Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Elementis ex Hippocrate (On the Elements According to Hippocrates)

إن كل واحد من الأعضاء المتشابهة الأجزاء حدث وتكون عن تلك، إذا اجتمعت، وتركبت بعضها إلى بعض، إلتئمت منها الآلة الأولى البسيطة التى جعلتها الطبيعة لفعل واحد.

وإذا اجتمعت أيضا وتركبت عدة من تلك الآلات بعضها لبعض، تولدت عنها آلة أخرى أعظم من الأولى.

وإذا تركبت أيضا تلك الآلات بعضها إلى بعض التأم من ذلك قوام البدن كله.

وسنتكلم فى ذلك فى كتابنا فى التشريح.

وقد وصفت أيضا كيف كان رأى بقراط فى جميع ما يظهر فى التشريح فى كتاب أفردته لذلك.

وأما الآن فإنما قصدى أن أصف أمر الاسطقسات التى هى أعلى من تلك، حتى تخفى عن الحس، وهى التى تكلم فيها بقراط فى كتابه فى طبيعة الإنسان، فقال:

إن اسطقسات أبداننا الخاصة القريبة هى الأخلاط الأربعة. وإن الاسطقسات المشتركة لجميع الأجسام هى: الحار، والبارد، والرطب، واليابس.

فإنه يسمى الاسطقسات من كيفياتها التى من قبلها صارت الاسطقسات اسطقسات.

وذلك أن الحرارة التى هى فى الغاية، إذا صارت فى العنصر، كان ذلك الجسم اسطقسا. وكذلك الحال أيضا فى البرودة، والرطوبة، واليبس إذا صار كل واحد منها فى العنصر.

وذلك أنه ليس يحكم على الجسم بأنه اسطقس من قبل أنه أحمر أو أبيض، أو أسود، أو من قبل أنه خفيف، أو ثقيل، أو من قبل أنه ملزز، أو سخيف، ولا من قبل أنه يضغط، أو يقطع، أو يهشم. وبالجملة: ليس يقال إنه اسطقس من قبل أن فيه كيفية أخرى سوى الكيفيات الأربع التى وصفناها.

فإن هذه الكيفيات الأربع وحدها إذا كانت تحيل الجوهر المشترك لجميع الاسطقسات صارت أسباب استحالة الاسطقسات بعضها إلى بعض، وأسباب قوله النبات والحيوان.

واستحالة الاستقصات بعضها إلى بعض أمر بين فى العيان حتى أن آل ثاليس قد أقروا به، على أنه مناقض لأصولهم، كما بينت.

والذى نتج عن إقرارهم بذلك أن الاسطقسات كلها جوهر واحد، مشترك هو لها عنصر.

وقد بين ذلك أيضا بقراط بقول وجيز قد حكيته عنه، وهو أول قول حكيته عنه، وهو القول الذى قال فيه:

إن الإنسان لو كان شيئا واحدا لما كان يألم.

فإن هذا القول مع إيجازه، قد قلت إنه يخبرنا بالأمرين جميعا، أعنى أن الاسطقسات أكثر من واحد، وأن من شأنها الاستحالة.

وأنا عائد فى هذا حتى أضيف إلى هذه القول الأول ما نحتاج إليه فيه، كيما يتم به، فأقول:

إن الجوهر إذا كان من شأته أن يستحيل، فقد ينبغى أن ننظر الآن أى كيفية من الكيفيات التى من شأنها أن تفعل ذلك.

فإن بقراط من قبل أنه كان يستعمل الإيجاز على عادة القدماء، من بعد أن قال:

إن الإنسان لو كان شيئا واحدا، لما كان فى حال من الأحوال يألم.

أتبع ذلك باستعمال الحار، والبارد، واليابس، والرطب فى جميع الاستحالات، بعد أن أخذ من العيان أن الأجسام التى يلقى بعضها بعضا من شأنها أن يستحيل بعضها إلى بعض بإسخان بعضها لبعض، أو بتبريدها، أو بتجفيفها، أو ترطيبها.

وعلم أن مما تقدم فبين من أمر استحالة الجوهر فى جملة أنه قد بطل أن يكون ما يظهر من استحالة الأجسام إنما هى اجتماع وتفرق، كما ظن آل أفيقورس، وذيمقراطيس، وكما ادعى على جهة أخرى انكساغورس، وإمبادقلس.

أما انكساغورس فدعواه الأجسام المتشايهة الأجزاء.

وأما إمبادقلس فظنه أن الأسطقسات الأربعة غير قابلة للتغيير.

وأما نحن فإنا نبسط القول ونشرحه. فبحسب ما نزيد فى بيانه، يكون تقريبنا له من القبول والتصديق حتى يصير على هذا المثال:

إن كنا قد نألم، فليس جوهرنا واحدا فى الصورة، ولا غير قابل للتأثير. وقد نجدنا نألم، فيجب من ذلك أن يكون جوهرنا ليس بواحد فى الصورة، ولا غير قابل للتأثير.

وإن كان جوهرنا قابلا للتأثير، فإنما يقبله بأن يسخن، ويبرد، ويجف ويرطب.

وذلك أنه ليس شىء من سائر الكيفيات الأخر يقدر أن يغير الجسم الذى يلقاه بكليته. وذلك أن الثقيل إذا لقى الخفيف، لم يصر الثقيل خفيفا، ولا الخفيف ثقيلا، ولا إن لقى الخشن الأملس، أو الملزز السخيف، أو الغليظ اللطيف. فإنه ليس شىء من هذه يمكنه أن يحيل الجسم الذى يلقاه فى كليته، وجملته.

وقد بقى اللين، والصلب، واللزج، والهش.

واللين من هذه أيضا. واللزج إنما هو من طبيعة الرطب. والصلب والهش إتما هما من طبيعة اليابس.

ولم يبق من الكيفيات الملموسة شىء غير هذه.

ومما هو بين عند جميع الناس أن استحالات العنصر ليس تلحق الكيفيات المرئية، أو الكيفيات المسموعة، أو الكيفيات المطعومة، أو الكيفيات المشمومة.

وذلك أنها وإن كانت من جنس الكيفيات الملموسة فإنها تخالف تلك الكيفيات التى تخص باسم الملموسة فى شيئين:

أحدهما: أنها ليس توجد فى جميع أجناس الحيوان.

والآخر: أنها ليس تغير الجوهر الذى تكون فيه بكليته، وجملته.

فإن كانت هذه الكيفيات تخص الحيوان الذى توجد فيه، وكانت الكيفيات التى تحيل الجوهر بكليته، وجملته، وتغيره أولية، قديمة فى الطبع، مشتركة لجميع الأشياء، محدثة للاسطقسات، فقد بان أن الحر، والبرد، والرطوبة، واليبس هى المقومة لجوهر كل واحد من الأجسام.

فقد بان أن ابقراط قد أصاب فى قوله:

إن طبيعة الإنسان وسائر جميع الأجسام إنما كان قوامها بالحار، والبارد، والرطب، واليابس.

فإن هذه يفعل بعضها فى بعض فعلا بينا، كما قد اتفق على ذلك جميع الناس. وفعلها بعضها فى بعض فعلا ليس يكون باجتماعها، وتفرقها لكنه إنما يكون بقبولها للتأثير، استحالتها فى جملة جواهرها.

وإنى لأعجب من أثيناوس كيف لم يقل هذا الذى قلناه الآن ولا ما أضاف إليه أرسطوطاليس، أو خروسبس. لكنه إنما قال:

ينبغى أن تقبل الاسطقسات على أنها ظاهرة للعيان من غير برهان.

هذا على أنه فى مناقضته لاسقلبيادس قد ذكر هذه الأشياء بعض الذكر. ولم يفقها كلها، ولا أتى بها على طريق الحجة القاطعة، ولا استعمل فى مناقضته له النظام المنطقى، وطريقه. إلا أنه على حال قد يذكر بعض هذه، فيقسمها، ويأتى بها على غير نظام.

فهذا مستحق للذم. إذ كان قد أسلم العلم الذى أفدناه بقراط فى الطبائع المهلكة.

وأما أنا فقد آن لى أن أقطع هذا القول.

فإن سائر الأشياء التى تناقض أقاويل القوم الذين يرمون أن الجوهر لا يقبل التأثير، ويخلطون فيه الخلط، بعضها قد وصفه أرسطوطاليس، وثاوفرسطس، وبعضها سنصفه نحن إذا قصدنا لمناقضة كل واحدة من الفرق. وصفه تلك إنما هى من النقل. وأما ما وصفنا الآن فهو كاف فى البرهان الصحيح.

وذلك أنه ليس لأحد أن يعاندنا، فيقول:

إنه لا يجب أن تقولوا إن الجوهر لا يستحيل فى جملته، وكليته، لأن من قال ذلك أبطل الوجع، واللذة، والحس، والذكر، والفكر، وجملة أفعال النفس.

ولا لأحد أن يدعى أن كيفية أخرى سوى هذه الكيفيات الأربع من شأنها أن تحيل الجوهر بكليته.

فإن كان الأمر كذلك، فقد بان أن ابقراط هو أقدم من استخرج علم الاستقصات التى كانت عنها طبيعة الأشياء، وأول من أتى بالبرهان الكافى عليها.

وهو وإن كان لم يعنون كتابه «فى الاسطقسات»، كما فعل اسقلبيادس الطبيب، فليس يلزم من ذلك حجة، وذلك أن جميع كتب القدماء إنما عنوانها «فى الطبيعة». وكذلك نجد كتب ما لسيس، وكتب برمانيدس، وكتب إنبادوقليس، وكتب ألقماون وغيرجس، وبروديقوس، وكتب غيرهم من سائر جميع القدماء.

فأما أرسطوطاليس فجعل قوله فى الاسطقسات فى كتابه فى السماء والعالم، وفى كتابه فى الكون والفساد.

فأما خروسبس فجعل كلامه فى الاسطقسات فى كتابه فى الجوهر.

ولم يعنون واحد من هذين كتابه فى الاسطقسات. وليس ينبغى أن نقصد لطلب اسم الكتاب، لكن إنما ينبغى أن يكون قصدنا البحث عن معنى الكلام فيه.

فإن إنسانا لو عنون هذا الكتاب الذى نحن فيه «فى الطبيعة»، أو «فى الكون والفساد»، أو «فى الجوهر»، لما كان بين ذلك فرق.

لكنه لما كان من عادة أهل دهرنا كلهم، إلا الشاذ، أن يعنونوا مثل هذا الكتاب «فى الاسطقسات»، ويسمونه دائما بهذا الاسم، رأينا أن الأجود أن نعنون كتابنا هذا «فى الاسطقسات على رأى بقراط».

وأحسبنى قد فرغت من جميع قولى الأول.

وذلك أنه إن كان قد فاتنى شىء مما قال بقراط فلم أشرحه، فكل واحد من الناس قادر على أن يفهمه بسهولة بعد أن يستعين على فهمه بما قد وصفت، مثل قوله:

إن الكون لا ينبغى أن يكون من شىء واحد.

وقوله:

إن الحار عند البارد، واليابس عند الرطب، إن لم يكن على اعتدال بقياس بعضها عند بعض وعلى استواء، لكن كان الواحد منها يفضل على الآخر كثيرا، وكان الواحد منها أقوى، والآخر أضعف لم يحدث عنها الكون.

فإنه يصف فى هذا القول أمر اعتدالها، واستوائها فى القوة.

وسنشرح ذلك من أمرها فى كتابنا فى المزاج، وفيما بعده من كتبنا.

فأما كيف تمتزج الأشياء التى تمتزج فى جملتها هل يكون ذلك بعمل كيفياتها فقط بعضها فى بعض، كما رأى أرسطوطاليس. أو بتفرد جواهرها الجسمانية بعضها فى بعض، ومداخلة بعضها لبعض، فليس ذلك مما لا بد للأطباء من علمه. ولذلك لم يحكم بقراط فى ذلك بشىء، لكنه اكتفى بأن قال:

إن الاسطقسات يمازج بعضها بعضا بكليتها.

إذ كان هذا هو القول الذى يحتاج إليه فى علم المزاج الذى من رأيى بعد هذا أن أكتب فيه كتابا. وفى علم أمر الأدوية. وسأصف أيضا فى كتاب حيلة البرء المدرك فى علم ذلك بقول أبلغ.

فأما الآن فقد يكتفى فى هذا القول الذى نحن فيه بأن أقول:

إنه ليس يلزم من قال بأن الكيفيات فقط يمازج بعضها بعضا شىء من الشناعات التى ذكر اسقلبيادس فى كتابه «فى الاسطقسات» أنها تلزم من زعم أن الجواهر يمازج بعضها بعضا بكليتها.

فقد ينبغى إذا أن نختار هذه المقالة، ولو لم نخترها لشىء إلا لأنها حريزة من لزوم الشناعات، حتى نقول، إن الشراب فى المثل، إذا خالط الماء، وتقسم كل واحد من الماء والشراب إلى أجزاء فى غاية الصغر، لزم تلك الأجزاء أن يفعل بعضها فى بعض، وينفعل بعضها من بعض، وتكون إنالتها كيفياتها بعضها لبعض أسهل كلما تقسمت إلى أجزاء صغار. ولذلك قد يروم من يريد خلط الأشياء بعضها ببعض أن يحركها ويضربها بغاية ما يمكنه، وهو يلتمس بذلك تقسيمها إلى أصغر ما يقدر عليه من الأجزاء.

وقد يوافق هذا القول، ويشهد على صحته أيضا أن الأجسام التى قد خالط بعضها بعضا مخالطة أكثر، ودام ذلك بها، فإن اتحاد كيفياتها بعضها ببعض يكون أكثر. وذلك أن تلك الأجزاء الصغار من الأشياء التى تختلط قد تحتاج إلى مدة من الزمان حتى يفعل بعضها فى بعض، وينفعل بعضها من بعض على الكمال، حتى يصير الكل شيئا واحدا متشابها فى جميع جهاته.

ولذلك صار بعض الأجسام التى تخلط، قد يمكن فى وقت ما تختلط أن يميز بعضها من بعض. فإن لبثت مدة حتى تتحد كلها، فتصير شيئا واحدا، لم يمكن أن تميز، ويعزل بعضها من بعض.

وسنصف أمر المزاج الذى يكون بكلية الأشياء التى تمتزج فى كتاب الأدوية.