Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Elementis ex Hippocrate (On the Elements According to Hippocrates)

وأما اسقلبيادس الذى يروم إبطال جميع محاسن الطب بقوله، فإنه يريد — لمكان أجرامه وفرجه تلك العجيبة التى ادعاها — أن يقنعنا أن كل واحد من الأدوية ليس يجتذب الخلط المشاكل له، لكنه إنما يغير، ويحيل، ويفسد، وينقل إلى طبيعته جميع ما يصادفه.

ويزعم فى الانتفاع الذى يتبع الإسهال أنه ليس يكون بنقاء البدن مما كان يؤذيه، لكن بالسبب العام من كل استفراغ.

فهذا مبلغ قحة اسقلبيادس وجرأته على المخالفة للعيان فى دعواه.

وأما ما يظهر للعيان كالذى قد علمه بقراط وسائر جميع الأطباء، بعد أن اختبروه بالتجربة فهو على ما وصفناه قبيل.

وذلك أنك إن رمت أن تسقى من الغالب عليه المرار دواء يسهل البغلم، فلست أشك أن تجربتك لذلك ستجنى عليك غرما ثقيلا.

وإن كانت الأدوية المسهلة إنما تنفع باستفراغاتها فقط، فما بالنا لا نقصد العروق لجميع الناس، بأى حال كانت أبدانهم من القضف، أو من السمن أو كان بهم يرقان، أو كان بهم الوسواس السوداوى.

لكنا قد نجد أنا قد سقينا قوما كثيرا ممن هو شديد الهزال، وبه علة من هذه الفعل التى ذكرت الدواء المسهل، فانتفع باستفراغ ذلك الخلط الذى كان سبب علته منفعة ليست باليسيرة.

ولو تقدم عليهم متقدم، فأخرج من أبدانهم دما، لكان قد قتلهم على المكان.

إلا أن الذى يضطر أسقلبيادس إلى أن يقول هذا القول ما ادعى من تلك الأجرام، والفرج، والاسطقسات التى لا تتصل. فإنه يلزم القائل بذلك ألا يقول بأن كيفية من الكيفيات توجد غريبة، مخالفة لطبيعة أبداننا، حتى لا يزعم أن كيفية الفضول التى تستفرغ فى كل يوم من الأبدان من البطن غريبة، مخالفه لها. لكنه إنما يحدث لها الضرر عند احتباس الطبيعة من طريق الكثرة؛ والامتلاء. فإن دواء ذلك إنما هو الإقلال من الطعام، أو الإمساك عنه أصلا.

فقد تقدم أسقلبيادس على كثير من أشباه هذه الأقاويل المضادة لما يظهر عيانا، حتى إذا سمعها من لا يعرف ما يظهر فى العيان، اضطرته إلى أن يتحير.

وإذا سمعها من يعرف ما يظهر فى العيان، صيرته إلى المتعجب من قحة هذا الرجل. ويبلغ به من استعظام ذلك منه ما يبهر عقله.

لكنا سنقول فى معاندة ما تقدم عليه أسقلبيادس قولا أبلغ من هذا فى غير هذا الكتاب.

وأما الآن فإنى راجع فى صفة ما يظهر عيانا، متبعا فى ذلك أقاويل بقراط.

وما ظن بقراط أنه يبلغ من جهل أحد من الأطباء، أو من قحته، ما بلغه أسقلبيادس.

فليس يخلو أسقلبيادس من أن يكون قد جهل هذه الأمور، على ما هى عليه من القلة والصغر من أمور الطب، أو يكون قد علمها، وجحد معرفتها، فيكون فى غاية القحة.

ولذلك صار كلامنا يطول بسبب مناقضتنا لمن استعمل القحة. وقصر كلام بقراط، وصار وجيزا، إذ كان إنما وصف ما يظهره عيانا فقط من غير أن احتاج إلى شىء من التثبت والنصرة له، من قبل أنه لم يتوهم أن أحدا من الناس يجهل أشباه هذه من الأمور، ولا يجحدها إذا عرفها.