Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈السمع والقرع〉

وأما الآن فلنفصل القول فى القرع والاستماع. والقرع فرعان: أحدهما بالفعل، والآخر بالقوة. ومن الأشياء ما لا قرع له مثل النشافة والصوف؛ ومنها ما له قرع كالشبه وما كان كثيفاً أملس من الأجساد، لأنه يمكنه القرع، 〈أعنى أنه يمكنه فى الوسط〉 الذى بينه وبين السمع أن يحدث قرعاً بالفعل. — وإنما يكون القرع بالفعل إذا كان شىء يصدم شيئاً، وذلك أن الضارب هو الذى يفعل القرع. من أجل ذلك لا يمكن القرع أن يكون شيئاً واحداً، والضارب غير المضروب، كذلك المضروب إنما يقرع بصوته شيئاً، والقرع لا يكون إلا بحركة. وقد أخبرنا أن ليس كل ما اصطك من الأشياء حدث عنه قرع، لأن الصوف إذا صك أو صك به لايفعل قرعاً ألبتة، ويفعل ذلك النحاس وكل ما كان أملس مقعراً: أما النحاس فمن أجل ملوسته، وأما المقعر من الأشياء فانما يحدث الصوت عنه من أجل انطواء الجو فيه، ويفعل خفقات كثيرة بعد الخفقة الأولى، ويبقى مسموعاً طويلا، وذلك أن ما دفع القرع من الجو لا يمكنه الخروج سريعاً. وفى الماء قد يمكن القرع، إلا أنه قرع ضعيف. — وليس الجو ولا الماء علة للقرع، لأن القرع يحتاج إلى أجسام كثيفة تصدم الهواء فيصدم بعضها بعضاً. وإنما يكون ذلك إذا ثبت الجو عند ضرب الضارب فلم يتبدد. لذلك إن ضرب ضارب فأسرع وشدد ضربه أجاب الهواء بخفقة، لأنه ينبغى لحركة ضرب الضارب أن تسبق تبدد الهواء، كمن ضرب شيئاً من رمل.

وأما الصدى فانما يكون من جو واحد من أجل الإناء الذى حجز ومنعه أن يتبدد، فيرجع مدفوعاً بمنزلة الكرة. ويشبه أن الصدى أبداً كائن، إلا أنه لا يستبين، وذلك أنه يعرض فى القرع ما يعرض فى الضوء إذ شعاع الضوء أبداً ينثنى راجعاً (ولولا ذلك لما كان ضوء ألبتة، ولكانت ظلمة فى كل ما كان خارجاً عن حد انبساط ضوء الشمس)، إلا أن انثناء الصدى ليس هو بمثل ما يكون من صدى الماء والنحاس أو سائر ذوى الملوسة، إلا أن يفعل ظلا، فيحد الضوء بذلك الظل.

وأما الخلاء فنعم ما قيل إنه المستولى على السماع، فقد يظن بالهواء أنه خلاء وأنه هو الذى يفعل السماع إذا تحرك باتصال الكل. 〈و〉 لسخافته وتخلخله ما كان ليكون سماع، لو لا أن المضروب أملس: وإذا كان المضروب أملس كان الهواء واحداً متصلا — وكذلك حال السطح الأملس.

فما كان محركاً هواءً واحداً متصلا إلى أن ينتهى إلى السمع، فذاك فعال للقرع؛ والهواء مجانس للسمع، والقرع إنما يكون فى الهواء الخارج، فمتى ما تحرك الهواء الخارج فحرك الهواء الداخل فينا، كان سماع. لذاك لم يكن كل حيوان سميعاً، وليس ينفذ الهواء الخارج إلى داخل. على كل حال هو لا لكل عضو محرك ذى نفس — هواء [كالرطوبة للحدقة]. والهواء لا يكون له خفق لأجل سخافته و〈لأنه〉 سريع التفرق والتشذب؛ فاذا عاجله الأمر قبل أن يتفرق كانت حركته قرعاً. وإذا كبت الهواء فى السمع فلئلا يكون منتقلا ولكى يستقصى بحسب إدراكه جميع فصول الحركات. ولذلك لا نسمع فى الماء لأن الهواء لا يصل إلى الهواء المجانس له المركب فينا، ولا إلى السمع يصل من أجل السماخات. وإذا كان هذا، لم يسمع، ولا 〈أيضاً إذا أ〉لم الشغاف، بمثل ما تألم جلدة الحدقة. والدوى الذى يكون أبداً فى الأذن هو القابل على السمع، ولا نسمع: وذاك أن الهواء أبداً محرك فى المسامع حركة خاصة 〈مثل القرن〉. أما القرع فانه 〈يظل〉 غريباً ليس بأهلى. وكذلك يزعمون أن السماع يكون فى الخلاء الذى يحدث عنه وجبة لأنا نسمع حيثما كان الهواء محدوداً.

وينبغى أن نعلم عن أى الأشياء يكون القرع: عن الضارب، أو عن المضروب، أو عنهما جميعاً بنوع من الأنواع؟ وإنما القرع حركة شىء يمكنه أن يتحرك حركة واقع على جسم أملس، فبعد صدمه إياه ينبو راجعاً عنه. وليس كل ضارب أو مضروب يحدث عن اصطكاكهما قرع: كمثل الإبرة للإبرة. ولكن ينبغى للضارب والمضروب أن يكونا أملسين، لكى ينبو الهواء عنهما فى حد اجتماع منه فيتحرك.

فأما فصول ذوى القرع فانما تعرف من الفعل. وكما أن الألوان لا ترى بغير ضوء، كذلك الثقيل والخفيف لا يعرف بلا قرع. وإنما نقول: خفيف وثقيل فى هذا الموضع باسم عارية من أسماء الأشياء الملموسة. لأن الخفيف الحاد يحرك الحس كثيراً فى زمان قليل، والثقيل يحرك الحس قليلا فى زمان كثير، والثقيل بطىء إلا أن أحدهما من أجل السرعة هذه حركته، والآخر من أجل الإبطاء. هكذا يشبه أن يكون فى القرع شىء معادل لما يدركه حس اللمس من الحاد — وهو الأملس، والكهام والململم. وذلك أن الحاد يفعل سريعاً، والململم ينقل فعله؛ فمن أجل أن أحدهما ينفذ فى قليل من الزمان والآخر فى كثير من الزمان يسمى أحدهما سريعاً والآخر ثقيلا.

هذا ما فصلنا فى القرع. فأما الصوت فانه قرع ذى نفس، لأن ما لا نفس له لا يصوت: إنما يقال بالتشبيه كمثل السورناى واللورا وغير ذلك مما لا نفس له وله طنين ولحن ونغمة. فان الصوت له هذه وما أشبهها. وكثير من الحيوان ليست له أصوات، مثل الذى لا دماء لها، أو لها دم ولا تصوت كالسمك. وبحق أن يكون هذا هكذا، إذا كان القرع حركة جو. وما قيل من الحيتان إنها تصوت مثل السمك فى نهر أشالون، فانها تفعل ذلك بمجارى الصدر التى يقال لها برانخيا أو بشىء مما أشبهه. وإنما الصوت قرع حيوان، لا من كل عضو 〈أياً كان〉. فلما كان الذى يحدث عنه بالقرع ضرب بشىء وهو الهواء، وجب أن يكون من الحيوان مصوتاً ما كان قابلا للهواء. وذلك أن الطباع يستعمل الهواء الذى يتنسم به لأمرين، وكذلك استعماله اللسان لأمرين: أحدهما المذاق، والآخر الكلام. فالمذاق لأن الحيوان إليه مضطر (〈ولهذا〉 صار موجوداً فى الكثير)، وأما العبارة فمن أجل الوجود صارت فينا، وكذلك حال الهواء الذى نتنسم نستعمله لأمرين: أحدهما لتبريد الحرارة التى فينا (وقد قلت عنه فى موضع غير هذا)، والآخر لحال الصوت ليكون أفضل وأجود. — فآلة النفس الحنجرة، والعضو الذى من أجله كانت الحنجرة هو الرئة؛ وذوات الشىء من الحيوان أكثر حرارة فى هذا العضو من غيرها. وأول ما يحتاج إلى تنسم الهواء من الحيوان موضع القلب وما أحاط بالقلب. لذلك كنا مضطرين إلى اجترار الهواء داخلا. فالضربة التى تفعلها نفس هذه الأعضاء بالهواء الذى نتنسم به فتصدم به الوريد، فهذه الضربة هى الصوت. وذلك أن ليس كل قرع حيوان صوتا، كالذى قلنا (فقد يكون من اللسان قرع، ويكون من غير اللسان مثل ما يكون حين نسعل)، وإنما يكون الصوت من ضارب ذى نفس مع توهم. وذلك أن الصوت قرع 〈له〉 دليل على شىء، وليس هو قرع الشىء، ولا الذى تنسم به كالسعال: لكنه هو صدمة هواء التنسم هواء الوريد وجرم الوريد. والدليل على ذلك أن المتنفس لا يقدر من الصوت لا فى حد اجتراره الجو، ولا فى حد دفعه إياه. وبهذا يستبين لم كانت السمكة لا صوت لها، لأنه ليس لها حنجرة. وإنما عدمت هذا العضو من أجل أنها لا تقبل الهواء ولا تتنسم به؛ ومن قال إنها متنسمة فقد أخطأ. والكلام فى علة: السمك لم كانت لا تصوت ولا تتنسم — قول غير هذا.