Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Hippocrates: De Diaeta in Morbis Acutis (Regimen in Acute Diseases)

قد ينبغي أن نعيد في هذا الجزء من كلامنا القول المضادّ له فنقول إنّ الانتقال في التدبير استعمل في هؤلاء من غير أن يكون البدن تغيّر لا إلى الشدّة في القوّة فيجب من ذلك أن يزاد في الأطعمة ولا إلى الضعف فيجب أن ينقص منها.

وقد ينبغي أن تتعرّف مع هذا أيضاً شدّة قوّة المريض وحال كلّ واحد من الأمراض وطبيعة العليل وعادته في تدبيره لا الذي يكون بالأطعمة فقط بل الذي يكون أيضاً بالأشربة وقد ينبغي أن يكون انتقالك إلى الزيادة أقلّ كثيراً وذلك أنّ النقصان في الجملة أنفع في أكثر الأمر متى كان المريض محتملاً ما دام مرضه واقفاً إلى أن يبلغ منتهاه وينضج وأنا عليّ أن أكتب في أيّ الأمراض ينبغي أن يستعمل ذلك.

وللإنسان أيضاً أن يكتب أشياء أخر مؤاخية لهذه الأشياء وأفضل الدلائل في ذلك على أنّه ليس إنّما هو مؤاخٍ للمعنى الذي جلّ كلامنا فيه لاكنّه أفضل الأقاويل في ذلك هذا بعض من يبتدئ به مرض حادّ ربّما أكل في ذلك اليوم الذي ابتدأ به مرضه بعض الأطعمة وربّما تناول الغذاء من غد ذلك اليوم ومنهم من يشرب بعض الأحساء أيّها كان ومنهم من يشرب شراباً قد أنقع فيه خبز وكلّ ذلك أردأ ممّا لو كانوا تدبّروا بخلافه إلّا أنّه أقلّ ضرراً في هذا الوقت ممّا لو استعمل المريض خلاء العروق بيومين أو ثلاثة من الأيّام الأول فإذا مضى لمرضه أربعة الأيّام أو خمسة استعمل هذا التدبير وأردأ من ذلك أيضاً أن استعمل خلاء العروق في هذه الأيّام فإذا كان بآخرها يدبّر بمثل هذا التدبير قبل أن ينضج مرضه وذلك أنّ الموت يسرع إلى أكثر من يدبّر بمثل هذا التدبير أكثر إلّا أن يكون المرض في غاية السلامة وأمّا الغلط الذي يكون في ابتداء المرض فليس إصلاحه مثل إصلاح هذا الغلط غير ممكن لاكن مداواته أسهل كثيراً فقد أرى من أعظم ما أفيدكه نفعاً أنّه لا ينبغي أن تمنع المريض في الأيّام الأول من مرضه بعض الأحساء على أنّها تختلف وأنت مزمع بعد قليل أن تغذوه ببعض تلك الأحساء.

فقد نجد من يستعمل منذ أوّل المرض كشك الشعير لا يعلم أنّه قد يضرّ بالمريض إذا ابتدأ أن يحسيه ذلك بعد أن كان قد تقدّم فاستعمل فيه خلاء العروق يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك وكذلك أيضاً من يستعمل ماء الشعير فإنّك تجده لا يعلم أنّه قد يضرّ بالمريض إذا سقاه ذلك من غير أن يكون ابتدأ فأعطاه إيّاه على الصواب وإنّما يحفظ فقط ويعلم أنّ شرب المريض كشك الشعير قبل أن ينضج مرضه وقد جرت عادته باستعمال ماءه قد يحدث عليه ضرراً عظيماً.

ففي جميع هذه الأشياء التي وصفت أعظم الدلائل على أنّ تدبير هؤلاء الأطبّاء للمرضى ليس بصواب لكنّهم يستعملون خلاء العروق في أمراض لا ينبغي استعماله فيها وهم سيغذون أصحابها بعد بالأحساء ويغيّرون التدبير وينقلونه من خلاء العروق إلى استعمال الأحساء في أمراض لا ينبغي أن يغيّر فيها وهم في أكثر الأمر من ذلك على خطاء وذلك أنّهم كثيراً ما ينقلون المريض من خلاء العروق إلى استعمال الأحساء في الأوقات التي ينتفع فيها كثيراً بالنقلة من الأحساء إلى استعمال خلاء العروق إن اتّفق أن يكون استصعاب المرض في ذلك الوقت.

وكثيراً ما يجتذبون من الرأس ومن نواحي الصدر أخلاطاً نيّة من جنس المرار ويعرض لهم سهر يمنع المرض من النضج ويشتدّ حزنهم ويتمرمرون وتختلط عقولهم ويعرض لهم قدّام أعينهم شبيه باللمع ويمتلئ السمع منهم أصواتاً وتبرد أطرافهم وتكون أبوالهم غير نضيجة وبزاقهم رقيق مالح يسير متصبّغ بلون خالص ويعرض لهم عرق فيما يلي الرقبة ويصيبهم اضطراب ويتغيّر نفسهم في انجذابه إلى فوق ويتواتر ويعظم وتلظى أصداغهم وما أحدث من هذا صغر النفس كان أردأ ويطرحون ثيابهم عن صدورهم وترتعش أبدانهم وكثيراً ما تختلج منهم الشفة السفلى وإذا ظهرت هذه الأعراض في ابتداء الأمراض كانت دالّة على اختلاط عقل شديد ويموت المرضى في أكثر الأمر ومن تخلّص منهم كان تخلّصه إمّا بخراج يحدث به وإمّا برعاف وإمّا بنفث مدّة غليظة وأمّا بغير ذلك فلا.

وما وجدت الأطبّاء يخبرون من أمر المرضى كيف ينبغي لهم أن يتعرّفوا ما يعرض لهم من الضعف في الأمراض هل هو بسبب خلاء العروق أو هيجان آخر أو تعب وحدّة المرض وما يحدث من سائر الأعراض من قبل طبيعة البدن وحاله وأصناف ذلك.

إنّ من أردأ الأشياء أن يكون ضعف المريض بشدّة من الوجع وحدّة من المرض فيؤمر بفضل تناول من شراب أو حسو أو طعام فالآمر بذلك يتوهّم أنّ ضعف المريض إنّما هو من خوىً ومن أقبح الأشياء أيضاً أن يكون ضعف القوّة من خلاء العروق فلا يعلم ذلك الطبيب ويضيّق عليه في الغذاء فإنّ هذا الغلط أيضاً قد يحدث على المريض خطراً إلّا أنّه أقلّ كثيراً من الأوّل وهو أولى أن يضحك منه أكثر من الغلط الأوّل لأنّه إن دخل على المريض طبيب آخر أو بعض العوامّ وعرف ما عرض له فأمره بتناول الأغذية والأشربة التي منعه منها ذلك الطبيب الأوّل تبيّن بياناً ظاهراً نفعه للمريض والعار على من كانت هذه حاله من الناس أشدّ كثيراً وذلك أنّهم يرون الداخل بآخرة طبيباً كان أو رجلاً من العوامّ أنّه قد أقام ميّتاً وأنا كاتب الدلائل التي ينبغي أن يستدلّ بها على كلّ واحد.