Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

هذا كتاب أرسطاطاليس وفص كلامه فى النفس ترجمة اسحق بن حنين

المقالة الأولى

〈دراسة النفس وأهميتها وصعوبتها〉

قال: إن المعرفة بالأشياء ذوات السناء والشرف؛ وقد يفضل بعضها بعضاً إما لاستقصاء النظر ولطافة المذهب، وإما لجليل فضل بعضها وأعجوبتها. فالواجب علينا تقديم خبر النفس من أجل هاتين الصورتين. وذلك أن المعرفة بها قد توافق كل حق، لاسيما العلم بالفرع، وذلك أنها كأولية للحيوان. — وطلبنا أن نفهم ونعلم طباعها وجوهرها أولاً، وبعد ذلك أن نعلم ما الأشياء العارضة لها، وأيها أعراض خاصتها، وأيها مشاعة بينها وبين الحيوان.

وعلى كل حال، إن إثبات الممتنع فيها لمن أشبه الأمور اعتياصاً، لأن هذه المطالبة، (أعنى المعرفة بالجوهر وما هو)، يعم أشياء كثيرة، وعسى أن يقول القائل إن التوصل إلى معرفة جميع ما نريد من علم الجواهر إنما يكون بمسلك واحد (كمسلك البرهان الشارح لنا حال أعراض الذات)، من أجل ذلك نطلب هذا النظر. فانه إن لم يكن طريقاً واحداً فى معرفة آنية الشىء، فذلك أحرى أن يكون أعسر فى المخض والنظر، لأنا عند ذلك نحتاج أن نأخذ إلى كل مسلك مأخذاً على حياله. وإن كان هذا المسلك واضحاً نظرنا: أبرهان هو، أو قسمة، أو مسلك آخر غير هذين. وبعد فان فيه غموضاً كثيراً وغلطاً فى نفس الطلب كتعلم من أى من الأشياء ينبغى أن يكون: لأن أوائل الأشياء مختلفة، كمثل أوائل الأعداد وأوائل السطوح.

أولى ما يلزمنا من قسمة النفس أن نعلم فى أى الأجناس هى، وما جنسها: أجوهر أو كيفية أم كمية أم ضرب آخر من ضروب لنعوته التى قد جزئت. — وأيضاً من أى الأشياء هى: التى تعرف بالقوة، أومن الموجودات بالفعل؟ فان الفصل بين هذين ليس بصغير. — ولننظر أيضاً: هل النفس ذات أقسام، أم لا أقسام لها؟ 〈وهل النفوس كلها من نوع واحد أو ليست من نوع واحد〉؟ وهل فصل 〈ما بينها〉 بالصورة هو أم بالجنس؟: فان الذين تكلموا فى النفس وفحصوا عنها فى برهنتنا هذه لم يفحصوا إلا عن النفس الناطقة وحدها. — ونحن نمتنع من ذلك لئلا يذهب علينا إن كان المعنى فيها وفى غيرها بمعنى واحد جنسا كالمعنى فى الحيوان، أو إنما المعنى فيها معنى خاص مفرد كمعنى الانسان غير معنى الفرس، ومعنى الفرس غير معنى الكلب، 〈وغير معنى الإله؛ وفى هذه الحال الحيوان عامة إما أن يكون ليس بشىء، أو يكون متأخراً لاحقاً. والمسألة عينها توضع أيضاً بالنسبة إلى كل محمول مشترك نضعه〉. — وأيضاً إن تكن الأنفس كثيرة، أو إنما هى أجزاء نفس واحدة؟ فأى الأمرين ينبغى أن نقدم فى طلب الفحص عن النفس كلية أو عن أجزائها؟ وقد يصعب أيضاً تفصيل بعضها من بعض إلى أن نعلم أى الأمرين ينبغى أن نقدم: الفحص عن الأجزاء أو عن أفعالها: كقول القائل ينبغى أن يقدم العقل أو إدراكنا به، ويقدم الجزء الحاس أو يقدم تفاعلنا به، فكذلك يلزمنا القول فيما بعد ذلك. — وإن كانت أعمال أجزاء أولى أن تقدم فى الفحص على غيرها، فجائز لسائل أن يسأل: أيها على اختلافها يقدم: المحسوس أم الحاس؟ والمعقول أم العاقل؟ العلم ببدء الشىء ومائيته معين على معرفة علل الأعراض العارضة فى جوهر (كالتى نرى فى الأشياءالتعليمية: فان العلم بما المستقيم من الخطوط والأعوج وما الخط والسطح معين على معرفة لكم قائمة تساوى زوايا المثلث)، والعلم بحد الشىء وبما هو ليس يعين على هذا فقط، بل يعين على المعرفة بنفس الأعراض، ومعرفة الأعراض جزء عظيم فى علم تحديد الشىء، لأنا إذا وجدنا السبيل إلى الاجابة فى الأعراض: إما عن كلها وإما عن أكثرها، على ما فى التوهم، فعند ذلك ما نجد السبيل إلا أن نقول قولا جيداً فى الجوهر. وما نحن قائلون فى ذلك أن ابتداء كل برهان إنما هو تحديد الشىء والمعرفة بماهيته؛ من أجل ذلك أى حدود لم تقدمها المعرفة بالأعراض، فليس يسهل أن نقيس عليها وإن كانت جميعاً بالاتفاق والهذر.

وقد تجد المسألة عن التغيير العارض للنفس لتعلم إن كانت جميع التغايير والآفات المغيرة لها شائعة بينها وبين ما هو لها، أم منها ما هو خاص للنفس؟ فنحن مضطرون إلى علم هذا، وإن لم يكن بسهل. وأكثر هذا التغيير لايظهر من النفس 〈أنها〉 فعلت أم ألمت بدون الجسد: مثل ما نرى من الغضب والشهوة، وبالجملة لا يكون الادراك بالحس بدون الجسم. كذلك الادراك بالعقل فانه يشبه أن يكون خاصاً بالنفس، إن كان عرض بضرب من ضروب التوهم أم لم يكن بغير توهم، فليس يمكن أن يكون دون الجسد. — فان كان فعل من أفعال النفس خاص هو أو من التغير العارض لها، فيعنى الامكان أن تكون مباينة للجسم؛ وإن لم يكن شىء خاص لها، فليس بمباينة، بل هى بمنزلة الشىء المستقيم الذى تعرض له أشياء كثيرة منها أن يماس كرة الصفر على نقطة: وما كان على حد مباينة فليس بماس، والاستقامة نفسها فليست بمباينة الجرم لأنها أبداً معه. وكذلك يشبه ألا يكون جميع تغيير النفس إلا مع الجرم: كمثل الغضب والهمود والفزع والرحمة والشجاعة والفرح والبغضة والمودة؛ فان البدن قد يتغير بعض التغيير إذا عرضت له هذه الآفات. والدليل على ذلك أنه ربما عرضت لنا أعراض ظاهرة وقوية لم نجزع من أجلها ولم نغضب، ثم يصيبنا ذلك على صغير الأعراض وخفيها إذا كان الجسد هائجاً كالذى يكون فى موضع الغضب الصحيح. وهذا أكثر ما يتأتى عند تخوفنا بغير عارض مخيف. إذا كان هذا هكذا، فقد ثبت أن التغيير العارض للنفس إنما هو تضليل فى الهيولى. — ومن أجل ذلك وجب أن تكون الحدود ملائمة لتلك العوارض فى معانيها وعللها: كقول القائل إن الغضب حركة من حركات الكل أو كذا ولجزء من الأجزاء أو لقوة من القوى كانت عن كذا من أجل كذا. — ولذلك لا يليق النظر فى النفس الكلية أو الجزئية إلا بمن كان بحاثاً عن الطبيعة 〈سواء كان النظر متعلقاً بالنفس كلها أو بالنفس كما نصفها〉. والذى يصوب عليه تحديد الطبيعى غير ما يحده صاحب الجدل والبلاغة، لأن أحدهما يزعم أن الغضب شهوة الانتصار أو ما أشبه ذلك، والآخر يحد الغضب بأنه غليان الحرارة أو غليان دم القلب المحيط به. فأحد هذين إنما قال بالهيولى، والآخر قال بالصورة والمعنى: فـأحدهما يقول قوله من معنى، والآخر يقول من نفس الشىء: وما كان كذلك 〈كان〉 بالاضطرار أنه فى هيولى لها حال من الأحوال. وكذلك يحد أحدهما المنزل فيقول: إنه سترة مانعة من أضرار الرياح والأمطار والحر والبرد. والآخر يحد المنزل فيقول بأنه تأليف من صخور ولبن وخشب؛ وهنالك حد آخر يقال بالصورة وما من أجله كانت الصورة. فمن 〈من〉 هؤلاء العالم بالأشياء الطبيعية؟ القائل بالهيولى، وهو جاهل بمعنى الكيفية وحده، أو القائل بمعنى الكيفية وحده؟ والجامع للأمرين جدير أن يكون أعلم بالأشياء الطبيعية. وأما المتقدمون فليس منهم أحد يدخل فى حده الأعراض المغيرة للهيولى لا الزائلة منها ولا اللازمة الثابتة، ما خلا حد الطبيعى فانه يأتى على جميع ما هو للجرم بما فيه من الكيفية وبما للهيولى من الأفعال والأعراض. وما لم يكن بهذه الحال من الجلوة فهو حد مثل صاحب الصناعة: طبيباً كان أو نجاراً، فانه لا يضع حده أحداً من الأجزاء. والرجل العلومى يحد الشىء بتوهم رفع أعراضه عنه التى هى لجرمه، والفيلسوف الأكبر يحد الشىء بمباينة الهيولى وتعريته إياه منها.

ولكن لنرجع إلى مخرج كلامنا أولاً: فقد قلنا إن التغيير العارض للنفس والآفات التى تغيرها ليست بمفارقة طينة الحيوان الطبيعية؛ والتغيير هو بالغضب والفزع وما أشبه ذلك وليس حال هذا التغيير من النفس بحال الخط والسطح من الجرم.