Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

١٢ ويعمّ جميع حمّيات الدقّ أن تكون ضعيفة دقيقة مستوية دائماً منذ أوّل ابتدائها إلی آخر انقضائها. ويخصّ ما يكون منها مع الذبول اليبس. فقد تكون كثيراً حمّيات من الدقّ ليس معها يبس ولا تنتقل إلی الذبول، كما عرض في هذا الزمان لخلق كثير من الناس في هذا الموتان العظيم الذي حدث.

فحمّيات الدقّ تخالف الحمّيات المطبقة بما وصفت. وأمّا سائر الحمّيات التي تكون فيها نوائب لا يكون معها تضاغط، فتخالفها حمّيات الدقّ بهذه الخلّة خاصّة، وهي أنّ أصحاب تلك الحمّيات الأخر، متى اغتذوا في وقت نوائبها أو قبله بقليل، فلا بدّ من أن يكون مع النوبة تضاغط. وأمّا أصحاب حمّيات الدقّ، فإنّ ما يعرض لهم من الشيء الشبيه بالنوبة التي ليس معها تضاغط، إنّما يعرض بعد تناول الغذاء. وليس ذلك الشيء الذي يعرض لهم، كما قلت قبيل، بابتداء نوبة، إلّا أنّه يغلط من ليس معه دربة في أشباه هذه الأشياء بكثرة ما يحدث من الحرارة في البدن وبما يحدث في العروق من تزيّد عظم النبض وسرعته.

والأمر في هذه الحمّى من غد يزداد بياناً، ويكون بها أشدّ بصيرة، إذا أنت تفقّدت ونظرت إلی كم يدوم ما تغيّر من بعد تناول المريض الغذاء في نبض عروقه وفي حرارة بدنه. وذلك أنّك تجد ذلك التغيير كلّه إنّما يدوم ما دام ذلك الغذاء يتأدّى ويصل إلی القلب، فيرطّب من يبسه. ثمّ إنّ الحال بعد ذلك تعود إلی ما كانت عليه أوّلاً قبل تناول الغذاء. فإن أنت غذوت المريض من غد ذلك اليوم في وقت غير الوقت الذي غذوته فيه بالأمس، ثمّ غذوته من بعد الغد في غير الوقت الذي غذوته فيه في اليوم الذي قبله، وجدت هذا الشيء الذي ذكرت يكون، وهو أنّ الحرارة تتزيّد بعد تناول الغذاء ويتغيّر النبض، فيصير بالحال التي وصفت.

فيشبه أن يكون ما يعرض لأصحاب هذه الحمّى بمنزلة ما يعرض في حجارة النورة وفي الحجارة المحميّة. وذلك أنّك، إذا صببت عليها الماء، وإن كان في غاية البرد، وجدتها قد صارت أسخن كثيراً ممّا كانت. وذلك يكون، فيما يسبق إليه الوهم، من قبل أنّ الحرارة التي فيها حرارة معها يبس، فإذا صادفت جوهراً رطباً، اغتذت منه. والبحث عن السبب الذي من قبله يكون هذا، هو من طريق المسائل الطبيعيّة. فأمّا أنّ الأمر يكون على هذا، فيقدر أن يتعرّف ذلك كلّ من آثر أن يمتحنه.

من ذلك أنّك إذا أخذت بيدك حجراً من حجارة النورة، استهنت بما فيه من الحرارة. فإن وضعته في الأرض ثمّ صببت عليه ماء، رأيته من ساعته يسخن سخونة شديدة ويغلي بمنزلة غليان القدر، إذا وضعت على نار كثيرة قويّة، وتراه أيضاً يرتفع منه بخار ليس باليسير. فإن أنت تقدّمت على لمسه في تلك الحال، أحرقك إحراقاً شديداً سريعاً.

فهذا ممّا يدلّك على أنّ الحرارة التي معها رطوبة أبين كثيراً قوّة وفعلاً من الحرارة التي معها يبس، وممّا يدلّك على أنّ الحرارة التي في حمّيات الدقّ التي يتبعها الذبول حرارة معها يبس، أنّك لا تجد أحداً ابتلي بهذه الحمّى ابتداء ممّم بدنه بدن رطب، لكنّك إنّما تجد هذه الحمّى تعرض ابتداء لمن كان في طبيعته أقرب إلی اليبس، وخاصّة إن كان مع ذلك مزاجه إلی الحرارة أميل، وكان مع ذلك قد مال في تدبيره إلی التعب والنصب والسهر والاهتمام والغذاء اللطيف. فإنّ حمّى الدقّ إنّما من عادتها أن تعرض مبتدئة لمن كانت هذه حاله عند غضب يغضبه أو عند غمّ يغتمّه، وخاصّة متى عرض له ذلك في صيف وحال من الهواء حارّة يابسة وبلد تلك حاله.

وحدّ ابتداء هذه الحمّى هو أن تكون في الوقت الذي تصير فيه حمّى يوم إلی الانحطاط والهدوء، ثمّ إلی الإقلاع، من غير أن يكون شيء من ذلك، ثمّ يتزيّد اليبس تزيّداً بيّناً. فإنّ ذلك هو أوّل وقت تزول فيه الحمّى عن حدّ الحمّى المعروفة بحمّى يوم، فتصير في حدّ حمّى الدقّ.

وحدّ تزيّد هذه الحمّى واستحكامها وكمالها هو وقت النوبة التي تحدث في غيرها في اليوم الثالث. وذلك أنّك، إن وجدت صاحبها، كما قلت قبيل، في اليوم الثالث لم تحدث عليه نوبة أخرى ولا أقلعت عنه الحمّى، واليبس يتزيّد فيه، علمت علماً يقيناً، أنّ حمّاه من حمّيات الدقّ، وإن تمادى بها الزمان، آلت الحال معها إلی الذبول سريعاً، إن لم يعالج صاحبها على ما ينبغي.

وحدّ انقلاب هذه الحمّى إلی الذبول هو أوّل ما يصير النبض ضعيفاً صلباً. وقد يجب ضرورة أن يكون هذا النبض صغيراً متواتراً، إلّا أنّه ليس من قبل ذلك وجب أن تكون تلك الحمّى حمّى ذبول، لكنّه إنّما وجب أن يكون كذلك لضعف النبض وصلابته. وذلك أنّ ضعف النبض إنّما يكون من قبل سوء المزاج القويّ الحادث للقلب، وصلابة النبض إنّما تكون من قبل يبسه. ومتى كان هذان العارضان قد عرضا للقلب، فواجب أن تكون الحمّى في تلك الحال حمّى ذبول.

ويقع في هذه الحمّى بعقب الحمّيات الحادّة المحرقة أكثر من يخطئ عليه الأطبّاء في علاجه، وخاصّة من كان يحتاج إلی أن يشرب الماء البارد، فمنع منه، ولم يتلطّف له مع ذلك بشيء غيره من الأشياء المبرّدة التي توضع على الصدر وما دون الشراسيف. فإن كان مع أنّه لم يعالج بشيء من ذلك قد بولغ في علاجه أيضاً بالأضمدة التي تتّخذ من الخبز والعسل التي قد يستعملها كثيراً أهل زماننا هذا، فهو أحرى بأن يصير إلی حال الذبول سريعاً، كانت حمّاه مفردة أو كانت من ورم حدث في الكبد أو في المعدة.

فإنّ الذبول أكثر ما يحدث إنّما يحدث عن أورام هذه الأعضاء، إذا لم تعالج بالصواب، حتّى إنّ قوماً ظنّوا أنّه لا يمكن أن يكون الذبول إلّا من قبل تلك الأورام، ولم يعلموا أنّه لا يحدث ورم الكبد ولا ورم المعدة ولا ورم شيء من الأحشاء أو من سائر الأعضاء لا ذبولاً ولا حمّى دقّ أصلاً دون أن تنال القلبَ الآفة على ما وصفت.

والآفة التي تحدث للقلب ربّما كانت منه نفسه مثل ما يعرض له من الغضب والغمّ القويّ الدائم الذي تطول مدّته، وربّما كانت من الحمّيات المحرقة، وربّما كانت من العلل التي تحدث في الرئة والصدر وخاصّة من المدّة التي تتولّد فيما بين الرئة والصدر ومن القرحة التي تحدث في الرئة.

وكما تكون حمّى الدقّ والذبول من علل تلك الأعضاء، كذلك تكون من علل المعدة والكبد، وبالجملة، من كلّ ورم يطول لبثه في عضو ذي خطر مع يبس من البدن كلّه وخاصّة من القلب. فقد أعلم أنّي رأيت الذبول حدث من قبل ورم طالت مدّته في المعي المعروف بالقولون ومن ورم مثله كان في المريء ومن ورم مثله كان في المثانة ومن ورم مثله كان في الكلى. وأصابت أيضاً قوماً ممّن كان بهم اختلاف الدم هذه الحمّى بسبب ورم كان بهم في أمعائهم. وأصحاب زلق الأمعاء أيضاً والذرب المزمن، إذا عرضت لهم منذ أوّل عللهم أو بعد أن تتمادى بهم حمّى ضعيفة دقيقة، فإنّه يلزمهم الذبول، وبالجملة، متى كان جرم القلب قد سبق إليه اليبس، ثمّ قبل حرارة الحمّى قبولاً يعسر معه انحلالها.

١٢ ويعمّ جميع حمّيات الدقّ أن تكون ضعيفة دقيقة مستوية دائماً منذ أوّل ابتدائها إلی آخر انقضائها. ويخصّ ما يكون منها مع الذبول اليبس. فقد تكون كثيراً حمّيات من الدقّ ليس معها يبس ولا تنتقل إلی الذبول، كما عرض في هذا الزمان لخلق كثير من الناس في هذا الموتان العظيم الذي حدث.

فحمّيات الدقّ تخالف الحمّيات المطبقة بما وصفت. وأمّا سائر الحمّيات التي تكون فيها نوائب لا يكون معها تضاغط، فتخالفها حمّيات الدقّ بهذه الخلّة خاصّة، وهي أنّ أصحاب تلك الحمّيات الأخر، متى اغتذوا في وقت نوائبها أو قبله بقليل، فلا بدّ من أن يكون مع النوبة تضاغط. وأمّا أصحاب حمّيات الدقّ، فإنّ ما يعرض لهم من الشيء الشبيه بالنوبة التي ليس معها تضاغط، إنّما يعرض بعد تناول الغذاء. وليس ذلك الشيء الذي يعرض لهم، كما قلت قبيل، بابتداء نوبة، إلّا أنّه يغلط من ليس معه دربة في أشباه هذه الأشياء بكثرة ما يحدث من الحرارة في البدن وبما يحدث في العروق من تزيّد عظم النبض وسرعته.

والأمر في هذه الحمّى من غد يزداد بياناً، ويكون بها أشدّ بصيرة، إذا أنت تفقّدت ونظرت إلی كم يدوم ما تغيّر من بعد تناول المريض الغذاء في نبض عروقه وفي حرارة بدنه. وذلك أنّك تجد ذلك التغيير كلّه إنّما يدوم ما دام ذلك الغذاء يتأدّى ويصل إلی القلب، فيرطّب من يبسه. ثمّ إنّ الحال بعد ذلك تعود إلی ما كانت عليه أوّلاً قبل تناول الغذاء. فإن أنت غذوت المريض من غد ذلك اليوم في وقت غير الوقت الذي غذوته فيه بالأمس، ثمّ غذوته من بعد الغد في غير الوقت الذي غذوته فيه في اليوم الذي قبله، وجدت هذا الشيء الذي ذكرت يكون، وهو أنّ الحرارة تتزيّد بعد تناول الغذاء ويتغيّر النبض، فيصير بالحال التي وصفت.

فيشبه أن يكون ما يعرض لأصحاب هذه الحمّى بمنزلة ما يعرض في حجارة النورة وفي الحجارة المحميّة. وذلك أنّك، إذا صببت عليها الماء، وإن كان في غاية البرد، وجدتها قد صارت أسخن كثيراً ممّا كانت. وذلك يكون، فيما يسبق إليه الوهم، من قبل أنّ الحرارة التي فيها حرارة معها يبس، فإذا صادفت جوهراً رطباً، اغتذت منه. والبحث عن السبب الذي من قبله يكون هذا، هو من طريق المسائل الطبيعيّة. فأمّا أنّ الأمر يكون على هذا، فيقدر أن يتعرّف ذلك كلّ من آثر أن يمتحنه.

من ذلك أنّك إذا أخذت بيدك حجراً من حجارة النورة، استهنت بما فيه من الحرارة. فإن وضعته في الأرض ثمّ صببت عليه ماء، رأيته من ساعته يسخن سخونة شديدة ويغلي بمنزلة غليان القدر، إذا وضعت على نار كثيرة قويّة، وتراه أيضاً يرتفع منه بخار ليس باليسير. فإن أنت تقدّمت على لمسه في تلك الحال، أحرقك إحراقاً شديداً سريعاً.

فهذا ممّا يدلّك على أنّ الحرارة التي معها رطوبة أبين كثيراً قوّة وفعلاً من الحرارة التي معها يبس، وممّا يدلّك على أنّ الحرارة التي في حمّيات الدقّ التي يتبعها الذبول حرارة معها يبس، أنّك لا تجد أحداً ابتلي بهذه الحمّى ابتداء ممّم بدنه بدن رطب، لكنّك إنّما تجد هذه الحمّى تعرض ابتداء لمن كان في طبيعته أقرب إلی اليبس، وخاصّة إن كان مع ذلك مزاجه إلی الحرارة أميل، وكان مع ذلك قد مال في تدبيره إلی التعب والنصب والسهر والاهتمام والغذاء اللطيف. فإنّ حمّى الدقّ إنّما من عادتها أن تعرض مبتدئة لمن كانت هذه حاله عند غضب يغضبه أو عند غمّ يغتمّه، وخاصّة متى عرض له ذلك في صيف وحال من الهواء حارّة يابسة وبلد تلك حاله.

وحدّ ابتداء هذه الحمّى هو أن تكون في الوقت الذي تصير فيه حمّى يوم إلی الانحطاط والهدوء، ثمّ إلی الإقلاع، من غير أن يكون شيء من ذلك، ثمّ يتزيّد اليبس تزيّداً بيّناً. فإنّ ذلك هو أوّل وقت تزول فيه الحمّى عن حدّ الحمّى المعروفة بحمّى يوم، فتصير في حدّ حمّى الدقّ.

وحدّ تزيّد هذه الحمّى واستحكامها وكمالها هو وقت النوبة التي تحدث في غيرها في اليوم الثالث. وذلك أنّك، إن وجدت صاحبها، كما قلت قبيل، في اليوم الثالث لم تحدث عليه نوبة أخرى ولا أقلعت عنه الحمّى، واليبس يتزيّد فيه، علمت علماً يقيناً، أنّ حمّاه من حمّيات الدقّ، وإن تمادى بها الزمان، آلت الحال معها إلی الذبول سريعاً، إن لم يعالج صاحبها على ما ينبغي.

وحدّ انقلاب هذه الحمّى إلی الذبول هو أوّل ما يصير النبض ضعيفاً صلباً. وقد يجب ضرورة أن يكون هذا النبض صغيراً متواتراً، إلّا أنّه ليس من قبل ذلك وجب أن تكون تلك الحمّى حمّى ذبول، لكنّه إنّما وجب أن يكون كذلك لضعف النبض وصلابته. وذلك أنّ ضعف النبض إنّما يكون من قبل سوء المزاج القويّ الحادث للقلب، وصلابة النبض إنّما تكون من قبل يبسه. ومتى كان هذان العارضان قد عرضا للقلب، فواجب أن تكون الحمّى في تلك الحال حمّى ذبول.

ويقع في هذه الحمّى بعقب الحمّيات الحادّة المحرقة أكثر من يخطئ عليه الأطبّاء في علاجه، وخاصّة من كان يحتاج إلی أن يشرب الماء البارد، فمنع منه، ولم يتلطّف له مع ذلك بشيء غيره من الأشياء المبرّدة التي توضع على الصدر وما دون الشراسيف. فإن كان مع أنّه لم يعالج بشيء من ذلك قد بولغ في علاجه أيضاً بالأضمدة التي تتّخذ من الخبز والعسل التي قد يستعملها كثيراً أهل زماننا هذا، فهو أحرى بأن يصير إلی حال الذبول سريعاً، كانت حمّاه مفردة أو كانت من ورم حدث في الكبد أو في المعدة.

فإنّ الذبول أكثر ما يحدث إنّما يحدث عن أورام هذه الأعضاء، إذا لم تعالج بالصواب، حتّى إنّ قوماً ظنّوا أنّه لا يمكن أن يكون الذبول إلّا من قبل تلك الأورام، ولم يعلموا أنّه لا يحدث ورم الكبد ولا ورم المعدة ولا ورم شيء من الأحشاء أو من سائر الأعضاء لا ذبولاً ولا حمّى دقّ أصلاً دون أن تنال القلبَ الآفة على ما وصفت.

والآفة التي تحدث للقلب ربّما كانت منه نفسه مثل ما يعرض له من الغضب والغمّ القويّ الدائم الذي تطول مدّته، وربّما كانت من الحمّيات المحرقة، وربّما كانت من العلل التي تحدث في الرئة والصدر وخاصّة من المدّة التي تتولّد فيما بين الرئة والصدر ومن القرحة التي تحدث في الرئة.

وكما تكون حمّى الدقّ والذبول من علل تلك الأعضاء، كذلك تكون من علل المعدة والكبد، وبالجملة، من كلّ ورم يطول لبثه في عضو ذي خطر مع يبس من البدن كلّه وخاصّة من القلب. فقد أعلم أنّي رأيت الذبول حدث من قبل ورم طالت مدّته في المعي المعروف بالقولون ومن ورم مثله كان في المريء ومن ورم مثله كان في المثانة ومن ورم مثله كان في الكلى. وأصابت أيضاً قوماً ممّن كان بهم اختلاف الدم هذه الحمّى بسبب ورم كان بهم في أمعائهم. وأصحاب زلق الأمعاء أيضاً والذرب المزمن، إذا عرضت لهم منذ أوّل عللهم أو بعد أن تتمادى بهم حمّى ضعيفة دقيقة، فإنّه يلزمهم الذبول، وبالجملة، متى كان جرم القلب قد سبق إليه اليبس، ثمّ قبل حرارة الحمّى قبولاً يعسر معه انحلالها.