Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈الجسم الحى مركب — اللمس ودوره الرئيسى〉

قد استبان أنه لا يمكن أن يكون جرم الحيوان مبسوطاً، لا نارياً ولا هوائياً؛ لأنه لا يمكن الشىء أن يكون له حس من الحواس بغير لمس. وذلك أن ذا النفس من الأجرام لا يكون إلا ملامساً كما قيل أولا. والجميع، ما خلا الأرض، قد تكون حاسة. إلا أن تكون كلها تفعل حساً وتدرك ما كان الهواء لها بالمتوسط بينهما. وإن اللمس يفعل بالملاقاة والمشاهدة، وعلى هذا دل اسم اللمس باليونانية. وسائر الحواس قد تلامس، إلا أنها لا تفعل ذلك بذاتها دون المتوسط بينها وبين ما أدركت، وإن اللمس وحده ليدرك الأشياء بذاته. لذلك لم يكن جرم الحيوان من واحد من الاسطقسات. — فان اللمس كتعديل جميع الأشياء الملموسة، وعضوه يقبل مع فصول الأرض فصولا مثل فصول الحار والبارد وسائر الملموسة كلها. ولذلك لسنا نحس ولا ندرك شيئاً بعظامنا أو بأظفارنا، أو ما شاكل هذه الأجزاء لأنها من الأرض وحدها. ومن أجل ذلك لم يكن للشجر 〈شىء〉 من الحس، لأنها أيضاً من الأرض. ولا يمكن شيئاً من الحواس الكون دون حس اللمس، وليس هذا الحس للأرض ولا لشىء من سائر الاسطقسات.

وقد استبان أن الحيوان إذا عدم هذا الحس مات. وليس يمكن شيئاً من الأشياء اتخاذ هذا الحس إلا أن يكون حيواناً. ولا يمكن الحيوان أن يكون له حس آخر بغير هذا الحس. ولذلك لم تكن سائر المحسوسة، وإن أفرطت، بمفسدة للحيوان كاللون والقرع والرائحة، ما خلا إفساد الحواس وحدها (إلا أن يعرض عارض فيكون مع القرع دفع فتتحرك أشياء اخر مع الرائحة واللون فيفسد اللمس). والكيموس ، إذا كان مماساً بالعرض، عند ذلك يفسد ويهلك الحيوان فرط جميع ملموسة الحارة والباردة والجاسية. وإذا كان فرط كل محسوس مفسداً حسه المدرك له، ففرط الملموس مفسد اللمس، اللمس الذى يفصل كل ما يحيا: فقد أثبت البرهان أنه لا يمكن الحيوان الحياة بغير حس اللمس. ولذلك صار فرط الملموسة يفسد الحيوان مع فساد الحواس، لأن الحيوان مضطر إلى هذا الحس وحده.

وأما سائر الحواس كالذى قلنا بدءاً، 〈فـ〉ـيصرن فيه من أصل الكون بالتجويد للكون، كقول القائل: إن البصر إنما صار فيه ليكون ناظراً فى الجو وفى الماء وفى كل ذى صفاء؛ وإن المذاق كان فيه من أجل اللذيذ والسمج ليكون دراكاً له بحسه فى حد الطعم، ويشتهى، ويتحرك؛ وإنما كان السمع فيه ليستدل به على سائر الأشياء ذوات القرع؛ وكذلك صار اللسان فيه ليجيب به غيره بالكلام والحديث.

بحمد الله وحسن توفيقه تمت المقالة الثالثة من كتاب أرسطاطاليس «فى النفس» وهى آخر الكتاب. والحمد لله رب العالمين