأغشية معلقة منه وكذلك منابت الشريانات سكنت نفسى وصدقت أولا أنه لا بد ضرورة من أن يكون هذا الأمر قد قصد له فى الخلقة ونحى نحوه فى جميع الحيوان ثم إنى بعد ذلك عرفت هذا بالتجارب بأن اتبعت وقفوت المنابت الأول التى منها منشأ هذه الأعضاء التى ذكرتها ولكثرة ما باشرت من ذلك بالتجارب صرت أخرج هذا العظم فى أسرع الأوقات بأسهل الوجوه من كل قلب يدفع إلى وصار كثير من أصحابى يقفون على موضع هذا العظم من القلب سريعا وأما من لم يحضر ذلك منى فليتقدم فيتعلم منى بالصفة أمر هذا العظم ثم يأخذ فى مباطشة التشريح فيكشف عن التجويف الأيسر من تجويفى القلب ويفتح جميع منشأ الشريان الأعظم المسمى اورطى بالطول وإنه إن فعل ذلك ثم قفا وتبع أصل هذا الشريان وأصول الأغشية بعناية وتفطن وقف على ذلك العظم ووجده بأهون سعى لأن أصل هذا الشريان وأصل الشريان العرقى وأصل الأغشية التى هى على فوهات هذه الشريانات أيضا جميعها فى عظم القلب والأمر على ما قلت من أنه قد يمكنك أن تنظر إلى هذه الأشياء كلها إذا أنت أخرجت القلب من بدن الحيوان وتنظر أيضا مع هذا إلى الحفر التى هى فى كل واحد من تجويفى القلب بمنزلة الآبار وغورها غور كبير وإن أنت شرحت القلب من حيوان قريب العهد بالموت وفعلت ذلك بعناية وحرص أيقنت وصدقت بأن هذه الحفر نافذة بعضها إلى بعض بأفواه دقاق لا يدركها الحس ويمكنك أيضا عند ذلك أن تنظر إلى العروق التى تحف القلب وتكلله أنها تتقسم منه بضروب شتى من التقسم وتراها موضوعة بعضا إلى جانب بعض ومجراها على الموضع الذى يضام فيه تجويفا القلب واحد للآخر.