Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈القوة المحركة〉

فالنفس محدودة بقوتين: إحداهما فاصلة 〈فى〉 الأشياء قاضية عليها، وهى فعل الفكر والحس؛ والأخرى حركة الانتقال عن الأماكن. فهذا تفصيل الحس والعقل؛ فلننظر ما المحرك: أجزء واحد من أجزاء النفس يحرك هذه الحركة وهو جزء مفارق، ومفارقته مفارقة معنى أو مفارقة جسم؟ أم النفس محركة كلها؟ وإن كان المحرك جزءاً من أجزائها: أخاص هو من غير الأجزاء التى من مرادنا أن نقول بها، وهى غير التى ذكرنا؟ أو إنما هو جزء منها؟

وفى هذا الفن مسألة: كيف جاز أن يقول القائل إن للنفس أجزاء، وكم هى. وأخلق بها من هذه الجهة ألا تكون لها نهاية، وذلك أنها لا تقف على ما حصل أقوام فقالوا إنها ثلاثة: فكر وغضب وشهوة، وما قال آخرون إنها ذات نطق وغير نطق. لأنه بقدر الفصول التى فصلوا لها فعرفوا بعضها من بعض — بقدر ذلك بعدت الأجزاء الباقية بعضها من بعض، ونحن قائلون عنها فى وقتنا هذا: ليس يسهل على أحد إثبات القوة الحاسية فى عداد ذوى النطق، أو فيما لا نطق له؛ ومن يرى القوة الغاذية فى جميع الزمان وفى جميع النامية؛ والمعاياة كثيرة فى القوة المصورة للأشياء فى التوهم كيف كانت فى حال غير سائر القوى — وفى 〈أى〉 حال هى وهى شىء واحد، هذا ومثله يلزم من أراد إثبات أجزاء النفس على حد تفرق؛ ومع هذا فانا نجد الشوق وهو الأرب غير هذه الأجزاء جميعاً بالمعنى وبالقوة، ومن القبيح أن نقرنها، لأن الروية فى الفكر، والشهوة والغضب فى الجزء الذى لا نطق فيه؛ وإن كانت النفس ثلاثة أجزاء ففى كل واحد منها شوق وهو الأرب.

ولكن لنرجع إلى ما يلزمنا القول فيه فى وقتنا هذا لتعلم بالمحرك للحيوان حركة الانتقال. فان حركة النمو والنقصان موجودة فى الجميع، وما كان موجوداً فى الجميع فمظنون به أنه داع إلى الغذاء والتولد. — وسنقول أخيراً فى الاستنشاق وإخراج النفس والنوم واليقظة، فان الفحص عنها عويص و〈فيه〉 معاياة كثيرة. — فلننظر ما المحرك للحيوان حركة السير والانتقال. — والدليل أن القوة الغاذية ليست علة انتقال الحيوان أن هذه الحركة إنما تكون أبداً من أجل شىء واحد، ولا تكون إلا مع توهم أو شهوة، لأنه لا يجوز أن يتحرك شىء غير مشتهى أو هارب عنه، إلا أن تكون حركته حركة حفز تضطره. ولو أن القوة الغاذية كانت علة حركة الانتقال، لكانت الشجر متنقلة 〈و〉لكان لها عضو كآلة تليق بهذه الحركة. — وكذلك ليست القوة الحاسة بعلة لهذه الحركة، لأن الكثير من الحيوان ذو حس، إلا أنها راتبة غير متحركة ولا منتقلة، وهى على حال واحدة إلى آخر منتهاها. وإذا كان الطباع لا يفعل شيئاً باطلا ولا يترك شيئاً مما تدعو إليه الحاجة باضطرار ما خلا المنقوص المعلول؛ وليس ما ذكرنا من الحيوان بمنقوص ولا معلول: والشاهد على ذلك أنها تتوالد 〈ويجرى عليها〉 النشوء 〈والانحلال〉؛ فلو كانت حركة الانتقال لا تكون إلا عن الحس، وجب أن يكون لهذا الحيوان أجزاء شبيهة بحركة السير والانتقال أيضاً. — وليس الفكر والعقل محرك الحيوان حركة الانتقال، لأن النظر فى العقل ليس لعمل ولا يقول شيئاً عن المطلوب ولا عن المدفوع، وإنما الحركة أبداً لطالب شىء ولهارب عن شىء. أو لا إذا نظر العقل وفكر فى شىء مثل هذا رأى الأمر بالهرب أو بالطلب؛ وكثيراً ما يتفكر العقل فى شىء مخيف أو فى شىء ملذ فلا يكون الخوف عن أمر ولا للذة حركة؛ فان القلب يتحرك حركة الخوف — وليس ذلك عن العقل؛ وإذا تفكر فى شىء ملذ كان عضواً غير القلب المتحرك حركة اللذة. 〈و〉 لو رأى العقل وأمر الفكر بالطلب أو بالهرب لما كان يحرك العضو عما رآه العقل؛ وإنما يعمل بقدر الشهوة، كالرجل الذى لا يضبط نفسه. وبالجملة أيضاً قد نرى علم الطب فلا يبرئ من المرض، كأن المالك على فعل الشىء غير الصناعة، ولا يفعل ذلك إلا بالصناعة. — وأيضاً ولا الشوق الذى هو أرب فعله حركة الانتقال، لأن الحلماء من الناس قد يشتاقون إلى الشىء يشتهونه ولا يفعلون ما تدعوهم إليه شهوتهم، بل يؤثرون فعل العقل ويتبعونه فينقادون له.