Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: De Anima (On the Soul)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

المقالة الثانية من كتاب النفس

〈حد النفس〉

قد قيل ما ذكر القدماء فى النفس مما تأدى إلينا فعلم أيضاً كأنا مبتدئون، ولزم أن نحد النفس ما هى، وما القول الجامع المستفيض فيها.

يزعم أن الجوهر جنس من أجناس الأشياء، وأن بعضه كهيولى غير قائم بنفسه ولا مشار إليه؛ وبعضه شبح وصورة بها يشار إلى الشىء فيقال: هذا! وثالث هذين المجموع منهما. فالهيولى قوة من القوى، والصورة هى انطلاخيا، يعنى التمام. وذلك على جهتين: أحدهما كعلم بوجود، والآخر كالتفكر.

والأجرام حق ما قيل إنها جواهر، ولاسيما الطبيعية منها، لأنها المتقدمة على غيرها. فمن الأجرام الطبيعية ما له حياة، ومنها ما ليس له حياة؛ وإنما تعنى «حياة» لما كان له بنفسه غذاء، ونماء ونقص. فكل جسم طبيعى حى فذلك لا محالة جوهر مركب. فلما كان الجرم نصفه كذا وكذا 〈أى أن فيه〉 حياة، لم يجب أن يكون نفساً، لأن الجرم ليس من المقولة على شىء موضوع، بل هو كموضوع وهيولى. فالنفس بالاضطرار جوهر كصورة جرم طبيعى له حياة بالقوة. والجوهر انطلاشياً. والانطلاشيا على جهتين: أحدهما كعلم بوجود، لأن النوم واليقظة إنما يكونان بوجود النفس، واليقظة معادلة التفكر، والنوم معادل للجدة بغير فعل. والعلم من جهة الكون حرى من أن يكون مقدماً. من أجل ذلك صارت النفس انطلاشيا، وهو أول تمام جرم طبيعى ذى حياة بالقوة، والجرم له صفة كذا وكذا كقولك إنه آلى. وكذا 〈أجزاء〉 النبات آلات إلا أن آنيته مبسوطة، والورق أغطية ساترة قشور الثمار، والقشور أغطية للثمار؛ والأصول معادلة الأفواه، من أجل أن الأفواه والأصول يجذبان الغذاء كلاهما. — وإن كان ينبغى أن نقول قولا جامعاً مستقصى فى كل نفس، فالنفس انطلاشياً الأولى — أى أول تمام — جرم طبيعى آلى. — وليس ينبغى للطالب أن يطلب إن كانت النفس والجرم شيئاً واحداً، كما أنه لا ينبغى الطلب فى إن كان الموم وطبعته شيئاً واحداً، وكذلك لا ينبغى أن نسأل عن الهيولى وعما هى له إن كانا شيئاً واحداً. فالذى هو وأنه مقولان على جهات كثيرة، وأصحها معنى الانطلاشيا.

ففى الجملة قد قيل ما النفس وأنها الجوهر على ما فى الحد، والحد هو الدليل على ما هو الشىء فى آنيته، فانه فى جرم صفته كذا وكذا؛ كالذى يرى من الآلة، فانه ليس من الآلة شىء إلا وهو جرم طبيعى، كمثل المعول فان المعول من جهة هيولاه له آنية، وكذلك النفس. فمتى فارق المعول جوهره وطينته لم يكن معولا إلا بالاسم المشترك، وهو الساعة معول. فصفة الجرم بكذا وكذا ليست بدليلة على ما هو فى آنيته من الحد والنفس، ولكن ذلك صفة شىء طبيعى له فى نفسه حال من الأحوال فى الحركة والوقوف.

وينبغى أن ننظر كيف يكون هذا فى الأجزاء، لأن العين التى نبصر بها لو كانت حيواناً كانت نفس الحيوان بصراً، لأن ما يجوز فى حد النفس هو دليل على جوهر العين، وإنما العين طينة البصر، متى ما بطلت هذه الطينة لم تكن عين ألبتة إلا باشتراك الاسم، مثل العين التى نقول إنها من حجر أو مصورة فى الحائط. وما قلنا فى الجزء ينبغى أن نقول به على كلية الجرم الحى: فكما أن الجزء يعادل الجزء، كذلك يعادل الحس جميع البدن المدرك بحسه.

وإذا نحن قلنا فى الشىء إنه ذو قوة ليحيا لم نعن شيئاً لا نفس له، بل نعنى بهذا القول ما له نفس. والبذر والثمر هما بالقوة جرم، فانه شىء ذو قوة. وكما أن القطع من القاطع والنظر من العين، كذا اليقظة انطلاشيا؛ والنفس هى مثل البصر والقوة التى هى فى الآلة؛ فأما الجرم فانه شىء ذو قوة. وكما أن الحدقة هى العين والبصر، كذلك النفس والجرم هما الحيوان.

فقد استبان أن النفس ليست مفارقة الجرم ولا شىء من أجزائها، وذلك أن انطلاشيا بعض الحيوان إنما يكون لأجزائها، ولم يستبن بعد إن كانت النفس انطلاشيا للجرم، مثل راكب السفينة.

ولكن يجعل أن النفس على المجاز بهذه الحال بجهة التمثيل.