De Anima (On the Soul)
〈البصر والمبصرات〉
فما اختص من الأشياء بالبصر فذلك منظور إليه. والمبصر لون، أو ما لا شبيه له فى القول: وسيستبين ما نقول إذا تقدمنا إلى ما بين أيدينا. لأن المنظور إليه لون، واللون من الأشياء التى ترى بذاتها. والذات فى هذا الموضع ليس بعلة، بل العلة فيه التى صيرته منظوراً إليه. وكل لون فهو محرك صفاء الوجود بالفعل، وكذلك طباعه. من أجل ذلك ليس هو بمبصر بغير ضوء ألبتة كل لون، إنما هو مبصر فى الضوء. لذلك فلنقل أولاً ما الضوء.
إنه شىء ذو صفاء. وهذا الصفاء فى الجملة شىء منظور إليه لا بذاته، وإنما ينظر إليه بسبب لون غريب داخل عليه؛ وكذلك الهواء، والماء، وكثير من الأجساد الكثيفة، لأن الهواء والماء ليسا من الجهة التى هما فيهما هواء وماء صار لذوى الصفاء صفاء، ولكن فيهما جميعاً طباع له هذه الحال، وكذلك الجسم الأعلى الروحانى. فالضوء فعل هذا الصفاء، وهو أيضاً ظلمة فى القوة. وأما الضوء فهو لون الصفاء إذا صار بالفعل؛ والذى يصيره هكذا إما النار، أو ما أشبه النار كالجرم الأعلى، فان لذلك شيئاً مفرداً بحال واحدة غير منصرف. — وقد قيل ما الصفاء وما الضوء، وأنه ليس بنار ولا جرم ألبتة، ولا صبيب من نار (ولوجب أن يكون جرماً لو كان بهذه الحال)، ولكنه يظهر فى الصقيل بحضور النار، أو ما أشبه النار: وليس يمكن لجسدين أن يكونا معاً فى الشىء بعينه.
وقد يظن أن الضوء ضد الظلمة، وأن الظلمة عدم جدة الضوء من الصقيل؛ ولا محالة أن حضوره هو الضوء. — ولم يحسن أنبادقلس ولا غيره ممن زعم أن الضوء يصير بين الأرض والهواء، فيذهب ذلك علينا ويخفى. وهذا القول يخالف العيان ويخالف معنى الحق لأنه لو كانت المسافة صغيرة جاز أن يخفى، فأما مسافة بعدها ما بين المشرق إلى المغرب فليست بصغيرة.
فما ليس له لون فذلك قابل اللون، وما لا قرع له فذلك قابل القرع. والصفاء لا لون له وليس بمبصر أو مبصر بعد عسر كما ترى الشىء المظلم. وهكذا حال الصقيل ما لم يكن حال صفاء بالفعل، لأن نفس طباعه هى مرةً ظلمة، ومرة ضوء. — وليس جميع الأشياء مبصرة فى الضوء، ما خلا لون الشىء الخاص به. وذلك أنا لا نرى طوائف من الأشياء إذا كانت فى الضوء، وقد يمكننا رؤيتها إذا كانت فى ظلمة: وهى الأشياء النارية المضيئة (وليس لمثلها اسم خاص لجميعها) ومنها قرن حيوان يقال له موقس ورؤوس من رؤوس السمك وأعين من أعينها وقشور من قشورها. وليس شىء من هذه يرى لونه فى الضوء، أعنى اللون الذى هو خاص له. فان قال قائل: لأية علة لا تبصر هذه؟ فذلك قول آخر. — وأما فى وقتنا هذا فقذ استبان أن الذى يرى فى الضوء هو اللون، ولذلك لسنا نرى بغير ضوء. ومن هذه الجهة تحد آنية اللون بأنه محرك ذا الصفاء بالفعل؛ وفعل الصقيل الضوء. — والشهادة القاطعة على هذا أنه لو أخذ أحد شيئاً ملوناً فوضعه على بصره لما أبصره شيئاً، لأن اللون يحرك صقيل الجو، وباتصال الهواء يتحرك الحس. — لم يكن يحسن ذومقراط إذ ظن أن المسافة بين الناظر والمنظور إليه إذا كانت خالية استقصى الناظر النظر، ولو كانت نملة فى السماء. وهذا ما لا يمكن. لأن الحس إذا 〈تألم〉 بضرب من الضروب كان منه النظر؛ وليس يمكن أن يألم من اللون وحده — فيبقى أنه إنما يألم من الشىء المتوسط ما بين المتلون والناظر: ولهذا يجب أن يكون بالاضطرار شىء واسط. وإذا كان المتوسط خالياً، فالناظر لا يذهب عليه الاستقصاء فقط، بل ألبتة لا يرى شيئاً.
قد قيل لأية علة كان اللون، بالاضطرار، غير مبصر إلا فى الضوء. وأما النار فمدركة رؤيتها فى الظلمة والضوء؛ وذلك بالاضطرار، لأن صقل الجو إنما يكون بالنار وما أشبهها.
وهذا القول بعينه يجرى على هذا المجرى فى القرع والرائحة، لأنه ليس منهما شىء يفعل حساً بمماسة العضو الحاس، وإنما تتغير المسافة الواسطة بالرائحة والقرع، ثم تتغير الحواس المدركة لها باتصال المسافة بها. فأما إن وضع أحد شيئاً مصوتاً على السمع، أو وضع ذا رائحة على منخره لم يدرك بحسه شيئاً منها. — وكذلك يجرى القول فى اللمس والمذاق، إلا أنه ليس بظاهر. وسيتضح كيف ذاك أخيراً، ولأية علة كان هذا هكذا. — وأما المتوسط بين الصوت والسامع فانه الهواء، وليس للمتوسط بين الشام والمشموم اسم. وذاك أن هناك عرضاً يجمع الهواء والماء فى حال الاشتمام بقدر كما أن الصفاء للون، كذلك ما فى هذين لذى الرائحة. فقد نرى ذوات الماء ولها حس الاشتمام، إلا أن الإنسان وما كان متنفساً من ذوى الأرجل ليس يمكنه إدراك الرائحة بالاشتمام إلا أن يتنفس. وسنخبر بعلة ذلك أخيراً.