Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Elementis ex Hippocrate (On the Elements According to Hippocrates)

ولذلك قد ينبغى أن نجيز قول من قال: إن الحيوان إنما يتولد، ويتغذى من الدم وحده.

إذ كان قولهم قولا مشبها، غير بعيد من الحق.

فأما بقراط فيتجاوزهم فى دقة النظر فى المجرى الطبيعى. فقال:

إن الكون، والنشوء، والغذاء يكون فى أبداننا من الأخلاط الأربعة.

ودعاه إلى أن قال ذلك شيئان:

أحدهما: ما رآه، كما قلت قبل، من شدة الاختلاف فى صورة أبدان الأصحاء، الذى لم يكن أن يكون مثله يوجد فيها لو كان الخلط الأصلى إنما هو واحد.

والثانى: ما رآه من شدة اختلاف طبائع الأعضاء، الذى لا يشبه معه أن يكون كونها فى أول الأمر حدث من جوهر واحد، ولا أن تكون كلها تغتذى بنوع واحد من الغذاء.

وقد أشار بقراط إلى جميع هذه المعانى التى وصفتها فى قولى هذا بقول قصير، وجيز فى غاية الإيجاز، فقال:

فكما أن ما يغرس وما يزرع، إذا صار فى الأرض، جذب كل واحد منه ما هو له طبيعى مما يجده فى الأرض. وقد يوجد فى الأرض شىء حامض، وشىء حلو، وشىء مر، وشىء مالح، وغير ذلك من كل نوع. كذلك الحال فى بدن الحيوان. وأول ما يجتذب إليه وأكثره الشىء الذى هو أولى الأشياء أن يكون له طبيعيا. ثم انه بعد ذلك يجتذب سائر الأشياء. وكذلك تفعل الأدوية فى البدن.

فقد وصف لنا ابقراط فى هذا القول أمر قبول الغذاء، وأمر الاستفراغ الذى يكون بالأدوية على الاستقصاء.

وسأشرحه لا محالة شرحا بالغا فى كتابى فى القوى الطبيعية.

وأنت قادر الآن على أن تقف على جملته وتعلمها.

وذلك أن فى كل واحد من الأشياء الموجودة قوة طبيعية تجتذب الأشياء الموافقة له، كما فى حجر المغنطيس القوة التى يجذب بها الحديد.

وبهذه القوة يلتئم أمر الغذاء، وأمر الاستفراغ بأدوية الإسهال، والقىء، وذلك أن تلك القوة تجتذب الشىء الموافق ما دام ممكنا كثيرا. وربما اجتذبت معه الشىء الذى ليس هو كذلك. كما قد يحدث ذلك فيما يظهر من عمل أدوية الإسهال، والقىء. وذلك أنها إذا استفرغت جل المرار، أو البلغم، حتى تأتى عليه — وأعنى بجلهما، ما تحويه منهما العروق — اجتذبت من نفس الأعضاء الأصلية ما فيها من الرطوبة المشاكلة لها بالقسر، والعنف، والكد الشديد، فتحلل البدن، وكأنها تروم أن تصير إلى الاستقصات التى كان عنها، فتفسده. فبشدة ذلك الجذب يتبعه واحد من سائر الأخلاط، وهو الذى يتلو فى طبيعته ذلك الخلط الذى يجتذب قسرا.