Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Diaeta in Morbis Acutis (Regimen in Acute Diseases)

وقد ينبغي أن تجري العادة في التدبير ما داموا أصحّاء على الأمر الأنفع وذلك أنّ التدبير إذا كان قد يظهر منه في الأصحّاء اختلاف عظيم في أصناف الانتقال وغير ذلك فكم بالحريّ يجب أن يكون اختلافه أيضاً في الأمراض أعظم ومن الأمراض خاصّة فيما كان منها حادّاً جدّاً ومعرفة ذلك سهلة أعني أنّ التدبير الرديء بالمطعم والمشرب الشبيه بعضه ببعض أوفق بالجملة في جميع الأوقات في حفظ الصحّة من الانتقال بغتة إلى تدبير آخر أجود منه من ذلك أنّ انتقال من جرت عادته أن يأكل في اليوم مرّتين أو من جرت عادته أن يأكل في اليوم مرّة واحدة بغتة إلى ضدّ ما كان عليه يحدث عليه ضرراً وضعفاً ومن لم تكن عادته أن يتغذّى فتغذّى أضعفه ذلك على المكان وأثقل بدنه وكسّله وأرخاه فإن تعشّى مع ذلك أيضاً تجشّأ جشأ حامضاً ومنهم من يعرض له لين الطبيعة والسبب في ذلك ما أثقل معدته على خلاف ما جرت عليه الطبيعة وذلك أنّ العادة جرت عنده بأن تكون المعدة منه خالية ولا تتملّأ من الطعام مرّتين وتهضم الطعام أيضاً مرّتين.

قد ينتفع هؤلاء بأن يخفّف عنهم ما نالهم عند انتقالهم في التدبير إلى الضدّ وذلك أنّه ينبغي أن يناموا بقدر ليلة تامّة بعد عشاءهم أمّا في الشتاء فمع توقٍّ من البرد وأمّا في الصيف فمع حذر من الحرّ فإن لم يمكنهم أن يناموا مشوا مشياً كثيراً رقيقاً من غير أن يقفوا فإذا كان بعد ذلك إمّا ألّا يتعشّون وإمّا أن يتعشّوا عشاء خفيفاً لا يضرّهم ويشربون أيضاً شراباً قليلاً غير ممزوج بالماء.

وكذلك أيضاً من اعتاد أن يأكل في اليوم مرّتين متى ترك الغذاء استرخى بدنه وضعف وجزع عن كلّ عمل وعرض له وجع في فؤاده حتّى يتوهّم كأنّ أحشاءه متعلّقة ويكون بوله بولاً حارّاً أخضر اللون وبرازه محترقاً ومنهم من تجد في فيه مرارة وتجد العينين منهم غائرتين والأصداغ تختلج وتبرد أطرافهم وأكثر من ترك الغذاء لم يمكنه أن يستوفي عشاءه وإذا تعشّى ثقلت معدته واستصعب عليه نومه أكثر كثيراً ممّا لو كان تقدّم فتغدّى.

فمتى عرضت هذه الأعراض للأصحّاء بسبب تغييرهم التدبير في نصف يوم إلى خلاف ما جرت به عادتهم فالأصلح عندي ألّا تزيد ولا تنقص.

فإن كان من أكل على غير ما جرت به عادته مرّة واحدة لمّا استعمل نهاره أجمع خلاء العروق وتعشّى على ما جرت به عادته ثقل بدنه فيجب أن يثقل أكثر كثيراً إن كان لمّا ترك الغذاء بعد ذلك أضعفه فلمّا تعشّى ثقل بدنه وإن عاد أيضاً فتعشّى بعد استعماله خلاء العروق مدّة طويلة ثقل بدنه أكثر كثيراً.

قد ينتفع أيضاً من استعمل خلاء العروق على خلاف العادة بأن يخفّف عنه ما ناله في ذلك اليوم على ما أصف توقّى البرد والحرّ والتعب فإنّ احتمال ذلك يصعب عليه ويخفّف في العشاء ممّا جرت به عادته ولا يكون ما يتعشّى به جافّاً لاكن رطباً ويشرب شرابه غير ممزوج ليس بأقلّ من مقدار طعامه فإذا كان من غد ذلك اليوم خفّف غذاءه كيما يعود إلى ما جرت به عادته على التدريج.

ومن كان من هؤلاء المرار غالباً على أعالي بدنه فاحتماله لأمثال هذه الأشياء في أكثر الأمر أصعب ومن كان الغالب على أعالي بدنه البلغم فسهولة احتمال الصوم عليه بخلاف العادة في أكثر الأمر أشدّ فبهذا السبب أيضاً صار احتماله لتناول الغذاء في اليوم مرّة واحدة بخلاف العادة أسهل.

فهذا أحد الدلائل الكافية في أنّ التغيير العظيم جدّاً في الأعراض العارضة في طبائعنا وسحنة أبداننا خاصّة يولد الأمراض فليس يمكن إذاً استعمال خلاء العروق كثيراً في غير وقته ولا إعطاء الغذاء في وقت منتهى الأمراض والتهابها ولا يمكن أيضاً تغيير التدبير بغتة لا عند هؤلاء ولا عند هؤلاء.