Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈تعليل هذا الحد للنفس〉

والواضح من القول إنما كون من الغامض، والمشروح من المبهم، فلزم الكلام فى النفس أيضاً. فانه ينبغى للحد أن لا تكون فيه دلالة على آنية الشىء فقط دون أن يبين عن علته. وأما فى وقتنا هذا فان الكلام إنما هو كنتائج للحدود؛ وكأن سائلا سأل عن ذى الأربع زوايا: ما هو؟ فيقال له إن ذى الأربع زوايا هو المتساوى الطولين قائم الزوايا متساوى الأضلاع. وهذا الحد هو النتيجة. وأما الحد الذى يقول إن تربيع الزوايا هو وجود الخط الواسطة، فانما يقول نفس العلة.

فنحن مبتدئون بالنظر وقائلون إن الحياة فصل بين ذى النفس وما لا نفس له. وضروب «الحياة» تقال بجهات كثيرة، ولو لم يحضر الشىء منها غير واحد لقلنا إنه حى: وهذه ضروب الحياة: الادراك بالعقل، والادراك بالحس، وحركة الانتقال والوقوف، وحركة الغذاء والنماء والاضمحلال. — وكذلك نرى حياة كل ذى حياة: فقد ظهر للعيان أن للنامية قوى بها تغتذى وبها تضمر فى أما كنها المختلفة. وذلك أن نماءها لا يكون إلى 〈ناحية〉 العلو فقط دون أن يكون إلى ناحية السفل، بل ينمو من الجهتين جميعاً ويغتذى من كل ناحية فتبقى أحياء إلى آخر منتهاها ما كانت بها طاقة لاجتذاب الغذاء. — وهذا الضرب من الحياة قد يمكن مفارقته سائر الضروب، ولا يمكن غيره مفارقته. وهذا ظاهر فى ذى النماء، لأنه ليس فيها قوة واحدة إلا قوة نفس.

فذوو الحياة إنما تحيا من أجل هذه الأولية فيهم. وأما الحيوان فانه يقدم على غيره من الأحياء من أجل حسه. وأما التى لا تتحرك ولا تنتقل عن أماكنها بعد أن يكون لها حس نزعم أنها حيوان ولا نكتفى فى أن نسميها أحياء. واللمس أول ما يكون فى ذوى الأنفس من الحس. وكما أن القوة الغاذية قد يمكنها مفارقة قوة اللمس ومفارقة كل ضرب من ضروب الحس، كذلك يمكن قوة اللمس مفارقة سائر الحواس. وإنما نريد بالقوة الغاذية جزء النفس الموجود فى ذى النماء. وأما الحيوان فظاهر أن لجميعه حس اللمس. وسنخبر أخيراً لأية علة كان هذا هكذا.

وأما الآن فانما نقول بقدر ما يثبت أن النفس أولية لجميع ما ذكرنا، وأنها محدودة بالقوة والحس والتفكر والحركة. ولكن لننظر: هل لكل واحد من هذه التى ذكرنا نفس على حيالها، أو إنما هو جزء نفس؟ وإن كان جزءاً: أمفارق هو بالوهم، أو مفارق بالمكان؟ فالقول فى بعض هذة ليس بعسر، وفى بعضها فيه صعوبة وغموض. وكما أن بعض النامية قد نراها أيضاً بعد أن تتصل ويفارق بعضها بعضا (من أجل أن النفس التى فى أجزائها نفس واحدة، بمعنى الانطلاشيا التى هى تمام لجميعها، وهى أيضاً بمعنى القوة أنفس كثيرة)، فكذلك نراه يعرض فى الفصل الآخر من فصول أنفس الحيوان الذى يسمى أنطوما، فان هذا الضرب من الحيوان إذا قطع فصار أقساماً رأينا لكل جزء من أجزائه حساً وحركة انفعال؛ وإذا كان له حس ففيه توهم وشهوة، لأنه حيثما كان الحس فهناك 〈ألم و〉لذة، وإذن وحيثما كان هذان فهناك بالاضطرار شهوة. — فأما العقل والقوة والتفكر فلم يستبن عنهما شىء بعد. ولكن فى الامكان يشبه أن تكون هذه النفس جنساً آخر، كما أن جنس الأزلى جنس غير جنس الفاسد، وإنه يمكن أن تكون هذه النفس من بين الأشياء مفارقة الأجرام. — وقد استبان من هذه التى ذكرنا أن سائر أجزاء النفس ليست بمفارقة كما قال أقوام؛ وأما أن يكون كل جزء منها غير الآخر بمعنى من المعانى فذلك بين. وذلك أن بعضها حساس، وبعضها مرو، والفرق بين هذين بين، وكذلك سائر ما قيل منها: الواحد غير الآخر. — ينبغى أن نعلم أنا قد نجد جميعها فى بعض الحيوان، ونجد الواحد منها فى طائفة من الحيوان (وهذا الذى يجعل الفصل بين الحيوان). وسننظر أخيراً لأية علة كان هذا هكذا. وقد يعرض أيضاً فى الحواس شىء مقارب هذا، لأنه قد تكون جميع الحواس فى بعض الحيوان، ويكون فى بعضها أكثرها، وفى طائفة لا يكون منها شىء، ما خلا حس اللمس، الذى يكون الحيوان إليه مضطراً.

فاذا كان «الذى به نحيا ونحس» مقولاً على جهتين، كمثل ما يقال بجهتين الشىء الذى به نعلم، فانا نزعم أن الذى به نعلم إما كان علماً، وإما نفساً (فنحن نعلم بالأمرين جميعاً)؛ وكذلك يقال: «الشىء الذى به تصح أبداننا» إما قيل الصحة وإما عضو من أعضاء النفس، فالعلم والصحة شبح وصورة ومعنى، كقول القائل إن فعل الأشياء قابلة التعليم والتصحيح (وإنما يبدو الفعل من الفاعل فى قابل الفعل الذى يألم به فيصير له حال من الأحوال)؛ والنفس فى هذا الذى نحيا 〈به〉 ونحس ونتفكر ابتداء؛ لذلك وجب أن تكون معنى من المعانى، لا كالهيولى ولا كالشىء الموضوع. — فقد أخبرنا أن الجوهر مقول على ثلاثة أوجه: أحدها الصورة ، والآخر الهيولى، وثالثة المجموع منهما؛ وأن الهيولى قوة من القوى، وأن الصورة انطلاشيا، والذى منهما هو: ذو النفس، وأن الجرم ليس تمام النفس؛ ولذلك لن يقع عليه معنى الانطلاشيا، بل النفس انطلاشيا جرم بصفة كذا وكذا. من أجل ذلك أحسن من رأى أن النفس لا تكون بغير جرم، وأنها ليس بجرم، إلا أنها شىء من جرم. ولذلك صارت فى جرم بصفة كذا وكذا، لا كالذى قال القدماء، إذ ضموها إلى الجرم، ثم لم يحدوا أى جرم هو ولا كيف حاله مع ما نرى فى الظاهر من الأشياء أن الشىء لا يقبل ما عارضه من الأشياء على البخت أو كيفما هو، لا أن يكون ذلك على معنى موافقة وملائمة: لأن انطلاشيا كل واحد من الأشياء لا يكون إلا لما فيه من قوة لقبول تلك الانطلاشيا، بأن كان فى هيولى ذلك الشىء 〈تهيؤ〉 لقبولها. — فقد استبان من هذه الأقاويل أن الشىء ذا القوة الموصوف بصفة كذا وكذا له انطلاشيا واحدة.

〈تعليل هذا الحد للنفس〉

والواضح من القول إنما كون من الغامض، والمشروح من المبهم، فلزم الكلام فى النفس أيضاً. فانه ينبغى للحد أن لا تكون فيه دلالة على آنية الشىء فقط دون أن يبين عن علته. وأما فى وقتنا هذا فان الكلام إنما هو كنتائج للحدود؛ وكأن سائلا سأل عن ذى الأربع زوايا: ما هو؟ فيقال له إن ذى الأربع زوايا هو المتساوى الطولين قائم الزوايا متساوى الأضلاع. وهذا الحد هو النتيجة. وأما الحد الذى يقول إن تربيع الزوايا هو وجود الخط الواسطة، فانما يقول نفس العلة.

فنحن مبتدئون بالنظر وقائلون إن الحياة فصل بين ذى النفس وما لا نفس له. وضروب «الحياة» تقال بجهات كثيرة، ولو لم يحضر الشىء منها غير واحد لقلنا إنه حى: وهذه ضروب الحياة: الادراك بالعقل، والادراك بالحس، وحركة الانتقال والوقوف، وحركة الغذاء والنماء والاضمحلال. — وكذلك نرى حياة كل ذى حياة: فقد ظهر للعيان أن للنامية قوى بها تغتذى وبها تضمر فى أما كنها المختلفة. وذلك أن نماءها لا يكون إلى 〈ناحية〉 العلو فقط دون أن يكون إلى ناحية السفل، بل ينمو من الجهتين جميعاً ويغتذى من كل ناحية فتبقى أحياء إلى آخر منتهاها ما كانت بها طاقة لاجتذاب الغذاء. — وهذا الضرب من الحياة قد يمكن مفارقته سائر الضروب، ولا يمكن غيره مفارقته. وهذا ظاهر فى ذى النماء، لأنه ليس فيها قوة واحدة إلا قوة نفس.

فذوو الحياة إنما تحيا من أجل هذه الأولية فيهم. وأما الحيوان فانه يقدم على غيره من الأحياء من أجل حسه. وأما التى لا تتحرك ولا تنتقل عن أماكنها بعد أن يكون لها حس نزعم أنها حيوان ولا نكتفى فى أن نسميها أحياء. واللمس أول ما يكون فى ذوى الأنفس من الحس. وكما أن القوة الغاذية قد يمكنها مفارقة قوة اللمس ومفارقة كل ضرب من ضروب الحس، كذلك يمكن قوة اللمس مفارقة سائر الحواس. وإنما نريد بالقوة الغاذية جزء النفس الموجود فى ذى النماء. وأما الحيوان فظاهر أن لجميعه حس اللمس. وسنخبر أخيراً لأية علة كان هذا هكذا.

وأما الآن فانما نقول بقدر ما يثبت أن النفس أولية لجميع ما ذكرنا، وأنها محدودة بالقوة والحس والتفكر والحركة. ولكن لننظر: هل لكل واحد من هذه التى ذكرنا نفس على حيالها، أو إنما هو جزء نفس؟ وإن كان جزءاً: أمفارق هو بالوهم، أو مفارق بالمكان؟ فالقول فى بعض هذة ليس بعسر، وفى بعضها فيه صعوبة وغموض. وكما أن بعض النامية قد نراها أيضاً بعد أن تتصل ويفارق بعضها بعضا (من أجل أن النفس التى فى أجزائها نفس واحدة، بمعنى الانطلاشيا التى هى تمام لجميعها، وهى أيضاً بمعنى القوة أنفس كثيرة)، فكذلك نراه يعرض فى الفصل الآخر من فصول أنفس الحيوان الذى يسمى أنطوما، فان هذا الضرب من الحيوان إذا قطع فصار أقساماً رأينا لكل جزء من أجزائه حساً وحركة انفعال؛ وإذا كان له حس ففيه توهم وشهوة، لأنه حيثما كان الحس فهناك 〈ألم و〉لذة، وإذن وحيثما كان هذان فهناك بالاضطرار شهوة. — فأما العقل والقوة والتفكر فلم يستبن عنهما شىء بعد. ولكن فى الامكان يشبه أن تكون هذه النفس جنساً آخر، كما أن جنس الأزلى جنس غير جنس الفاسد، وإنه يمكن أن تكون هذه النفس من بين الأشياء مفارقة الأجرام. — وقد استبان من هذه التى ذكرنا أن سائر أجزاء النفس ليست بمفارقة كما قال أقوام؛ وأما أن يكون كل جزء منها غير الآخر بمعنى من المعانى فذلك بين. وذلك أن بعضها حساس، وبعضها مرو، والفرق بين هذين بين، وكذلك سائر ما قيل منها: الواحد غير الآخر. — ينبغى أن نعلم أنا قد نجد جميعها فى بعض الحيوان، ونجد الواحد منها فى طائفة من الحيوان (وهذا الذى يجعل الفصل بين الحيوان). وسننظر أخيراً لأية علة كان هذا هكذا. وقد يعرض أيضاً فى الحواس شىء مقارب هذا، لأنه قد تكون جميع الحواس فى بعض الحيوان، ويكون فى بعضها أكثرها، وفى طائفة لا يكون منها شىء، ما خلا حس اللمس، الذى يكون الحيوان إليه مضطراً.

فاذا كان «الذى به نحيا ونحس» مقولاً على جهتين، كمثل ما يقال بجهتين الشىء الذى به نعلم، فانا نزعم أن الذى به نعلم إما كان علماً، وإما نفساً (فنحن نعلم بالأمرين جميعاً)؛ وكذلك يقال: «الشىء الذى به تصح أبداننا» إما قيل الصحة وإما عضو من أعضاء النفس، فالعلم والصحة شبح وصورة ومعنى، كقول القائل إن فعل الأشياء قابلة التعليم والتصحيح (وإنما يبدو الفعل من الفاعل فى قابل الفعل الذى يألم به فيصير له حال من الأحوال)؛ والنفس فى هذا الذى نحيا 〈به〉 ونحس ونتفكر ابتداء؛ لذلك وجب أن تكون معنى من المعانى، لا كالهيولى ولا كالشىء الموضوع. — فقد أخبرنا أن الجوهر مقول على ثلاثة أوجه: أحدها الصورة ، والآخر الهيولى، وثالثة المجموع منهما؛ وأن الهيولى قوة من القوى، وأن الصورة انطلاشيا، والذى منهما هو: ذو النفس، وأن الجرم ليس تمام النفس؛ ولذلك لن يقع عليه معنى الانطلاشيا، بل النفس انطلاشيا جرم بصفة كذا وكذا. من أجل ذلك أحسن من رأى أن النفس لا تكون بغير جرم، وأنها ليس بجرم، إلا أنها شىء من جرم. ولذلك صارت فى جرم بصفة كذا وكذا، لا كالذى قال القدماء، إذ ضموها إلى الجرم، ثم لم يحدوا أى جرم هو ولا كيف حاله مع ما نرى فى الظاهر من الأشياء أن الشىء لا يقبل ما عارضه من الأشياء على البخت أو كيفما هو، لا أن يكون ذلك على معنى موافقة وملائمة: لأن انطلاشيا كل واحد من الأشياء لا يكون إلا لما فيه من قوة لقبول تلك الانطلاشيا، بأن كان فى هيولى ذلك الشىء 〈تهيؤ〉 لقبولها. — فقد استبان من هذه الأقاويل أن الشىء ذا القوة الموصوف بصفة كذا وكذا له انطلاشيا واحدة.