Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

〈نظرية النفس — تأليف، ونظرية النفس عدد محرك لذاته〉

وقد قيل فى النفس قول آخر قد أقنع الكثير من الناس، وليس [هو] يرون غيره مما قيل فيها والحجج لازمة له مثل ما يلزم أهل الخصومة فى مواضع الحكومة. وهذا قول من رأى هذا الرأى: زعموا أن النفس من التأليف، والتأليف إنما هو مزاج وتركيب من أشياء مختلفة؛ وكذلك الجرم مركب من أشياء مختلفة. — إلا أن التأليف معنى من المعانى أو تركيب أشياء قد خلطت. وليس يمكن النفس أن تكون أحد هذين. — وأيضاً ليس التحريك من التأليف بشىء، والجميع يخص النفس بهذا ويقول إنها محركة. وإنما يحسن أن يشبه التأليف بصحة البدن وبالفضائل التى تعرف بالأجسام، ولا يليق ذلك بالنفس. — وإنما يستبين ذلك جيداً وما فيه من الصعوبة إن أحد رام 〈جعل〉 تغير النفس العارض لها وما يظهر من أفعالها 〈قائماً〉 على التأليف.

وإذا قلنا تأليفاً فانما نقصد شيئين بالحقيقة: أحدهما الجسم الذى له حركة وضرب من ضروب الانتصاب، والآخر نريد به تركيب الأجسام التى إذا ألفت لم يمكنها أن تقبل بينها شيئاً من جنسها؛ ومعنى ذوى الخلط من الأشياء داخل فى هذا. وليس فى هذين شىء يليق بمعنى النفس. وقد يمكننا الفحص إمكاناً كثيراً عن تركيب أجزاء الجسم، لأن تراكيبها كثيرة فى عددها، كثيرة فى وجوهها: فأى تركيب ينبغى أن يظن بالعقل؟ وكيف ذلك، إلا أن نقول إن تركيبه من القوة الحاسة والقوة المشتهية؟ — وكذلك قد يغبى على الناظرين كيف يكون معنى 〈أن〉 الخلط نفس، فان معنى خلط العناصر فى جزء اللحم وفى جزء العظم واحد؛ تم يعرض من ذلك أن يكون فى كلية الجرم أنفس كثيرة، إذ جميع الأعضاء من خلط العناصر، ومعنى خلطها تأليف ونفس.

وقد يمكن [من] أن نؤاخذ أنبادقلس بقوله إن كل واحد من الأعضاء له معنى من معانى الخلط، فنقول له: معنى التأليف هو النفس، أو النفس شىء آخر حال فى الأعضاء؟ ويسأل أيضاً أنبدقلس فيقال له: المودة التى قلت بها أهى علة الخلط كيفما كان الخلط، أو إنما هى علة للمحمود منه المقدر؟ وهذه العلة هى بمعنى الخلط أوهى شىء غير ذلك المعنى؟

هذه المعاضلات والمسائل تلزم من قال بهذا القول. وإن كانت النفس شيئاً غير معنى الخلط، فلم، مع فساد صورة اللحم، وتفسد صورة سائر أعضاء الحيوان؟ ومع هذا إن لم تكن نفس لكل واحد من الأعضاء، وليس لمعنى الخلط نفس، فما الذى يفسد عند مفارقة النفس؟

فقد استبان واتضح مما قد قيل إنه لا يمكن النفس أن تكون تأليفاً، ولا أن تتحرك حركة الدور، كما ذكرنا آنفاً. — 〈أما〉 أن تتحرك بالعرض، وأن تحرك نفسها: كذلك أنها تتحرك فى الشىء الذى هى فيه، وذلك يتحرك بتحريكها إياه، 〈فهذا ممكن〉؛ وليس يمكنها أن تكون متحركة حركة المكان بغير هذه الجهة. — وأحق الأشياء بمن عانى فى المسالة بأمرها وتحريكها النظر فى أحوالها عن الحزن والفرح، والاقدام والتخوف، والغضب والتفكر، والادراك بالحس، فقد نراها فى جميع هذه الأحوال، وبهذه الأحوال لها حركة غير مدفوعة. ولذلك يظن الظان أن النفس تتحرك فى هذه الأحوال. وليس ذلك باضطرار. لأنه، وإن كان الحزن والفرح والتفكر ضرباً من ضروب الحركات، وكل واحد منها بشىء متحرك، إلا أن المتحرك إذا حركته للنفس: فالغضب والخوف يكونان بنمو القلب وانخفاضه، والتفكر أيضاً إما كهذين وإما شىء آخر، وبعض هذه الأعراض قد يكون بانتقال أشياء متحركة، وبعضها باستحالة وتغيير (فأما ما هى وكيف تكون — فذلك قول آخر)؛ وقول القائل إن النفس تغضب بمنزلة قول القائل إن النفس تنسج أو تبنى. وعسى أن يكون الأصلح ألا يقال إن النفس تفرح أو تتعلم أو تفكر، بل يقال: إن الانسان يفعل كل ذلك بالنفس، وليس ذلك لأن الحركة تصير اليها فتصير فيها، بل مرة تنتهى فتبلغها كمثل الحس الذى يؤدى اليها عن الأشياء، ومرة تكون الحركة منها إبتداءً مثل التذكر للشىء: فانه يكون منها: فاما بقى فيها فلم ينفذ إلى غيرها، وإما أتى على حركات الحواس فغيرها. — فأما العقل فيشبه أن يكون سبباً للنفس ثابتاً غير فاسد. ولو فسد لعرض ذلك له فى وقت الكبر. وإنما يعرض العارض كمثل ما يعرض فى الحواس. ولو كان للشيخ الكبير السن بصر جديد لأبصر كمثل ما يبصر الشاب. فالكبر هو العلة. وليس ذلك لأن النفس ألمت ألماً، بل إنما ألم الشىء الذى النفس فيه، كالذى ترى من حال الفكر والفهم فى أوقات الأمراض والسكر: فانهما يضعفان. وليس ذلك لفساد الشىء الذى داخل، فان ذلك لا يألم ولا يتغير. وليس التغير فى حد التفكر والود والبغضة أعراضاً لذلك، بل إنما هى أعراض للشىء والحامل الذى فيه من الجهة التى يحمله. ولذلك إذا فسد الحامل لم تذكر النفس ولم تود، لأن هذه الأحوال ليست لها، وإنما هى لحاملها التابع الذى إذا فسد أفسدها، فأما العقل فيظهر أنه روحانى لا يألم.

من هذا الكلام قد استبان لنا أنه لا يمكن النفس أن تكون متحركة، وإن كانت لا تتحرك ألبتة فلا شك أنها إن تحركت لم يكن ذلك من تلقائها.— ومن قال إن النفس عدد محرك نفسه فقوله أكثر جهلا ممن قال بالأقاويل التى حكينا؛ وذلك أنه ليس فى قوله إمكان: وأول ذلك ما يعرض من قول القائل إنها متحركة، وإنها عدد. — فليقل صاحب هذا القول: كيف ينبغى لنا أن نفهم واحداً عدداً متحركاً؟ وأى شىء حركته؟ وكيف ليس له أجزاء ولا فصل؟ وإذا كان الواحد بزعمه محركاً 〈ومتحركاً معاً〉، فمن جهة تحريكه ينبغى أن يكون له فصل. — وإذا كانوا يقولون إن الخط إذا تحرك فعل سطحاً، والنقطة تفعل خطاً، فحركات الآحاد تصير خطوطاً، لأن النقطة إنما هى واحد له نصبه؛ فاما عدد النفس فأين هو، وأى نصبة له؟ — والعدد إذا أخرج أحد منه زوجاً أو فرداً واحداً، فسيبقى عدد ما غير ما أخرج من المخرج. وإن الشجر وكثيراً من سائرالحيوان بعد التجزئة يبقى حياً، وتبقى فيه النفس التى لصورته. — وليس بين قول القائل: آحاد، وبين قوله، أجسام لطاف — فرق، لأن الهباء، وهى الأجزاء المستديرة التى قال بها ذيمقراط متى صارت منها نقط محفوظة كميتها، كان فى تلك الكيفية شىء محرك فاعل، وهى متحرك مفعول به كالذى يكون فى الجسم المتصل. وليس يحدث ذلك من أجل الفرق الذى بينهما فى العظم والصغر، إلا بحالة نفس الكمية. ولذلك وجب بالاضطرار أن يكون شىء محركاً للآحاد. وإذا كان المحرك الموجود فى الحيوان هو النفس، فهى إذاً محرك العدد. ولسنا نقول: إن بالجسم شيئين: محرك فاعل ومحرك مفعول به، بل إنما هى محركة فاعلة فقط. وكيف يمكن النفس أن تكون أحداً فرداً واحداً؟ والواجب أن يكون بينها وبين سائر الآحاد فصل. فأما النقطة الوحدانية فأى فصل لها، ما خلا النصبة؟ — وإن كانت آحاد أخر فى الجسم، فستجتمع الآحاد والنقط فى مكان. وليس من مانع يمنع أن يجتمع منهن اثنان أو ما لا عدد له؛ فما لا قسمة لمكان فهو أيضاً لا تجزئة له. وإن كانت النقط التى فى الجرم هى عدد النفس، والنفس عدد نقط الجرم — إن كان هذا هكذا، فلم 〈لا〉 تكون نفس لجميع الأجرام؟ فجميعها ذوات نقط لا غاية لها. وأيضاً كيف يمكن النقط أن تباين الأجساد وأن تتبرأ منها، إلا أن تتجزأ الخطوط والنقط؟