Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Elementis ex Hippocrate (On the Elements According to Hippocrates)

ومما هو بين عند جميع الناس أن جميع أعضاء ما له دم من الحيوان إنما حدوثه عن الدم الجارى إلى الرحم من الأم.

وإذ كان قد يشوب ذلك الدم: البلغم، والمرتان، فبالواجب اختلفوا فى القول فى هذا.

فقال بعضهم: إن كوننا إنما هو من الدم فقط.

وقال بعضهم: إنه من الأخلاط الأربعة.

وليس يمكن أن يؤتى بالبرهان القاطع على حقيقة الأمر فى هذا، كما أتى به فى الاسطقسات الأول.

وذلك أن كل واحد من القولين قد يقنع بعض القنوع.

لكنى ملتمس أن أبين ما الذى دعا ابقراط إلى أن توهم أن أصح القولين أن يقال: إن الأخلاط الأربعة هى العنصر الذى عنه كون الإنسان.

ومفتتح كلامى بأن أقول: إن اللحم، والعصب، كل منهما متشابه الأجزاء. لكن اللحم دموى، لين، حار، والعصب على ضد ذلك. وذلك أنه عديم الدم، صلب بارد — وليس اللحم فى غاية اللين، والحرارة، ولا العصب فى غاية الصلابة، والبرد. لكن الدم أسخن وألين من اللحم، والعظم أصلب وأبرد من العصب. وكذلك كل واحد من سائر الأعضاء المتشابهة الأجزاء مخالف لغيره، حتى نجد ذا أبرد من ذا، وهذا أسخن من هذا، وهذا ألين من هذا، وهذا أصلب من هذا.

فقد يجب أن تنظر هل حدثت كلها عن جوهر واحد بعينه. أو الأولى — إذا كان مبنى الطبيعة على الحكمة — أن يكون فى أول الأمر عندما تولد وتصور الطفل من الدم الذى يأتى الرحم من الأم إنما يجتذب منه أغلظ ما فيه لتحدث عنه الأجسام التى هى أصلب، ويجتذب منه أرق ما فيه لتحدث منه الأعضاء التى هى ألين، وكذلك يجتذب ما هو منه أسخن لتحدث منه الأعضاء التى هى أسخن. ويجتذب منه ما هو أبرد لتحدث منه الأعضاء التى هى أبرد.

وأما أنا فإنى أرى أن هذا الطريق أشبه كثيرا، وأولى بالمجرى الطبيعى. وأن به كان منذ أول الأمر تولد الطفل. وأن غذاء كل واحد من أعضائه، ونشوءه فيما بعد ذلك من الزمان كله إنما هو من العنصر الذى يشاكله.

ونحن وإن كنا نرى الدم شيئا واحدا، كما نرى اللبن أيضا بهذه الحال، فإن القياس قد يدلنا أنه ليس شيئا واحدا، كما أن اللبن أيضا ليس بشىء واحد.

وذلك أن فى اللبن شيئا مائيا، رقيقا فى غاية الرقة، وفيه شىء غليظ، جبنى فى غاية الغلظ. وما دام هذان الجزءان ممتزجين كل واحد منهما بالآخر، فإنهما يصيران اللبن متوسطا بين الماء وبين الجبن.

فإذا تميزا دل كل واحد منهما على طبيعته التى هى له خاصة، وعلى طبيعة جملة اللبن أنه لم يكن شيئا واحدا بالحقيقة، لكنه كان مركبا من أجزاء مختلفة، متضادة.

فكما أن فى اللبن جزءا هو ماء، وجزءا هو جبن، كذلك فى الدم شىء منه كأنه صديد نظير للمائية فى اللبن، وفيه شىء كأنه عكر، وثفل نظير الجبن. وقد نرى عيانا فى الدم خيوطا تجرى معه. وإذا عزلت عن الدم تلك الخيوط، لم تجبن. والدم الذى قد عزلت منه تلك الخيوط مختلف فى لونه، وقوامه. وذلك أن بعضه يرى أحمر قانيا، صادق اللون. وبعضه يرى أميل عن هذا إلى الحمرة الناصعة. وبعضه أميل منه إلى السواد. وربما رأينا عيانا قد طفا عليه شىء أبيض. ورمبا رأينا الدم كله كمدا. وربما رأيناه قريبا من السوداء كالفرفير المشبع اللون.

فقد بان من ذلك أن الدم ليس هو واحدا بالحقيقة. وذلك أنه لو كان واحدا بالحقيقة، لكان على مثال واحد فى جميع الأحوال من جميع الحيوان، ومن جميع الناس. لكنه ربما غلب عليه الشىء الغليظ، الأسود، حتى يميل لون البدن كله إلى السواد، وتسود آثار القروح، وتتسع العروق التى فى الساقين مع لون يضرب إلى الكمودة. وربما غلب عليه الشىء الأحمر الناصع حتى يتعرف ذلك فى الشعر، وفى لون البدن كله، وفى القىء، وفى البراز. وربما غلب عليه الشىء الأحمر القانى، أو الشىء الأبيض حتى يتعرف هذان أيضا فى ألوان البدن كله، وفى الشعر، وفى القىء، وفى البراز.

وإذا فصدت العرق أيضا للأصحاء، رأيت بعضهم يجرى منه دم أحمر ناصع، ورأيت بعضهم يجرى منه دم أحمر قان، ورأيت بعضهم يجرى منه دم يميل إلى السواد. ورأيت بعضهم يجرى منه دم يضرب إلى البياض.

ومتى سقيت أيضا الدواء المسهل، استفرغ من البدن الخلط الذى من شأنه اجتذابه. إلا أن ذلك ليس يستوى فى كل طبيعة من طبائع الأبدان، لا فى حال الصحة، ولا فى حال المرض.

وأنا مبتدئ أولا يذكر الأبدان السقيمة، فأقول:

إنك إن سقيت صاحب اليرقان دواء يسهل المرة الصفراء التى قد تسمى الحمراء، استخرجت من بدنه مرارا كثيرا.

وإن سقيت هذا الدواء بعينه صاحب الاستسقاء المعروف بالبلغم الأبيض، وهو الاستسقاء اللحمى، قل ما يستفرغ منه من المرار جدا.

فإن سقيتهما دواء آخر من شأنه أن يستفرغ البلغم، كان ما يستفرغ من صاحب اليرقان من البلغم يسيرا جدا، وناله منه ضرر عظيم، واستخرج من صاحب الاستسقاء الذى ذكرته قبيل من البلغم مقدارا كبيرا جدا. ولم ينله منه ضرر.

وقد سقينا مرارا كثيرة أصحاب الجذام أدوية تسهل السوداء، فاستفرغتهم استفراغا كثيرا جدا بغاية السهولة، وانتفعوا بها منفعة عظيمة.