Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Consuetudinibus (On Habits)

هذه مقالة جالينوس في العادات

قال جالينوس ان حذاق الاطبا وجميع الناس كافة يرون ان احد الاغراض التي يقصد نحوها في التماس الصحة الغرض المأخوذ من العادة وان كان قوم ممن شانهم افساد الامور الجميلة يرومون ان يطرحوه ويرذلوه واذا هم سالونا عن السبب الذي من اجله اذا اكل انسان لحم بقر فضره متى اتفق ذلك في اول امره ياكله ثم اضطره الامر الى ان ياكله في كل يوم من السنة اجمع اما لم يضره بتة واما كان ما يناله من مضرته اقل مما ينال من لم يعتد اكله فاجبناهم في ذلك وردوا علينا بعض كل جواب فاتيناهم به بالقول ظنوا انهم مع نقضهم لجوابنا بالقول قد ابطلوا نفس وجود الامر بمنزلة ما لو ان رجلا نقض كل راي اعتقده الناس في البصر كيف يكون فقال ان الناس لا يبصروا اصلا

والامر في ان الغرض الماخوذ من العادة عظيم النفع في استخراج الاشيا التي بها تكون المداواة امر ظاهر ومن اجل ذلك قد نجد ابقراط يقول في كتاب الفصول ان من اعتاد الصبر على التعب في الاشيا التي قد الفها وان كان ضعيفا او شيخا فالامر عليه في احتمالها اسهل واضف منها على القوي والشاب الذي لم يعتدها وذكر ايضا بكلام طويل في كتاب تدبير الامراض الحادة المضاد العارضة من الاغذية التي لم يعتدها اكلها والمنافع المكتبسة من التدبير التي جرت به العادة وكذلك ايضا ارسسطراطس في المقالة الثانية من كتابه في الاسترخا قد نجده امتثل قول ابقراط فيما وصف من علمه بامر العادات ومع هذا ايضا فلسنا نجد احدا من هاولا ولا غيرهم من ساير الاطبا القدما الا وقد يظن به انه قد ذكر في امر العادات اشيا لا تدخل في باب الاجماع ولا تنفك من حجج ينقضها ايضا فان القوم انما الذين يظن بهم الظان انهم قد وجدوا شيئا مقنعا انما وجد كل واحد منهم ما وجده من السبب في نوع واحد غير النوع الذي وجد فيه صاحبه فمنهم من وجد سببا مقنعا في الاطعمة وحدها ومنهم من وجد في الرياضات او في الاعمال واما في الانواع كلها جملة فليس فيهم احد وجد سببا مقنعا

ولذلك قد تخالفنا قوم مرارا كثيرة في اسقا الما البارد لمن به مرض حاد فمنعونا من اسقا المحموم ما باردا ويامرونا بالاقتصاد على الاستدلالات الماخوذة من الاغراض الاخر اعني من المواضع الالمة ومن الامراض التي فيها ومن الاسباب الفاعلة لها ومن اوقات السنة والبلدان وامزاج المرضى على ما جرت العادة بالنظر في ذلك ويقولون ان هذا الامر حقيق بان نضحك منه ان تكون الكبد وارمة او الرية او المعدة او غير ذلك من ساير الاعضا التي منزلتها من الشرف منزلة هذه ويومر المريض المعتاد لشرب الما البارد لشربه لا لشي من الاسباب الاخر بل للعادة فقط فان ذلك فيما زعموا تشبيه بان ياذن الرجل لمن اعتاد الاستحمام بالما البارد ان يفعل ذلك ولو كان محموما كانا نحن معشر من يتبع العادة نامر جميع المرضى على اي الحالات كانت امراضهم ان يفعلوا ما كانوا معتادية من غير ان نستعمل مع الغرض الذي نقصد نحوه من العادة جميع الاغراض الاخر

ومن ذلك ان ارسطاطاليس الميطوليني وقد كان رجلا مقدما في علم الفلاسفة المشايين لما وقع في مرض قد كان في مثله يمكن ان ينفع شرب الما البارد وكان رجلا لم يشرب الما البارد قط رد على من اشار عليه بشربه وقال لهم انه يعلم يقينا انه ان ذاق الما البارد تشنج وذلك بزعمه لانه قد كان راى اخر عرض له التشنج من الما البارد ممن كان شبيها به في مزاج بدنه وسحنته وكان معتادا لشرب الما الحار ولو كان ارسطاطاليس اعتاد شرب الما البارد لكان حريا الا يفزع ولا يجبن منه ولو انه فزع وجبن منه لكان الاطبا الذين يتولون علاجه سيقهرونه لا محالة ويقسرونه على شربه الا ان هذا مات في مرضته هذه فيما بلغني عنه ولما سالني من حضر وفاته هل كنت تقدم على اسقايه الما البارد بثقة ويقين كما تقدمت على ذلك في بشر كثير فاسقيت بعضهم الما البارد في وقت مرضه كله وبعضهم في وقت دون وقت على ان غيري من الاطبا كانوا يجبنون عن اسقايهم اياه ام قد اصاب الرجل في امتناعه منه واحسن في الحرس على طبيعته فاجبتهم بانه قد اصاب غاية الصواب في حرسه لانه كان منهوك البدن جدا وكان فم معدته باردا منذ اول امره حتى انه كان ان حمل عليها فضلا قليلا اصابه من ساعته فواق ولكن كما ان هذا لا يحتمل شرب الما البارد لمكان عادته ولمكان طبيعة بدنه على ان مرضه كان يدل انه ينبغي ان يسقى ما باردا كذلك كنت انا اسقي مريضا ما باردا بغاية الثقة والاتكال متى كانت حماه الحمى المحرقة خالصة وهي التي ترعى ما وسوس ولم يكن في شي من احشايه ورم بين وكنت اسقي انسانا اخر ما باردا وانا ليس منه في غاية الثقة والاتكال لكن كنت اسقيه اياه بعد ان اقول لخواصه انه ان لم يشرب ما باردا يموت لا محالة وان شرب رجوت له ان يسلم ويعافا رجا كبيرا وتالله ان جميع من شربه ممن رجوت له العافية سلم وعوفي واذا كان هذا الباب هو احد الاشيا التي يداوا بها الامراض 〈و〉قد امتحن بالتجارب على طول الزمان فقد ينبغي لنا ان ناخذ في البحث عن سببه بعد ان نذكر اولا بما قاله بقراط في كتابه في تدبير الامراض الحادة وما قاله ارسسطراطس في المقالة الثانية من كتابه في الاسترخا والذي قاله بقراط هو هذا

انه قد تقدر ان تعلم باهون السعي امر التدبير الردي في المطعم والمشرب اذا كان يجري على امر واحد يشبه بعضه بعضا دايما فهو اوثق واحرز وابعد عن الخطر في التماس الصحة من ان ينقل الرجل تدبيره دفعة ويغيره تغييرا عظيما الى شي اخر افضل منه لان من اعتاد ان يتغذى في كل يوم مرتين او من اعتاد ان يتغذى مرة واحدة في اليوم يعرض له من الانتقال عن ذلك دفعة مضرة وضعف فمن كان قد اعتاد ان لا يتغدا فهو ان تغدى عرض له من انتقاله على عادته دفعة ضعف وثقل في جميع بدنه وكسل فان هو مع هذا تعشا عرض له جشا حامض وقد يعرض لبعضهم الخلفة وذلك لانه اثقل معدته ثقلا لم يعتده وانما اعتادت تجف ولا تنتفخ مرتين في اليوم ولا تطبخ الطعام مرتين ثم ان بقراط اذا هو ادخل في وسط كلامه صفة السبيل في مداواة ما يعرض لهولا من المضار عاد الى ما كان فيه واتبع ذلك بذكر من يدع عادته فيقول هذا القول وان اكل من هذه حاله ثلث مرار في اليوم 〈و〉يشبع في كل مرة منها كان ما يناله من الاذى اشد وان هو ايضا اكل اكثر من ثلث مرار كان الاذى اعظم على ان خلقا كثيرا يحتمل باهون سعي ان ياكل في اليوم ثلث مرات اكلا كثيرا اعني من قد اعتاد ذلك وكذلك ايضا من اعتاد ان ياكل في اليوم مرتين متى لم يتغدا عرض له خمول وضعف وتهيب لكل عمل ويصيبه وجع الفواد ويظن ان احشاه معلقة ويبول بولا حارا اصفر اللون ويكون برازه يتوقد وبعضهم يعرض له مرارة في فمه وتكون عيناه غايرتين وصدفاه يضربان وتبرد يداه ورجلاه وجل من لا يتغدا لا يقدر ان ياكل في العشا اكلا كثيرا وان هو تعشا اثقل معدته وكان نومه اردى منه لو انه كان قد تقدم فتغدا فاذا كانت هذه الاشيا قد تعرض للاصحا على ما وصفت وذلك بسبب تغير التدبير الذي جرت به العادة في نصف النهار فالامر ظاهر انه ليس ينبغي ان يزاد فيما جرت به العادة ولا ينقص منه فاذا كان هذا الذي اكل مرة واحدة وخرج في اكلته عن العادة اذا هو مكث نهاره اجمع يحلل بدنه ثم تعشى بمقدار ما لم يزل يعتاده فبالواجب يكون ثقل ذلك اعظم عليه واشد اذ كان حين لم يتغدا اذاه ذلك واضعفه فلما تعشى اثقله العشا وان هو مكث مدة اطول يتحلل بدنه ثم تعشا دفعة كان ما يناله من الثقل اعظم واكثر ثم ان ابقراط من بعد هذا ايضا كما فعل قبل لما وصف الوجه في اصلاح المضرة العارضة لمن يتحلل تحللا خارجا عن العادة اتبع ذلك ووصله بان قال:

وللانسان ان يعدد اشيا كثيرة اجابة لهذه من الاشيا التي ترد المعدة وغير ذلك لان الناس يسهل عليهم احتمال الاطعمة التي قد الفوها واعتادوها وان لم تكن اطعمة خيارا في طبايعها وكذلك الاشربة ويعسر عليهم احتمال الاطعمة التي لم يالفوها ويعتادوها وان كانت ليست بردية وكذلك الاشربة وليس بعجب لمن يتناول من اللحم مقدارا كبيرا على غير عادته او تناول انجدان او لبن الانجدان وهو الحلتيت او قصب نبات الانجدان او غير ذلك مما قوته عظيمة ان يعرض له من امثال هذه الاشيا في البطن وجع وان يكون ذلك من بعضها اكثر من بعض وانما التعجب متى علمتكم مقدار ما يحدثه الطعام الذي يسمى مازا من الاذى والنفخة والرياح في بطن من اعتاد ان ياكل الخبز اذا هو اكل ذلك الطعام على غير اعتياده له واي ثقل يحدث عن الخبز واحتباس البطن فيمن قد اعتاد اكل المازا والخبز ايضا نفسه اذا اكل حارا اي عطش يحدث عنه وكيف يشبع دفعة بسبب تجفيفه وابطا الحرارة والخبز المختبز من السميذ النقي والخبز المختبز من دقيق ليس بالنقي اذا اكل كل واحد منهما على غير اعتياد من اكله له ما الذي يفعله كل واحد منهما من الافعال المخالفة لافعال غير والمازا نفسها اذا اكلت يابسة على غير اعتياد من اكلها لها او رطبة او لزجة والسويق ما الذي يفعله الحديث منه فيمن لم يعتد تناول الحديث وما الذي يفعله السويق الاخر فيمن قد اعتاد بشرب السويق الحديث وشرب الشراب وشرب الما اذا انتقل عن كل واحد منهما الى الاخر دفعة على غير اعتياد لذلك وشرب الشراب الكثير المزاج والشراب الصرف اذا شرب كل واحد منهما بغية يحدث في المعدة ترهلا ورياحا وفي الامعا نفخة والصرف يحدث اختلاجا في العروق وثقلا في الراس وعطشا والشراب الابيض والشراب الاسود يحدثان في ابدان من يبدل كل واحد منهما بالاخر ولو كانا كلاهما في الخمرية على مثال واحد تغيرا كثيرا فيكون تعجب الانسان من انواع الشراب الخمرية وانواعه الحلوة اذا وجدها عندما تبدل الواحد من هذه بالواحدة من تلك لم يكن فعلهما فعلا واحدا اقل فقد اتينا من كلام ابقراط الى هذه الغاية في قوى العادات بمثالات فيها كفاية وبلاغ

واما اراسسطراطس فانه قال في المقالة الثانية من كتابه في الاسترخا قال قولا هذه حكايته وقد ينبغي لمن يريد ان يداوي مداواة تجري على حقها وصدقها ان يبحث عن امر العادات بحثا كثيرا وذلك ان انواع التعب والكد اذا عاناها من قد الفها واعتادها لم يتعب وسلم معها من الاعيا ومن عاناها على غير اعتياد منه لها فانه وان تعب تعبا يسيرا يعرض له اعيا والاطعمة ايضا ما هو منها قد جرت به العادة وان كان اعسر في الانهضام من غيره فهو يستمرا اسرع واسهل من الطعام الذي لم تجر به العادة وان كان اسرع انهضاما. والاستفراغات ايضا التي تنقص البدن اذا جرت بها العادة البدن يقبضها وان كانت لا تنفع ومتى فقدها وقع في المرض مثال ذلك ما يعرض في استفراغ الدم من السعلة وفي انواع النقص التي ينقص بها قوم ابدان انفسهم حتى تصير عادة وفي القروح التي تخرج من البدن في وقت دون وقت وبعض الناس يعرض له ايضا في الوقت بعد الوقت هيضة فان هذه الانواع من النقص كلها وان كانت لا تنفع قد يقبضها البدن ويطلبها واذا لم تكن في وقت العادة وقع اصحابها الذين اعتادوا نقص ابدانهم بها في علل كبيرة وذلك كله انما يكون بسبب العادة ومع هذا فلو ان انسانا طالبنا بان نذكر له من وسط قول ما كلمتين او ثلث من غير ان نكون اعتدنا ذلك لما امكنا ان نذكر له ذلك بسهولة فان نحن اخذنا في القول على النسق من الكلام الذي قيل تلك الكلمات التي اقترحها علينا اتيناه بما اراد بسهولة وان كنا قد اعتدنا ان نقول كلمات منتزعة من وسط كلام سهل علينا الامر فيما يطلبه منا وقد يعرض للناس ايضا هذا الذي اصفه وهو ان من لم يعتد ان يتعلم فهو يبطي في التعلم ويتعلم اليسر فاذا اعتاد التعلم فهو يتعلم اكثر واسرع وهذا ايضا بعينه يعرض في الفحص والبحث عن الاشيا على هذا المثال وذلك ان من لم يعتد اصلا ان يبحث ويفحص عن شي يعما عقله في اول حركته ويتشوش ويتخيل فيدع البحث من ساعته ويتنحا عنه وذلك لان فكرته تعيا وتكل وتضعف وتتحير كما يعرض ذلك لمن يحضر احضارا لم يعتده فاما من قد اعتاد ان يفحص فانه يغوص وينفر عن كل شي وتبلغ فكرته اقاصي الاشيا فيفحص عنها وينقل فكرته الى مواضيع شتى من غير ان يخرج عن البحث لا في بعض نهاره فقط لكن في جميع عمره فيناقض المطالبات ويقلب فكرته ويديرها في معاني مختلفة وهذا ما يظهر عيانا من قوة العادة وتمكنها في جميع حالات الناس من عوارض النفس والام البدن وقد اتينا في هذا الباب بما يحتاج اليه في هذا القول واذا نحن صرنا الى الكلام الكلي في الطب ذكرناه بكلام طويل كثير فان ذكره والبحث عنه هناك مما لا بد منه ضرورة متى اردنا ان لا يدخل كلامنا في الطب خلل ونقصان في اشيا كثيرة

فهذا ما قاله احمد الاطبا مذهبا وابعدهم صوتا وهو ارسسطراطس وبقراط في قوى العادات ولم يسند استخراج ما استخرجاه من علم ذلك الى القياس بل اسنداه الى الاشيا التي تظهر بالحس عيانا وذلك امر يفهمه ايضا من ساير الناس خلق كبير ممن ليس عيشه كعيش الخنازير والحمير اعني اي الاشيا تنفعهم وايها تضرهم فانك تسمعهم في كل يوم يقولون انهم الفوا هذا الطعام وهذا الشراب واعتادوه فهم لذلك لا يقدرون على تركه لانهم متى تركوه وانتقلوا عنه الى غيره اضر بهم ذلك وعلى هذا المثال يقولون في ابواب التصرف بمنزلة الاستحمام وخلافه وركوب الخيل والتقنص والاحضار والصراع والسهر والتردد في الشمس والبرد والهم وجميع امثال هذه الاشيا ونظايرها