Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Diaeta in Morbis Acutis (Regimen in Acute Diseases)

وأمّا ماء العسل فإنّه إذا شرب في جميع أوقات المرض في الأمراض الحادّة كانت موافقته في أكثر الأمر لأصحاب المرار المرّ ولمن أحشاءه عظيمة أقلّ من موافقته لمن لم يكن كذلك وماء العسل في أكثر الأمر أقلّ تهييجاً للعطش من الشراب الحلو وذلك أنّه يليّن الرئة ويعين على نفث ما يحتاج إلى نفثه بالبزاق معونة معتدلة ويسكّن السعال والسبب في ذلك أنّ فيه بعض الغسل وهذا الغسل يلزج البزاق بأكثر ممّا ينبغي وماء العسل أيضاً يدرّ البول إدراراً شديداً إلّا أن يمنع من ذلك بعض الأحشاء ويسهل أيضاً الأخلاط التي من جنس المرار من أسفل وربّما كان ما يسهله منها حسناً وربّما كان مشبعاً بأكثر ممّا ينبغي وأكثر زبداً وأكثر ما يعرض هذا في أصحاب المرار ومن كانت أحشاءه عظيمة.

فنفث ما ينفث بالبزاق ولين الرئة يكون خاصّة عن شرب ماء العسل الممزوج فضل مزاج وأمّا انحدار البراز الزبديّ والذي الغالب عليه المرار الحارّ فيكون عن شرب ماء العسل الذي مزاجه أشدّ صروفة أكثر منه من الذي الغالب على مزاجه الماء وما كان من البراز حاله هذه الحال ففيه أيضاً مضارّ آخر عظيمة وذلك أنّه لا يبطئ الالتهاب الكائن في المواضع التي دون الشراسيف لكنّه يهيّجه ويحدث عنه صعوبة احتمال المرض على المريض واضطراب الأعضاء ويحدث قروحاً في الأمعاء والمقعدة وأمّا أصناف العلاج التي يعالج بها هذه الأمراض فأنا واصفه فيما بعد.

وإذا استعملت في هذه الأمراض مكان أحساء وكلّ ما يشرب ماء العسل كان صواباً في أشياء كثيرة ولم يمكن أن تخطئ كثير خطاء فأمّا من ينبغي أن يسقى ذلك ومن لا ينبغي أن يسقى فقد قلنا جلّ ما ينبغي أن يقال فيه وأخبرنا أيضاً بالسبب الذي لا ينبغي أن يسقى فيه المريض ماء العسل.

ورذل الناس استعمال ماء العسل لأنّه يسقط قوّة من يشربه ولهذا السبب قد يظنّ به أنّه يحدث الموت بسرعة وإنّما قيل فيه ذلك لأنّ شاربه لا يمكنه أن يلبث باستعماله وذلك أنّ من الناس من يستعمل ماء العسل فقط على أنّ استعماله في مثلهم يجري على الصواب وليس هذا الرأس بالحقيقة على هذا إلّا أنّ ماء العسل أقوى كثيراً من الماء إذا شرب وحده إن لم يليّن البطن وقد نجد أيضاً هو أقوى من الخمر الرقيق القليل الاحتمال للماء في بعض الأوقات وفي بعضها أضعف والفرق بين استعمال الخمر والعسل غير ممزوجين في قوّة كلّ واحد منهما عظيم لأنّه إن شرب شارب من شراب صرف الضعف ممّا يشربه من العسل قويت قوّته من شرب العسل أكثر كثيراً إن لم يليّن الطبيعة فقط وذلك أنّ البراز أيضاً الذي يخرج عنه هو الضعف فإن تحسّى كشك الشعير ثمّ شرب بعده ماء العسل أشبعه ذلك شعباً شديداً وأنفخه ولم ينتفع به في المواضع التي دون الشراسيف فإن شرب ماء العسل قبل الحساء لم يضرّه ذلك كمضرّته إذا شربه بعده لكن ربّما انتفع به أيضاً.

والمطبوخ من ماء العسل أحسن في منظره من الذي لم يطبخ وذلك أنّك تراه رقيقاً أبيض ينفذه الضوء وأمّا أنّ فيه فضيلة يتقدّم بها على النيّ من ماء العسل فلست أقدر أن أقول ذلك لأنّه ليس بأطيب من النيّ إن اتّفق أن يكون العسل جيّداً والمطبوخ من ماء العسل أضعف من النيّ وأقلّ إحداراً للبراز وليس من هذين واحدة يحتاج إليها في الانتفاع به وأقرب ما يدعو إلى استعماله مطبوخاً متى اتّفق أن يكون العسل رديئاً ليس بالنقيّ ولا طيّب الرائحة أسود اللون فإنّ الطبخ ينقص من رداءته وشدّة سماجته.