Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈علة الحركة فى الكائنات الحية〉

والذى يظهر لنا أنه محرك الحيوان حركة الانتقال شيئان: أحدهما الشهوة، والآخر العقل (وإن وضع أحد التوهم بموضع الفهم: فكثير من الأشياء يتبع التوهم فيكون عنه بغير علم، وفى سائر الحيوان ليس الادراك إلا بالتوهم وبالفكر). فهذان الاثنان محركان للحيوان الحركة المكانية: وهما الشهوة والعقل. والعقل عقلان: عقل مفكر لعلة ومن أجل شىء، وعقل عن تأمل؛ والفصل بينهما الابتداء من الغاية. وكل شهوة فانما تعرف من أجل، وليس هذه الشهوة بدء العقل الفعال، بل أجزاء العقل الفعال بدء العقل. من ذلك صح أن هذين هما اللذان يحركان الحيوان حركة الانتقال فيما يظهر، وهما: الشهوة والفكر العملى. والمطلوب المشتهى يحرك أيضاً، 〈وما〉 من أجله أن الفكر يحرك، 〈هو أن〉 المشتهى بدء حركة الفكر. — والتوهم إذا حرك لا يحرك بغير شهوة.

والشىء المشتهى محرك واحد؛ ولو كان اثنين (أعنى العقل والشهوة) 〈لكانا〉 يحركان تحريكاً بصورة مشتركة. ولسنا نرى هذا كائناً فيهما، ما خلا العقل فانا لا نراه يحرك بغير شهوة، وذلك أن الروية أرب وشهوة، ويحرك العقل بالفكر فانما يتحرك بالروية؛ وأما الشهوة فانما تحرك بغير فكر — لأن الشهوة إنما هى ضرب من الشوق. وكل عقل فان مذهبه مستقيم؛ فأما التوهم والشوق فان مذهبهما مستقيم وغير مستقيم. من أجل ذلك صار كل شىء مشتهى محركاً، إلا أنه يحرك فيدعو إما إلى خير هو فى نفسه خير، وإما إلى خير فى ظاهر أمره. وليس كل خير خيراً ما خلا المعمول به؛ والمعمول هو الذى يمكن أن يكون بحال غير الحال الذى عمل بها.

فقد استبان أن هذه القوة التى تسمى شوقاً هى المحركة للحيوان حركة الانتقال. وأما الذين جزأوا أقسام النفس فانهم إن جعلوا قسمتها بقدر القوى جعلوها كثيرة العدد: وهى: قوة غاذية، وقوة حاسية، وقوة إدراك بالفهم، وقوة مروية، وقوة مشتهية؛ وبين هذه القوى من الفصل أكثر مما بين الشهوة والغضب. فالشهوة قد يضاد بعضها بعضاً. ويعرض ذلك إذا اختلف الفكر والشهوة (وإنما يكون هذا من الحيوان فى أخذ حس الزمان: والعقل، من أجل العافية، إما منع وإما أمر، فأما الشهوة فمن أجل اللذة إنما تحض عليها أبداً، والشىء اللذيذ إنما يظهر فى الجملة كالجيد، وإنما يكون هذا لترك النظر فى العاقبة) فيرى الشوق محركاً بالصورة أولى هذه المحركات، وهو الشىء المشتهى المطلوب، فانه يحرك ولا يتحرك، من أجل أنه مفعول مصور بالوهم — إلا أن الأشياء المحركات كثيرة فى العدد.

وهى ثلاثة: أحدها الفاعل المحرك، والثانى هو الشىء الذى به يفعل المحرك، وثالثها المتحرك المفعول به. فالحركة على جهتين: أحدهما لا يتحرك فى نفسه، والآخر متحرك منتقل — والخير المعمول به هو الذى لا يتحرك فى نفسه، والمشتاق إليه هو المحرك الفاعل، والمحرك المفعول به، (فالحيوان من أجل جهة الاشتياق متحرك، والشوق ضرب من الحركة ومن الفعل). وآلة الشوق التى بها يحرك الحيوان آلة جسمانية. ومن أجل أنها أجسام فسننظر فيها إذا تكلمنا فى الأعمال التى تجمع حالتى ذى النفس من نفسه وجسده. فأما الآن فإنا نختصر فنقول بايجاز إن المحرك كآلة هو الذى بحال واحدة من بدئه ونهايته، مثل الذى يسمى باليونانية جنجلموس فان فيه أحد وثنية: فأحد هذين نهايته، والآخر بدؤه؛ ولذلك كان أحدهما ساكناً والآخر متحركاً، فهما بالمعنى مفترقان، وليسا مفترقين بالجسم. وكل إنما يتحرك إما بدفع، وإما بجذب. وكذلك ينبغى أن يكون شىء ثابت كالذى نراه فى الفلك، فيكون فيه 〈سكون〉 الحركة منه.

فالحيوان كما قيل شهوانى فى الجملة، ومن هذه صار محركاً بغير توهم. وكل توهم إما كان فكرياً أو حواسياً. وسائر الحيوان ذو توهم.