Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Elementis ex Hippocrate (On the Elements According to Hippocrates)

وقد تبين لك أن بقراط يسمى الاسطقسات كثيرا بأسماء تشتق لها من كيفياتها فى كتابه فى طبيعة الإنسان، فيقول: حار، وليس يريد به الكيفية مفردة وحدها، ولا الجسم الذى بغليتها عليه يسمى باسمها، لكن الجسم الذى تلك الكيفية فيه على غايتها.

ويقول: بارد، وهو يريد به الجسم الذى فيه كيفية البرد على غايتها.

ويقول: يابس، وهو يريد به الجسم الذى فيه كيفية اليبس على غايتها.

ويقول: رطب، وهو يريد به الجسم الذى فيه كيفية الرطوبة على غايتها من نفس أقاويله.

وذلك أنه إذا قال:

ويجب ضرورة أن يعود كل وإحد منها إلى طبيعته إذا مات الإنسان، وانحل بدنه: اليابس إلى اليابس، والرطب إلى الرطب، والبارد إلى البارد، والحار إلى الحار.

فليس يعنى بالحار، والبارد، واليابس، والرطب الكيفيات وحدها مفردة، لكنه إنما يعنى الجواهر التى فيها تلك الكيفيات. وذلك أن تلك هى التى يقال فيها إنها ترجع إذا مات الإنسان، وإنها تخالط استقصات الكل.

وأما الكيفيات فإنما يقال فيها إنها تفسد إذا مات الإنسان، ولا يقال فيها إنها تعود إلى طبائعها.

وقد أتبع بقراط القول الذى تقدم بقول آخر، فقال:

وكذلك طبيعة الحيوان، وسائر الأجسام كلها، تحدث كلها، وتفنى على مثال واحد. وذلك أن طبيعتها تحدث من جميع هذه التى ذكرنا، وتفنى برجوعها إلى هذه التى ذكرنا، وذلك أن كل شىء حدث عن شىء، فإلى ذلك الشىء يعود.

فقد بين عن نفسه فى هذا القول أيضا بيانا شافيا أنه ليس يعنى بالحار، والبارد، والرطب، واليابس الكيفيات، لكنه إنما يعنى بها الاستقصات، وذلك أن كون الاجسام كلها إنما هو عن تلك، وفسادها كلها يؤول الى تلك.

وقد أحب لك أن تقبل بفهمك وعقلك، وتتدبر به هذا أيضا الذى قد ذهب على كثير من الاطباء ممن ظن ببقراط أنه يهرب من أن يحكم بأن تلك هى اسطقسات جميع الاجسام التى فى الكون والفساد.

وذلك أنك تجده قد استعمل فى هذا القول الذى حكيته لك عنه قبيل الاسم الذى يدل به على العموم، وهو قوله: كلها، أربع مرات. واستعمل ذلك الاسم أيضا قبل ذلك فى القول الذى قال فيه:

فقد يجب ضرورة إذا كانت طبيعة الإنسان كذلك، وسائر الأشياء كلها، ألا يكون الإنسان شيئا واحدا.

وكذلك نجده يستعمل هذا الاسم فيما أتى به بعد من الأقاويل.

لكن هذا قد ذهب على كثير ممن ينسب نفسه إلى مقالة بقراط.

ويغلطون أيضا قبل هذا، فيظنون أنه إذا قال: حارا، أو باردا، أو رطبا، أو يابسا، إنما يعنى به شيئا آخر سوى الاسطقسات المشتركة لجميع الأجسام التى فى الكون والفساد.

وقد بينت لك — فيما أحسب — بيانا شافيا بالأقاويل التى حكيتها لك عنه أنه ليس يريد أن يجعل الكيفيات اسطقسات لتلك الأجسام.

وأبين لك ذلك أيضا بقول آخر أحكيه لك عنه، وهو هذا القول:

وإن لم يكن أيضا الحار عند البارد، واليابس عند الرطب معتدلة بعضها بقياس بعض، مساويا بعضها لبعض، لكن كان الواحد منها يفضل على الآخر فضلا كثيرا، فيكون الواحد أقوى، والآخر أضعف، لم يحدث الكون.

وذلك أنه ليس يرى أن كون الحيوان عن الكيفيات وحدها، إذ كانت الكيفيات لا يمكن أن تكون موجودة دون الأجسام. لكنه إنما يريد أن حدوث الحيوان من تلك الأجسام التى فيها تلك الكيفيات على غايتها. لأن تلك هى الاسطقسات المشتركة لجميع الأجسام التى فى الكون والفساد.

فأما الشىء الذى يسمى حارا، أو باردا، أو رطبا، أو يابسا لغلبة تلك، فهو خاص لكل واحد من الأجسام.

وأنا جاعل كلامى أولا فى الإنسان، فأقول:

إن تركيب بدن الإنسان من الاسطقسات الأولى، المفردة عند الحس هو عن الأعضاء التى تعرف بالمتشابهة الأجزاء، وهى: الليف، والأغشية، واللحم، والشحم، والعظام، والغضاريف، والرباطات، والعصب، والمخ، وسائر جميع الأعضاء التى أجزاء كل واحد منها فى صورة واحدة.

وحدوث هذه أيضا كان من اسطقسات أخر قريبة منها، وهى: الدم، والبلغم، والمرتان الصفراء والسوداء.

وحدوث هذه كلها، وتولدها هو مما يؤكل، ويشرب.

وحدوث ما يؤكل ويشرب أيضا إنما هو من الهواء، والنار، والماء، والأرض.

فأما هذه فليس هى عن أجسام أخر، لكنها عن العنصر، والكيفيات.

ولذلك قلنا إن النار، والماء، والهواء، والأرض ليس لها اسطقسات كانت عنها، لكن لها مبادئ، وأصول. وإن هذه أعنى النار، والهواء، والماء، والأرض اسطقسات لسائر جميع الأجسام. وذلك أنها أقل الأجزاء وأبسطها، وأقدمها من سائر جميع الأجسام.

وليس يشك أحد له عقل أن حدوث كل عشب، وكل نبات، ونماءه إنما هو عن الهواء، والماء، والنار، والأرض. ولا يخالفنا أيضا أحد فى أن هذه هى أغذية جميع الحيوان، ولا أن تولد الأخلاط التى توجد فى الأبدان وهى صحيحة، باقية على طبائعها، إنما تكون عنها.

وقد نحتاج إلى البحث عن تلك الأخلاط، أى الأخلاط هى، وكم هى. وقد قدرنا لذلك قولا ثانيا.

فأما الآن فإنا نروم أن نضيف إلى هذا القول الأول، ما يقوم له مقام الرأس للبدن، فنقول: