Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Consuetudinibus (On Habits)

ولذلك نحن مستخفون بمن يظن ان الغرض المقصود اليه من العادة لا منفعة فيه في شي من ابواب المداواة او هو قليل المنفعة وفاحصون عن السبب الذي من اجله صارت للعادة قوة عظيمة على هذا من الحال وهل السبب في العادات كلها واحد ام في كل واحد منها سبب غير السبب في الاخرى بمنزلة ان السبب في الاطعمة غير السبب في الرياضة وغيره في الاستحمام وفي غير ذلك مما اشبهه ونجعل مبدانا في ذلك من الاشيا التي توكل فنقول لم صار من اعتاد اكل لحم البقر بعضهم لا يضره ذلك اصلا وبعضهم يضره اقل من مضرته اياه في اول الامر ولم صار بعض الناس بسبب ما عليه طبيعته من اول امره كما قال ارسسطراطس في كتابه يستمري لحم البقر اسرع واسهل من استمرايه السمك الرضراضي والسبب الذي به صاروا هاولا يستمرون لحم البقر اسرع واسهل من استمرايهم للسمك الرضراضي قد ذكرناه في الموضع الذي بحثنا فيه عن القوى الطبيعية وسنذكره ايضا هاهنا بعد قليل بسبب اشتراك الكلام فاما في هذا الموضع فانا نجعل مبدا كلامنا فيمن يستمري طعاما من الاطعمة اي طعام كان اجود من استمرايه لغيره بسبب اعتياده له بعد ان اضع اولا اصلا يصطلح عليه ويجري عليه مبنا الامر في هذه الابواب كلها وهو ان بالطبع اشيا خاصية تقوم مشاكلة لطبايعهم واشيا غير خاصية لهم ولا مشاكلة لطبايعهم وقد قلت في ذلك كله قولا طويلا في الموضع الذي فحصت فيه عن امر القوى الطبيعية

وانا مبتدي هاهنا في القول بعد ان اضع اولا معنى الاستمرا والهضم فاقول انه كما ان خبازي الخبر يقال انهم قد خبروا الخبز وانضجوه لا عندما يطحنون الحنطة ويصيرون اجزا صغارا وينقونها لاكن عندما يعمدون اليها بعد فعلهم بها ذلك فيلتون دقيقها بالما ويخلطون معه الخمير والملح ثم يعجنونه ويغطونه بشي مما يمكن فيه ان يسخنه ويتركونه حتى يختمر ثم يخبزونه وينضجونه بعد ذلك اما في تنور واما في فرن وكذلك الامر فيما يرد المعدة اعني انا لا اقول عندما ينطحن ويصير اجزا صغارا انه قد انهضم بل انما نقول انه قد انهضم عندما تتغير كيفيته بمنزلة ما تتغير الحنطة اذا خبزت وانضجت فكما ان الحنطة ينبغي ان تتغير وتستحيل الى كيفية مشاكلة لمن ياكلها خاصية به تنضجها وتصيرها خبزا كذلك بالحري ينبغي للطعام ان يستحيل ويتغير في المعدة الى كيفية اخص بالبدن واكثر مشاكلة له اعني بقولي طعاما اخص واكثر مشاكلة الطعام الذي منه غذا مشبه للبدن الذي يريد ان يغتذي به وذلك لان لكل واحد من الاجسام المغتذية شيا مما يغذو خاصا به مشاكلا له غير الشي الخاص بغيره المشاكل لغيره وبهذا السبب صارت الحيوانات تقصد الى الاغذية الخاصية بها المشاكلة لطبايعها عن غير تعلم وطبايعها تدعوها وتنازعها الى ذلك. اما البهايم فتقصد الى العشب والحشيش والتبن والكلا والشعير واما الاسد فالى اللحوم وكذلك النمور والذياب فكما ان اجناس الحيوانات قد تختلف الاغذية الخاصية بكل واحد منها المشاكلة له اختلافا عظيما كذلك قد يوجد في انواع هذه الاجناس اختلاف عظيم في الاغذية من ذلك ان في الناس قوما لا يستطيعون ان يذوقوا الشراب فضلا عن ان يشربوه وقوما اخر يكثرون من شربه. وبعض الناس كما قلنا يستلذون اكل لحوم البقر والتيوس والكباش ويستطيبونها ويستمرونها بلا اذى ولا مشقة وبعضهم لا يقدرون على طعام اخر بمنزلة ما يعرض للناس في وقت المجاعة والقحط قهروا انفسهم واكلوا مثال هذه اللحمان ولم يقدروا على استمرايها بلا مضرة وعثت انفسهم على المكان وعرض لهم منها جشا لا يقدرون ايضا على احتماله والصبر عليه بلا اذى ولا مشقة واذا كانت هذه امور توجب عيانا على ما وصفت فقد ينبغي لنا اولا ان نذكر هذه الخصلة وهي ان الناس ياكلون اشيا مختلفة يتفرد كل واحد منهم بواحد منها خاصة بحسب خصوصية طبيعة كل واحد منهم وان الذي يدعوهم الى اكل مثل هذه الاطعمة مع ساير الاسباب الاخر انهم يستلذونها اكثر ويجتنبون الاشيا التي لا يستلذونها ويهربون عنها ويعسر استمراوهم لها فتكون العادة حينئذ علامة تدل على الخصوصية والمشاكلة الطبيعية وقد تكون العادة ايضا مرارا كثيرة سببا وعلة فيمن يتناول في اول الامر طعاما ما لا يستلذه او يجد له مضرة حتى اذا هو اعتاده والفه قليل بعد قليل باستلذاذ منه له ولا يجد له مضرة والسبب في كل واحد من هذه هو هذا اقول انه كما ان كل واحد من الاشيا التي توكل وتشرب تستحيل وتتغير كيفيته كذلك هو ايضا قد يغير ويحيل الشي المغير والمحول له قليلا قليلا ومما يستدل به على ذلك استدلالا بينا اختلاف الاخلاط المتولدة عن كل واحد من الاطعمة وذلك ان من الاطعمة ما يولد دما اسوداويا ومنها ما يولد دما بلغميا او دما الاكثر فيه مرة صفرا او حمرا ومنها ما يولد دما صافيا واذا كان ذلك كذلك فلا بد ضرورة من ان تحدث في الاعضا التي تغتذي بها تغيرا ما بحسب نوع الدم الذي يعدوها والدليل البين على تشبه المغتذي بالغاذي تغير حالات النبات والبذور فان هذه كثيرا ما تتغير تغيرا كثيرا يبلغ من كثرة ان تكون الشجرة [التي] تضر غاية المضرة ما دامت في الارض التي هي فيها فاذا هي نقلت عنها وغرست في ارض اخرى صارت معما لا تضر تنفع وقد جرب ذلك مرارا كثيرة اصحاب الكتب في الحراثة وفي النبات كما جرب الامر في تغير الحيوانات بحسب المواضع اصحاب الكتب في قصص الحيوانات فاذا كان اذا ليس الغاذي فقط يستحيل ويتغير الى المغتذي بل قد يستحيل ويتغير ايضا المغتذي الى الغاذي تغيرا قليلا واستحالة يسيرة فقد يجب ضرورة ان يكون هذا التغير القليل والاستحالة اليسيرة اذا اجتمعا على طول الزمان عظما وصارا ذات قدر فتكون الخصوصية والمشاكلة الكاينة بسبب العادات الطويلة المدة مساوية للخصوصية والمشاكلة الطبيعية مقارنة لها